تعتبر الدكتورة زبيدة الوياغلي من الأسماء العلمية الوازنة التي لها صدى كبير في مدينة طنجة، باعتبارها أحد أبناء هذه المدينة البررة فهي عالمة وباحثة ممتازة صرفت حياتها كلها في التعليم وفي كل مراحله الابتدائي إلى الجامعي، وقد حصلت على أعلى الشواهد الجامعية، وبموازاة ذلك عملت في أكثر من جمعة نسائية: « فكانت فاعليتها في ميدان التعليم، وكانت فاعليتها أكثر في الإشراف أو المشاركة في بعض الجمعيات الرياضية والإنسانية والمجتمع المدني ببيئة طنجة ومجتمعها، قد جعلت هذه السيدة تكبر في عين من يرصد أنشطة الفاعلين والمتفوقين في أعمالهم التربوية والإنسانية 2(» (.
ولدت الأستاذة الدكتورة زبيدة الورياغلي بمدينة طنجة بحي ليون الإفريقي سابقا والحسن بن الوزان حاليا الذي كانت تسكنه عائلات أجنبية أغلبها إسبانية وفرنسية وبعضها يهودية، ومغاربة يتعايشون في سلام ووئام واحترام متبادل. وقد نشأت السيدة زبيدة الورياغلي في مهد بيت صلاح، بيت يرى الخلال الكريمة من أوكد سلائل الأخلاق التي لم تعصف تلك المجالي المعاصرة بأعرافه، ولا بعاداته، ولا بسماته الدينية لأن تقاليده عريقة، وقيوده لازمة لا تطيق بطبعها هشاشة الأخ الق. فقد كان والدها رحمه الله من ملازمي الزاوية الكتانية بالمحج الكبير. فحرص على تنشئتها تنشئة دينية خالصة، فألحقها حين بلغت الرابعة من عمرها بكتاب الحي لحفظ القرآن وإتقان الرسم والكتابة، وظلت به لمدة سنتين تعلمت خلالها الكتابة والقراءة وحفظ قصار السور من القرآن. وحين بلغت سن السادسة ولجت مدرسة معهد مولاي المهدي الحرة بطنجة، حصلت فيها بعد الدراسة لخمس سنوات على الشهادة الابتدائية. وقد درست في هذه المدرسة على نخبة من الأساتذة الوطنيين الذين ساهموا في خلق حركة علمية وتعليمية بمدينة طنجة ، وتكوين مجموعة من الطلبة الذين سيكون لهم الدور البارز في تحرير البلاد وطرد المستعمر منه، ومن بين هؤلاء الأساتذة : محمد المهدي الزيدي، وعبد اللطيف بوحساين، والتهامي الفلوس وغيرهم.
تابعت الطالبة زبيدة الورياغلي دراستها بثانوية محمد الخامس سنة 1956 م، نالت بعد الدراسة فيها لأربعة أعوام شهادة الباكالوريا. ولرغبتها القوية في متابعة دراستها التحقت بدار الحديث الحسنية وتابعت فيها الدراسة لمدة سنتين لكنها غادرتها لأسباب خاصة، لتخوض غمار التدريس بعدما درست بمركز تكوين المعلمات بالدار البيضاء سنة1962/1961 م ، فعملت لمدة ثمانية وثلاثون عاما أستاذة للغة العربية بمختلف مدارس طنجة من بينها مدرسة أم أيمن، وإعدادية ابن بطوطة وثانوية ابن الخطيب. قبل أن تمارس الشؤون الإدارية ، كما مارست العمل الإداري التربوي بمجموعة من المدارس مثل مديرة بمدرسة عبد الرحمان أنكاي من 1971 إلى 1982 م.
وجاءت مرحلة في طنجة تحرك أثناءها كثير من العاملين في قطاعات التعليم بالاندفاع في القراءة وتحضير الشواهد، وكانت في المقدمة الأستاذة الورياغلي، فرغم ممارستها للتدريس لم تنس تعميق مداركها العلمية، وتنمية مداركها المعرفية، فقطعت المراحل بإصرار ونجاح فالتحقت بكلية أصول الدين حيث نالت شهادة الإجازة العليا في أصول الدين سنة 1980 م، لتسافر إلى الرباط لكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، جامعة محمد الخامس، لاستكمال دراستها العليا فحصلت على شهادة استكمال الدروس تخصص الدراسات الإسلامية سنة 1992 م، لتحصل بعد ذلك على دبلوم الدراسات العليا في الآداب تخصص الدراسات الإسلامية، جامعة عبد المالك السعدي بتطوان سنة 1998 م، وليتطور هذا العمل ليصبح مادة تحضير الدكتوراه بإشراف الدكتور عبد الله المرابط الترغي رحمه الله تعالى، وكان الموضوع يتعلق بدراسة وتحقيق النصف الأول من تفسير أبي العباس أحمد بن عجيبة المسمى بالبحر المديد. واستطاعت في ظروف صعبة ثابرت فيها على القراءة والعمل ومتابعة المصادر والمراجع أن تنجز عملها، لتحصل على شهادة الدكتوراه في الآداب تخصص ال دراس ات الإسلامية، م ادة: العلوم الشرعية، سنة 2003 م جامعة عبد المالك السعدي تطوان.
ونالت ببحثها هذا إعجاب وتقدير أساتذتها، وك ان حصادها في العمل المضني أنها: «أقدمت على «البحر » وسبحت فيه، ومضت في مساربه بثبات وجالدة دون أن تلجمها روعة المخطوط أو يكبتها جلال محتواه، وهو السيل المنهمر في مسارح الفكري الصوفي الباطني… ولقد محصت دراستها المحكمة للبحر » كفاءتها وحذقها وحذفها، وحسر تحقيقها المكين له أهليتها لأنها أبدت فيه رفاهة إدراكها لمفهوم الإشارات الصوفية، وجمال |أنماطها مواجيد وتأملات 3(» (.
إن حضور الدكتورة زبيدة الورياغلي في ميدان العمل التطوعي الخيري ونضالها في جبهات العمل الاجتماعي هو صورة من حضورها الوضاء في محاريب العلم، باحثة وأكادي م ي ة مهمومة بمشكلات وطنها في كل المجالات، فكتبت الأبحاث والمقالات التي تلقفتها صحف طنجة المحلية، فكانت تكتب في العديد من المواضيع وبخاصة مواضيع الشخصيات النسائية في مدينة طنجة.
فتنتج أعمالا مهمة تعرف فيها بنساء طنجة الرائدات بها في ميدان التعليم والأعمال الجمعوية والاجتماعية.
) 1( – تنظر ترجمتها في: سلسلة علماء في ضيافة المجلس العلمي: المجلد الثالث – 2015 منشورات المجلس العلمي
المحلي بطنجة: 2015 / 1436 م. في ضيافة كاتب: إعداد عمر قرباش منشور في حلقتين بجريدة طنجة العددين 4073
السبت 28 شتنبر 2019 و العدد 4070 السبت 5 أكتوبر 2019
) 2( – الدكتور عبد الله المرابط الترغي رحمه الله: قراءة في كتاب )تراجم نساء طنجة الرائدات( من تأليف الدكتورة
زبيدة الورياغلي– سلسلة علماء في ضيافة المجلس العلمي: المجلد الثالث – 2015 ص – 193 منشورات المجلس العلمي
المحلي بطنجة: 2015 / 1436 م .
) 3( – الأستاذ محمد التمسماني- الدكتورة زبيدة الورياغلي « مشعل في ركب الرائدات » — سلسلة علماء في ضيافة
المجلس العلمي: المجلد الثالث – 2015 ص – 207 منشورات المجلس العلمي المحلي بطنجة: 2015 / 1436 م
إعداد: عدنان الوهابي