انتكاسة جديدة موجعة لجبهة البوليساريو ولمناصريها في إسبانيا حيث وجهت العدالة في الدولة الإيبيرية صفعة جديدة للانفصاليين بحظرها استخدام شعاراتهم وأعلامهم في الأماكن العام ومنعت المحكمة العليا الإسبانية وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد الاستخدام المؤقت أو الدائم للأعلام » غير الرسمية أو أي تعبير سياسي آخر سواء داخل المباني العامة أو خارجها.
ووفق قرار المحكمة فإن استخدام الأعلام أو الشعارات أو الرموز غير الرسمية مثل تلك التي يستخدمها انفصاليو البوليساريو في المباني والأماكن العامة , لا يتوافق مع الإطار الدستوري والقانوني الحالي ,أو مع واجب التحفظ والحياد المفروض في الإدارات الإسبانية.
في الغالب، لا يوجد سبيل للاستئناف ضد قرارات المحكمة العليا رغم أنه في المسائل الجنائية، يجوز للملك ممارسة صلاحيات العفو الملكي لإبطال الأحكام التي تفرضها أو تصدق عليها المحكمة العليا، ولكن دستوريًا، يتم حل هذه الطعون من بعد أن تكتسب صيغتها الرسمية من قبل الملك باعتباره رئيسا للدولة.
موقف أخر يضاف للموقف الرسمي الاسباني ” الصائب” طبعا, هو ما وقع في الآونة الأخيرة و تحديدا يوم 25 ماي و بمناسبة الاحتفال بيوم إفريقيا نشرت وزيرة الشؤون الخارجية و الاتحاد الأوروبي و التعاون الاسبانية ارانشا غونساليس لايا على موقعها تويتر خارطة افريقبا تتضمن جميع أعلام الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي باستثناء علم الجمهورية الوهمية.
هذا ما يؤكد أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة الاسبانية على مدى السنتين الماضيتين على أن السلطة التنفيذية الاسبانية تمضي قدما و بشكل تدريجي لعزل ما يدعى وهما جبهة البوليساريو, التي أصبحت تتلاشى مع زيادة سحب الاعترافات السابقة لدول اقتنعت مؤخرا بجدية الطرح المغربي و مصداقيته كحل فعال و ديمقراطي ينصف جميع الأطراف, المتمثل في الحكم الذاتي.
قرار المحكمة العليا الأخير الذي ينكر الحق التلقائي في الجنسية الإسبانية لجميع الذين ولدوا في الصحراء المغربية قبل 14 نوفمبر 1975 واعتبرت المحكمة العليا الإسبانية في الحكم الصادر عنها أن الصحراء المغربية لم تكن تمثل أبدا جزءا من إسبانيا وبالتالي لا يمكن تطبيق المادة القانونية التي بنت عليها المحكمة الإقليمية حكمها رغم أنه خلال كل هذه السنوات حصل الآلاف من انفصاليي الداخل وكثير منهم استقروا في إسبانيا وحاصلين على الجنسية الإسبانية بناءً على وثائق تثبت أنهم ولدوا في الصحراء المغربية قبل عام 1975 والتي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني ،وكثير منهم يعملون في مختلف الدوائر الحكومية والحزبية بالجزيرة الإيبيرية إلا أن ذلك انتهى في عهد حكومة بيدرو سانشيز حيث انتهى هذا الشذوذ القانوني بقرار من المحكمة العليا وهي أعلى هيئة قضائية بالبلاد.
نقطة إيجابية أخرى كان قد أقدم عليها المغرب, وهي مساندة الرباط لمدريد في وحدة كيانها الترابي بشبه الجزيرة الأيبيرية وكان هذا واضحا خلال المظاهرات الأخيرة التي حصلت بإقليم كتالونيا قبل 7 أشهر على خلفية الحكم الصادر على قادة الانفصال بالإقليم, الذي كن خلاله تبين للسلطات الاسبانية ان دعوات الانفصال داخل الدول أكبر تهديد للحمة الوطن, و ضربا من الخيال في عصرنا الحالي مع توالي الأزمات و الأوبئة التي تستدعي تضافر الجهود و تثبيت الوحدة الوطنية لكل ما من شانه أن يمس الوطن و المواطنين.
علما أن الدولة الاسبانية على غرار الغرب بصفة عامة يحترم قرارات القضاء عندما تحوز الأحكام على قوة الشيء المقضي به ، وبما أن قرار المحكمة العليا الاسبانية محصن عن أي طعن داخل الدولة الاتحادية الاسبانية ، فالقرار هذا هو دعوة من المحكمة للحكومة بالشروع حالا في اتخاذ الإجراءات الضرورية التي تؤكد مغربية الصحراء ، ومن ثم تحلل الدولة الاتحادية كدولة استعمارية للصحراء ، من جميع المسؤوليات القانونية والتاريخية التي تطالب بها جبهة البوليساريو ، منذ ان تم وضع حد نهائي لهذه المطالب بمقتضى اتفاقية مدريد الثلاثية. واعتبرت تمثيلية جبهة البوليساريو في إسبانيا قرار المحكمة العليا الإسبانية إنكارا لحق من حقوق الصحراويين المولودين بحقبة الاستعمار الإسبانية، واصفة الحكم بالتنصل الواضح من الحقائق والواقع وأدلة منظمة الأمم المتحدة باعتبار الصحراء المقاطعة 53 ضمن أقاليم إسبانيا.
لذلك اعتبرت المحكمة العليا الاسبانية في الحكم الصادر عنها أن الصحراء المغربية لم تكن تمثل أبدا جزء من اسبانيا, و أثار هذا القرار استنفارا في صفوف الكيان الوهمي, و دعا نشطاء انفصاليون إلى استئناف الحكم و اللجوء إلى المحكمة الدستورية الإسبانية, أو اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان, هذا ما يبين إثر القرار القوي على نفوس الانفصاليين الذين أصبحوا مثل الجريح حين يعلم أن أيامه معدودة فيضطر إلى الهش هنا و هناك.
الضربات القوية المتتالية، التي تلقتها البوليساريو منذ عودة الاشتراكيين الإسبان لقيادة الحكومة تكررت، بالرغم من محاولات إحداث اختراق عبر التحايل على لقاءات مع شخصيات حكومية من حزب بوديموس خصوصا، غير أنه سرعان ما تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي بتدخل وزارة الخارجية التي تعتبر المعنية حصريا بملف الصحراء في الحكومة الائتلافية, هذا ما تؤكده دائما وزيرة الخارجية ” غونزاليس” حيث تقول ان اسبانيا لا تعترف بالجمهورية الصحراوية المزعومة, داعمة جهود الأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي في إطار قرارات مجلس الآمن التابع للأمم المتحدة.
مع توالي الانتكاسات لم يبقى للجبهة الوهمية إلا الامتثال لقرارات الأمم المتحدة و بنود المبادرة الملكية المغربية ” الحكم الذاتي كحل ذو مصداقية لحل نزاع دام أكثر من 40 سنة, و كما جاء في الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء, حيث قال العاهل المغربي إن “عدالة قضية المملكة ومشروعيتها، متجسدة في حل عملي وسياسي وواقعي”، مضيفاً في خطاب له مساء أمس الأربعاء بمناسبة الذكرى الـ 44 لـ”المسيرة الخضراء”، إن “هذا الحل يتمثل في الحكم الذاتي بالنظر إلى جدية ومصداقية هذا الحل، ولكونه السبيل الوحيد للتسوية في إطار الاحترام التام لسيادة المملكة.
زيادة على ما ذكر تعيش جبهة البوليساريو الانفصالية على وقع هزائم دبلوماسية وسياسية متوالية بعدما حقق المغرب مكاسب مهمة في ما يتعلق بملف الصحراء، تمثلت في افتتاح قنصليات أفريقية بوتيرة متزايدة، بكبرى مدن الأقاليم الجنوبية إلى جانب مصادقة البرلمان المغربي على مشروع قانون ترسيم حدوده البحرية والتي تضم مياه الجنوب المغربي، علاوة على سحب مجموعة من الدول اعترافها بالجبهة الانفصالية آخرها بوليفيا, فجل المهتمين بقضية الصحراء المغربية, أن جبهة البوليساريو تتخبط في عدد من الأزمات داخل مخيمات تندوف، وما يزيد من عزلتها ومحاصرتها التقدم الذي يحرزه المغرب في ملف الصحراء على مستوى تنمية الأقاليم الجنوبية ما شجع عددا من الدول الأفريقية على فتح قنصلياتها بهذا الجزء من المغرب، والطريقة التي يدير بها ملف حدوده البحرية مع إسبانيا.
ما يمكن استخلاصه من التطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية مع إشادة دولية للتعاطي الإيجابي المغربي للقضية, أن الدبلوماسية المغربية التي تشتغل على قضية المملكة الأولى، قضية الوحدة الترابية للصحراء المغربية, قد حققت نجاحًا باهرًا بتسجيلها تقدمًا أساسيًا في الملف المغربي الذي تدعمه الأمم المتحدة لحلّ قضية الصحراء المغربية، وذلك بفضل تحرك العديد من الفاعلين في هذا المجال، عبر تعريف الدول التي يؤيد الجبهة الانفصالية الوهمية بالملف المغربي، التي وقفت بدورها على حقيقة الخروقات الكبرى التي تمارسها الجبهة في الأراضي المغربية.
ختاما و مما لا شك فيه, لقد كانت قضية الصحراء وما زالت محدد السياسية الخارجية المغربية، فهي على رأس أولويات السياسة الخارجية للمملكة باعتبارها القضية الوطنية الأولى للمغاربة, هي مسألة وقت فقط حتى ترجع الأطراف الأخرى لصوابها, حيث الصواب هو أن الصحراء مغربية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.
محمد البوشوكي..دكتور في القانون العام
أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال- جامعة محمد الخامس-الرباط.