احتقان شعبي كبير بسبب “أمانديس” “انتفاضة الشموع” تكتسح مدينة طنجة مظاهرات ومسيرات شعبية حاشدة ضد فواتير “أمانديس” الملتهبة والعماري والعبدلاوي “يخوضان حرب الاختصاصات”
فبعد الشكايات والتظلمات والوقفات الاحتجاجية التي لم تستجب لها لا الشركة الفرنسية “المتفرعنة” ولا الجماعة ولا السلطات المحلية، بما كان متوقعا من الصرامة والجدية، نظرا لحساسية “القضية” وانعكاساتها على وضعية عشرات الآلاف من السكان، عمد المواطنون في هذه المدينة إلى شكل جديد من أشكال التصعيد الاحتجاجي، بالدعوة إلى إطفاء المصابيح ساعة واحدة مساء السبت ما قبل الأخير. وهو الأمر الذي استجاب له السكان بشكل مثير للإعجاب حيث غرقت طنجة “الكبرى” في ظلام دامس، إلا من الإنارة العمومية، وحلت الشموع محل المصابيح في الفضاءات العمومية من مقاه ومطاعم ونواد طيلة الساعة المُحدّدة.
وأمام ما لاحظه السكان من “ترهل” في تدخل المجلس الجماعي الذي لم يكن إيجابيا وحاسما برأي العديدين، حيث إن الشركة واصلت سحب العدادات للمتأخرين في الأداء ولم يطرأ أي تطور في تعامل الشركة الفرنسية مع “الزبناء”، طلعت الدعوة إلى “مقاطعة” جديدة لكهرباء “أمانديس”، مساء السبت الماضي، ولمدة تضاعف الحصة السابقة. هذه الدعوة لقيت استجابة جماعية أقوى وأوسع، من سابقتها، حيث غرقت أحياء المدينة بمقاطعاتها الأربع، في ظلام رهيب، بينما استضاء رواد المقاهي والمطاعم والفضاءات العمومية الأخرى، بالشوارع الرئيسية، بنور الشموع، في حين فضل العديد من أصحاب مقاهي البوليفار جمع الطاولات والكراسي وإغلاق محلاتهم رغم بداية “الويكاند” الذي تنشط فيه “الحركة” و “البركة” ! ….
استجابة المواطنين جاءت تعبيرا واضحا عن روح التضامن داخل المجتمع الطنجي، بكل فئاته ، أمام تعنت الشركة الفرنسية التي تفوح منها، ومنذ مدة طويلة، رائحة الفساد والفضائح، التي تضمنتها بيانات نقابات عمال الشركة، المتكررة والمنشورة على صفحات الجرائد المحلية والوطنية، والتي لم تلق، كالعادة، المعالجة المطلوبة والتتبع المنشود، من طرف من يجب !….
المشاركة الشعبية الواسعة في مبادرات تصعيد “الحراك” من أجل رحيل “أمانديس”، لا يمكن أن تفهم إلا أنه تعبير عن استعداد السكان للسير بعيدا في هذا الاتجاه، ضد سياسة ما سمي بالتدبير المفوض، والحال أنه “تبذير” للموارد الوطنية، وهدر وتحقير وتبخيس للطاقات والكفاءات المغربية الشابة .
فلقد بدا واضحا من تعنت “أمانديس” أن الشركة الفرنسية “المتسلطة” غير مستعدة للالتزام بدفتر التحملات، وباتفاقية عدم سحب العدادات التي يدفع عنها المستهلك كراء شهريا ( ! ) وبمطالب أخرى تهم مراقبة الأخطاء في كتابة الفواتير وقراءة العدادات وفي ضبط العديد من شروط التعاقد بين الشركة والجهة المفوضة، وبينها وبين زبنائها…..حيث إنها لا زالت تعمل بمبدأ “ادفع واحتج” ! …ولكن الاحتجاج يذهب سدى، فلا وجود لهيئة تواصل بين الشركة وزبنائها، بل إن الولوج إلى مبنى “البنتاغون” أهون من الدخول إلى مبنى أمانديس !…. فكيف بالمواطن أن يشتكي أو أن يحتج ضد هذا “التدبير المفوض” الذي قال عنه رئيس مجلس بلدية أصيلة، الوزير والدبلوماسي الأستاذ محمد بن عيسى، إنه أبان عن فشله الذريع خصوصا وأن شركة “أمانديس” لم تنجح سوى في استنزاف جيوب المواطنين بفواتير شهرية ملتهبة وزيادات متكررة، وعدم الوفاء بحجم الاستثمارات المسطرة بكناش التحملات.
محمد بن عيسى أكد في حديث صحافي نشر منذ خمسة أعوام، وبالضبط في 12 دجنبر سنة 2010، أن التدبير المفوض هو أحد أوجه تفويت القطاع العام لصالح القطاع الخاص، وأحد أكثر المجالات خصوبة في الاستغلال ونهب المال العام من طرف جهات أجنبية ومحلية أو هما معا، جاء نتيجة سياسات فساد ممنهج للمرفق العمومي على مدى عقود، ولا زال متواصلا لحد الآن من خلال ما تكشفه تقارير المجالس الأعلى للحسابات السنوية. حيث فسح المجال للمنتخبين بمباركة من سلطات الوصاية لإفراغ الميزانيات العمومية من محتوياتها. بل إن أغلبها حاليا أصبح عاجزا عن سداد المبالغ التي تطالبه بها تلك الشركات مما جعل الجهات المفوضة تحت رحمتها. لتسارع الدولة فيما بعد إلى أجرأة أحد أهم الفصول التبعية للمؤسسات المالية ممثلة في خوصصة القطاعات المنهكة، أو المفلسة، لصالح الشركات المتعددة الجنسية أو الشركات المعروفة بعدم احترامها لأي تعهدات تعهدت به.
وأضاف أنه شُرع في تطبيق التدبير المفوض بالمغرب، في نهاية الثمانينيات، استجابة لمتطلبات الرأسمال العالمي، من خلال تطبيق ما اتفق عليه في جولة الأوروغواي (اتفاقيات الجات)، حيث نصت على ضرورة تحرر الدول من سوق الخدمات العمومية وتفويته لصالح القطاع الخاص.
منذ سنة 1993 حرص المغرب على الخصخصة، ثم سنة 1997 عقب التوقيع على اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، تسلم المغرب بموجبها دعما ماليا قيمته 51 مليون درهم، في إطار برنامج “ميدا “، الداعم لتسريع هيكلة القطاع العام وخصخصته، واضعا شبكة من الخبراء المتخصصين عالميا رهن إشارة المغرب. وذكّر أنه منذ تفويض قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير، لم تنقطع الاحتجاجات في تطوان وطنجة والرباط والدار البيضاء للمطالبة بضرورة محاسبة وطرد الشركات المفوض لها، تدبير تلك المرافق، ورفع دعاوي قضائية… لكن هذه الدعوات تبقى مناسباتية، تتسم بالتشتت وبطابع رد فعلي وقتي وعفوي، لم تصل إلى نتاج موضوعي لعمل تنظيمي مؤطر ومسلح بإمكانيات مادية وايديولوجية معينة، فيما تظل أغلب فعاليات المجتمع المدني الأخرى من جمعيات حماية المستهلك وجمعيات حقوقية وغيرها تفتقد إلى برامج فعلية مسطرة ورؤية واضحة واقعية بعيدة عن الشعبوية. بل من الطريف أن أغلب الحاملين للواء محاسبة مثل تلك الشركات لم يطلعوا على كناش التحملات…فيما البعض يطالب بجلائها باعتبارها شكلا من أشكال الاستعمار الجديد، فيما لم يجف بعد مداد توقيعه على اتفاقية التفويض. وهناك رؤساء مجالس جماعية أعضاء بلجن التتبع غير قادرين على فرض قراراتهم عليها
وحسب الأستاذ بن عيسى، فإن تسطير برنامج واضح وإقامة تكتل جمعوي وتأطير حركة احتجاجية إجر اءات قادرة على إلزام تلك الشركات باحترام كناش التحملات، مع الضغط للحيلولة دون تجديد تلك الاتفاقيات.
المطالبة بعمل منظم داخل هيئات أهلية فاعلة توازي دعوة العماري إلى الانتظام داخل جمعيات أهلية من أجل إيصال صوت المواطنين إلى أصحاب القرار، ومطالبهم التي تفوق بكثير سقف “التدابير”
التي “نجح” المجلس الجماعي في “انتزاعها” عبر خمسة لقاءات مع إدارة الشركة الفرنسية واللجان المشتركة…ومنها قضية “الأشطر” التي “أصلحتها” الحكومة بهدف إنقاذ الفهري الفاسي من ورطة “إفلاس” مكتب الماء والكهرباء، على حساب جيوب المستهليكن (بفتح اللام أو بكسرها، فالهم قد عـم). ومنها أيضا العداد المشترك، و رفع “العقوبات” على المتأخرين وتقديم تسهيلات في الأداء …الذي لا بد منه في كل الأحوال، حتى وإن كان “في غير محله” ! …
“ثورة الشموع” أرخت، إذا بظلالها على المدينة التي سارع سكانها بمختلف المقاطعات، المركزية منها و الهامشية المتضررة بشكل أقوى وأعمق، من فاتورات “أمانديس” إلى الاستضاءة بالشموع من الثامنة إلى العاشرة مساء، داخل المساكن وعلى الطرقات، وعلى طاولات المقاهي والمطاعم، في “انتفاضة” شعبية تلقائية وسلمية، من أجل إثارة انتباه من يجب إلى تظلمات المواطنين بسبب فواتير “أمانديس” وتصرفاتها المجحفة إزاء المواطنين.
“الغضب الساطع آت” والعمدة في سجال مع رئيس الجهة حول من له الحق في معالجة “مشكل” المدينة مع “أمانديس” المفوض لها ب “تدبير” قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير. الأول يرى أن “أمانديس” من اختصاصه، والثاني يعتبر أن قانون الجهة الجديد يعطيه حق التدخل…..
وبينما تنزل “هراوات” الأمن على رؤوس بعض “الغاضبين” وتعبث خراطيم الوقاية المدنية بأجسادهم، وهم يصيحون بملء فيهم “الشعب يريد رحيل أمانديس” و “لا للتدبير المفوض”، وذلك خلال ” نوضة ” ساحة الأمم، مساء السبت الماضي، كان الرئيسان لا يزالان في نقاش “دستوري” “فيسبوكي”، حول من له الحق ، وفي ماذا !……
رئيس الجهة راسل في موضوع “أمانديس” كلا من رئيس الحكومة ووزير الداخلية وعمدة طنجة، يعبر عن انشغاله بقضية فاتورات “أمانديس”ويطلب إفادات في الموضوع، وبعد أن كان العبدلاوي قد رحب بمبادرة العماري معتبرا في تصريح أن ملفا شائكا بحجم “أمانديس” يتطلب تظافر جهود الجميع، عاد واعتبر أن تدخل العماري تطاولا على اختصاصاته !
العماري، من جهته، أعلن دعمه لاحتجاجات السكان التي وصفها بـ “المشروعة”، كما طلب من السكان الانتظام في هيئات أهلية من إجل إيصال صوتهم إلى الجهات المسؤولة.
وتلاحظون أنه حتى حين تعلق الأمر بملف “ثقيل” بما يحمل من “تراكمات” و “إكراهات” و “مخاطر”، فإن الحزبين “الغريمين” انقضا على المناسبة لممارسة رياضتهما المفضلة، في التجاذب والتلاسن عبر بوابات صفحاتهما الاليكترونية، بسبب “اختصاصات” كل يدفع بها لجهته، بينما المواطنون يواجهون “فتنة” حقيقية قد تعصف بسلامة المدينة وأمن وأمان أهلها !…
وعلى ذكر “الهراوات” التي تعود المتظاهرون المغاربة عليها كلما تحركوا وفي أي مدينة أو اتجاه تحركوا، فقد وزعت مواقع عدة للتواصل الاجتماعي ، صورا وفيديوهات لتدخل أمني مدعم بخراطيم المياه، قيل إنه كان كثيفا وعنيفا، أحدث إصابات بين المحتجين الذين وقع توقيف بعضهم والدفع بهم إلى سيارات البوليس. ولربما وقع تسريحهم فيما بعد، ما دام أن الوقفة كانت سلمية وأن أهل طنجة أجمعوا على مساندتها وأن المتظاهرين أكدوا من خلال الشعارات التي رفعوها أو صدحوا بها، أن صراعهم مع “أمانديس” وليس مع أي جهة أخرى. واضح ؟!….
ويبدو أن قوات الأمن كانت حكيمة حين قررت مغادرة “مسرح الهراوات”، حيث التظاهرات بدأت سلمية لتنتهي سلمية، بالرغم من تدفق حشود غفيرة من متظاهرين حجوا إلى ساحة الأمم، من مناطق بني مكادة وما جاورها، للتنديد بالغلاء الفاحش في فواتير السيئة الذكر “أمانديس”، تزامنا مع حملة “الظلام” حيث توجهت الجماهير، رجالا ونساء وأطفالا، عبر كل المسالك إلى ساحة الأمم، جلهم يحمل شمعة مضيئة، ويردد شعارات غاضبة، من تعنت الشركة الفرنسية ومن ضعف ردة فعل مجلس الجماعة .
وإلى أن يصل العماري والعبدلاوي إلى “تصفية” حسابهم بخصوص الاختصاص، فإن الهراوات ستواصل نزولها “المبارك” على جماجم المحتجين ضد”أمانديس” ، الذين لم تعد “تخلعهم” “السطافيطات” ولا الهراوات ولا خراطيم المياه، ولا “الركل” ولا الرفس….. بدليل أن المدينة دفعت بسكانها ليلا، رجالا ونساء، شيبا وشبابا، وأطفالا، إلى قلب “المعركة” بساحة الأمم، رغم توقع تدخل أمني ربما يصل حد “العنف” المبين،!…
عزيز كنوني