د. عبد اللطيف شهبون
واكبت عمل فقيد الوطن المرحوم الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي من موقعين ؛ سياسي وحقوقي ، وكتبت بعضا من ذلك في جريدة الشمال منذ انطلاقتها على يد مؤسسها المرحوم خالد مشبال ..
يدعوني عامل تقدير المنجز اليوسفي لانتقاء بعض من عمله السياسي ( الرسمي والحزبي في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب المعاصر) :
أولاها : القسم.. 1
عندما عين الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي وزيرا أول في حكومة التناوب كتبت جريدة el pais بعنوان بارز على صفحتها الأولى : ” الحسن الثاني يكلف ـ لأول مرة ـ اشتراكيا بتشكيل الحكومة في المغرب “
يتضح من عبارة ” أول مرة “ أهمية الحدث في مستوييه الوطني والدولي..
بعد حدوث ذلك التعيين / الحدث انحلت عقد ألسنة.. فارتفع نكير معارضي اليوسفي في السر والعلن على ذلك القسم الشهير على المصحف لكونه بدعة سياسية غير واجبة..
وأما جهابذة السياسة من ” الحداثويين ” فقد صرحوا بدورهم أن الأمر يجب ألا يقع تحت طائلة مصحف أو كتاب.. اعتقادا منهم أن السياسة تبيح بل تفرض الانزياح عن منظومة القيم..ما دام جوهرها يقوم على المصالح وليس على الأخلاق..
وأما فصيل آخر فعد ” القسم الشهير” تلطيخا لصورة الدين بممارسات سياسية متخفية باسمه ، وباسم قيمه ومبادئه السمحة السامية..
سار الناس طرائق قددا في تأويل القسم اليوسفي ..
أما جوهر القسم المذكور ـ كما علق أحد العقلاء ـ ففي رمزيته :
- حرمة الموقف
- قداسة الواجب
- الأمانة العظمى التي حملها اليوسفي / الانسان
وقد أوفى اليوسفي :
- بما عاهد الله عليه
- وساهم في انقاذ البلاد من السكتة القلبية..
- خرج من الحكومة مرفوع الهامة..يأكل الخبز ويمشي في الأسواق كباقي الناس ؛ أو كما ينبغي أن يكون عليه حال المسؤول الأمين ؛ فأعطى بذلك درسا لن يمحى لمن سبقه.. ولمن أتى بعده ..
- وضع قطار الانتقال الديموقراطي على سكته ؛ والمتعين ألا يزيغ ؛ وهذه مهمة الديموقراطيين..
ثانيها : واقعية اليوسفي..2
في اللقاء الخاص الذي بث على القناة الأولى يوم الجمعة 23 فبراير 2001 قدم الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي بيانا وتبيينا عن حصيلة الحكومة الحالية ، وقد اعتبرها كافية لاستجلاب التقدير من طرف الشعب المغربي.. قدم الوزير الأول نتائج أولية ملموسة في مجالات تدبير الشأن العام داخليا وخارجيا في :
- التعليم..
- محاربة الأمية..
- الاستثمار الوطني والأجنبي..
- التشغيل..
- مدونة الشغ..
- دعم الفلاحين..
- آليات محاربة الرشوة ، وعزم الحكومة عل استصدار قوانين حمائية وزاجرة..
- آليات الشفافية..
- اجراءات التخليق..
- عوائد الخوصصة..
- محكمة العدل الخاصة..
- وضعية المرأة..
- الوحدة الترابية : فعالية الدبلوماسية المغربية وآفاق تسوية المشكل..
- اتحاد المغرب العربي..
- الشراكة مع الاتحاد الأوربي..
كما تم التطرق في اللقاء المذكور لمعضلة الشأن الحزبي : الآليات المستحدثة وتدبير الاختلاف..
وبقدر ما كانت دقائق اللقاء تمضي سراعا ، كانت مقدمته تراهن على استخراج أكبر قدر من الحقائق والمواقف من ضيف اللقاء ، بتعاون مع ضيفين اعلاميين ؛ مما استدعى تقديم أسئلة ذات طابع تركيبي في صيغة ثنائية أو ثلاثية..
وفي كل ذلك كان ” السي عبد الرحمن ” يجيب بوثوقية ومسؤولية ووضوح وتفاؤل موضوعي وواقعي مبرر ومرتكزعلى فضائل :
- الاقرار بالحقائق ومواجهة المشاكل..
- الحوار الديموقراطي..
- الايمان بالمستقبل وحمل البشائر..
- الاستمرار في التعبئة الأدائية..
- القطيعة مع زمن الأخطاء..
وهي سمات واقعية اليوسفي ؛ الرجل الذي يؤصل تجربة فريدة وطنيا واقليميا ودوليا..
ثالثها : أي طريق.. 3
أكتب هذه السانحة وأنا أعيش مؤتمرا حزبيا استثنائيا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بكل المقاييس..
ان بلادنا توجد الآن في مفترق طرق ، وتتطلع قواها الديموقراطية الصادقة لانجاح وتحقيق مهام الانتقال الديموقراطي ، لكن مع الأسف الشديد ؛ فتقدير هذا الأمر ما زال غير مستوعب عند البعض ؛ خاصة أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أبديين أو ضروريين في كل المحطات.. وهم لا يبتغون في الواقع سوى تحقيق مآربهم الشخصية ومشاريعهم الخاصة ؛ ضاربين عرض الحائط بكل القيم والأخلاق النضالية التي أدى ثمنها شهداء ومناضلون وشرفاء ؛ منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر..
ما تحكم في اعداد المؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي ، وما تحكم فيه من منافسات موقعية ، انعكس سلبيا على سير أشغاله ؛ حيث غيبت فيه الحكمة والعقل والشفافية والمصداقية..
وقد أشار الى هذا بجلاء الأخ المجاهد عبد الرحمن اليوسفي عند تقديمه للرد على الملاحظات التي قدمها بعض المؤتمرين..
أسجل بمرارة بالغة طبيعة المسلكيات غير المقدرة لمسؤولية الاتحاد الاشتراكي في هذه الظرفية الاستثنائية التي تخوض فيها بلادنا معركة من أجل التخليق والدمقرطة والتحديث ..
وأسجل بمرارة سيادة منطق اليافطات القبلية والذاتوية ..
وأسجل بمرارة كذلك اغراق الحزب برذائل التلقيح..
أي طريق سيسلكه الغيورون على الوطن أولا وعلى الحزب ثانيا بعد كل الذي حصل..؟
رابعها : فضيلة الاعتزال..4
استنارة..
تداولت أخبار المرحوم الفقيه محمد البصري ، واطلعت على مواقفه من خلال ما كان يمدني به الصديق التهامي بوغابة خلال سنتي : 1972 ـ 1973 بالرباط ( علمت فيما بعد أن هذا الصديق خرج من دني السياسة ودخل سني الاعتزال ؛ لكونه آمن أن السياسة أخلاق وأكد أن من زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في الصفاء..
بعد عودة المرحوم الفقيه محمد البصري الى المغرب ، أتاح لي الصديق الأستاذ محمد خرشيش فرصة طيبة لاقتناص استنارة انسانية مع هذه المعلمة النضالية ؛ عندما جالسناه في مقهي بحي أكدال بالرباط ..
وفي لحظة مؤثرة نادرة شاء القدر أن أكون حاضرا في تشييع جنازة الرجل بالدار البيضاء ، وقد ائتلف حوله الوجدان الوطني ، فعاينت حجم التقدير الذي كان يحظى به ومساحة الحزن في وجوه الذين عرفوه ..وأما الطائفة التي بالغت في اهلاكه والتشهير به.. فلم تكف عن فعل ذلك حتى وهو ميت..
ثورة المعتزل..
..لم يكد الناس يفيقون من هول هذا المصاب الجلل ..حتى نزلت رسالة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي ؛ هذه الشخصية المثالية في محيطها الحزبي والاجتماعي العام وطنيا ومغاربيا وعربيا ودوليا..
رسالة اليوسفي كرست فضيلة الاعتزال ، وهي رسالة بالغة الدلالة على الرغم من كون جملها قصيرة ..انها ثورة المعتزل
رحم الله السي عبد الرحمن . انا لله وانا اليه راجعون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الشمال ع/ 163 ـ 2003
2 ـ الشمال ع/ 68 ـ 2001
3 ـ الشمال ع/ 73 ـ 2001
4 ـ الشمال ع/ 197 ـ2003