ولو أن رغبة نسيان ما يجتاحنا في هذا الظرف الثقيل والمقلق، والهروب إلى عوالم أخرى قد تخفف عنا هذا الثقل والقلق. فإننا بعد كل هروب عن طريق الانشغال بأعمال يومية او الانغماس في قراءة أعمال أدبية أو مشاهدة أ أفلام أو غيرها او الاستماع إلى موسيقى أو محاضرات ودروس للتثقيف الذاتي، يعود بنا العقل إلى الواقع، إلى الحدث المهيمن، فقد نتج عن هذا الوباء إعادة التفكير في قضايا كثيرة مرتبطة بوجودنا الجماعي وكينوننتنا الفردية.
وإذا كان ما هو فردي قد يتخذ لتصريفه أشكالا تعبيرية وفنية متعددة، فإن ما يرتبط بالهاجس الجماعي يبقى التعبير اللحظي عنه ، ربما الأنجح والأقوى، هو النثر ثم الكاريكاتور وقليل من الشعر…
ليس غرضي هنا هو جرد للقضايا التي أصبحت راهنة على جدول أعمال التفكير والنقاش، وإنما طرح بعض الأسئلة المستفزة لعلنا نجد لها معالجة أو أجوبة في المستقبل القريب، لأنها أسئلة تهم بلدنا ومصيره وبناء المشروع الجماعي الذي تشتغل عليه بلادنا والذي هو أحد رهانات لجنة المشروع التنموي، التي أمامها الآن فرصة حقيقية لصياغة خارطة الطريق على ضوء الحدث المستجد الذي له امتدادات داخلية وخارحية: إقليمية وجهوية وقارية ودولية.
أول هذه الأسئلة هو إعادة النظر في موقع الدولة والقطاع العام، ويستتبع هذا السؤال تقسيم العمل والمهام بوضوح بين القطاعين العام والخاص، وتحديد القطاعات التي على الدولة أن تحتفظ بامتياز السلطة العمومية فيها، سواء كانت قطاعات إنتاحية أو خدماتية حيوية، حيث إن الخدمات الصحية والتعليمية والتواصلية وما يرتبط بالنقل والتموين، ثم الانتاج المرتبط بمواد التطبيب والوقاية الصحية والتغذية والطاقة إلخ. تخضع لنقاش عمومي متوتر يحتاج إلى وقت للترشيد ووضع النقط على الحروف في ارتباط بالمصلحة الوطنية.
السؤال الثاني مرتبط بخريطة الموارد البشرية والكفاءات والمهن الأساسية التي على بلادنا أن تعيد النظر فيها، إذ أن قوة أي بلد وتقدمه لا يمكن أن تستقر وتحقق الديمومة إلا بالاستثمار الأمثل لمواردها البشرية وإدارتها وتثمينها وتأهيلها ومكافآتها وتوفير جميع الشروط لها للاستقرار والعمل والإنتاج واكتساب المهارات الجديدة و الاجتهاد والإبداع. وفي هذا الصدد لا يخفى على أحد النزيف الذي تتعرض له بلادنا والبلدان المتأخرة بسبب هجرة الأدمغة و الأطر والكفاءات من أطباء ومهندسين وخبراء وعلماء وتقنيين إلخ، والتي قد تشكل عمادا لدينامية أي بلد وقطاعاته الحيوية… في المستقبل
السؤال الثالث المؤرق، إعمال الحكامة العامة والخاصة، وذلك حتى تكون للسياسات العمومية والقطاعية والإدارات والمؤسسات والمرافق الفعالية القصوى بأقل تكلفة ممكنة، وحتى يتم توظيف الموارد المتوفرة التوظيف الناجع على أرض الواقع من أجل تحسين الخدمات و التدخلات والتدبير الأمثل للزمن والتوزيع العقلاني والذكي للكفاءات وفق الحاجيات الآنية والمتوقعة، خاصة الظروف الاستثنائية…
السؤال الرابع والخطير يرتبط بمنظومة القيم في المجتمع، حيث إن أي مجتمع لن ينجح إلا إذا نجح في زرع وإرساء منظومة القيم الوطنية الإيجابية من جد و تضحية وتطوع وتضامن إلخ، وبالتالي بناء الإنسان المواطن الواثق من نفسه، المتشبت بوطنه والحامل لهمومه، المساهم في تقدم أمته وتطورها وفي التكاليف العامة في أوقات اليسر والعسر…
السؤال الخامس ويتعلق بالحسم في التردد الذي نعيشه منذ قرون في العلاقة بين مجال السياسة والمجال الديني، بين العلم الحديث والدين، بين الدين والخرافة والشعوذة…، بحيث إن المشكلة التي نعيشها كمسلمين ليس في ديننا الإسلامي الحنيف، ولكن في بعض التأويلات التي تستثمر الدين أحيانا في كبح تطور المجتمع و إشاعة ثقافة الانهزامية والركون إلى الخلف دون إعمال العقل في الأسباب التي من شأنها القفز بالأمة إلى مساحات التقدم او بالعكس السقوط بها في أتون التخلف المقيت الذي ليس من الدين في شيء…
السؤال الأخير يتعلق بورش اجتماعي استراتيجي ذي أولوية واستعجالية طالما تأخرنا في إنجاز خطواته إن لم نقل أهملناه ولم نحقق التقدم المرتضى فيه وهو المتعلق بالحماية الاجتماعية بمفهومها الشامل والمتعلقة بالشغل والبطالة والتغطية الصحية والتقاعد والحقوق الاجتماعية بصفة عامة للطبقة العاملة والفئات الهشة والمحرومة. ولا يعقل أن تبقى بلادنا في ظل الثورة الرقمية غير قادرة على إدماج كل السكان النشيطين في منظومة الحماية الاجتماعية حتى لا يبقى أي شخص خارج هذه المنظومة التي تبين في الظروف الحالية أنها ضرورية من أجل الاقتدار على تقدير المساعدات الاجتماعية وطبيعتها وفقا للمعطيات المضبوطةا لمصالح الدولة المختصة واستنادا إلى إمكانيات التضامن الوطني المكفول بالقنوات الرسمية والذي يمكن رفده بالقنوات غير الرسمية المدنية وغيرها….
وأخيرا لا نقول إلا ما قاله عز وجل:” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.