جنوح الإشهار نحو الطباق
كما نرى، فالإشهار يجنح نحو الطباق. ونجد له مثالا جيدا في الترويج للمنتوجات المالية، حيث يعمل على تقديمها بوصفها التحالف السحري بين المردودية والأمان، بينما، في الواقع، كلما كان العائد المحتمل لتوظيف الأموال قويا، كانت مخاطر الخسارة أكبر. وهكذا ابتُكِر صندوق مصرف كورال، ” أو سهم النخبة المضمون” Elit’ Action Garantis، «للاستثمار في البورصة مع إغراء بأفضل الأداء والأمان لرأس المال». أما بالنسبة إلى المجموعة الإنكليزية بار كليز فهي تقترح، مع توقعاتها في أفق سنة 2000، « مضاعفة رأس المال بدون مخاطر بالنسبة إلى لمساهمة الأولية»([1]).
هذه اللغة التي لا تعرف التناقض ولا السلبية تتشابه مع العملية الأولية للأحلام كما يصفها فرويد:« الأفكار المتناقضة ليست فقط عصية على التمييز، ولكنها أيضا تتجاور وتتكثف وتشكل توافقا لا يمكن قبوله أبدا في التفكير الطبيعي ([2]).
الإشهار يخادع بوساطة انزلاقات حجاجية أخرى أخرى.
فهو يستخدم القلب السببي:
بسبب ثرائي، تعلمت الحساب À force d’être riche j’ai appris à compter
( دايووDaewoo ) واللا منطقي الذرائعي: مع 26 مليون جنيه من المبيعات سنويا نتساءل ما إذا كنا في حاجة إلى إشهار ( مجلة فرانس لوازير)(Daewoo), et l’illogisme pragmatique: Avec 26 millions de livres vendues par an on se demande si on doit faire de la pub ( France Loisirs)
وقد يصل به الأمر إلى مخالفة نفسه، بشعارات يُعتقَد أنها خادعة لا تعبر عما تقترحه:
- Plus on lit LIRE plus on a envie de lire autre chose( Magazine littéraire)
بقدر ما نقرأ مجلة “القراءة” بقدر ما نرغب في قراءة شيء آخر.
- Mami Nova, les mamies ne lui disent pas merci (yaourts)
الجدات لا يقلن شكرا لِـ ماما نوفا ( يوغورت).
و قد نصادف كذلك محاكاة لخرق المنطق الزمني:
- Prenez votre temps d’aller vite الشركة الوطنية للسكك الحديدية]
ش و س ح. خذوا وقتكم للذهاب سريعا.
- Debout, le soleil se couche ! ( Whiskey J&B)
انهض، فالشمس تغيب ! (ويسكي ج. و ب. )
- Philips, c’est déjà demain; / فيليــبس، إنه الغــد.
- Prenez de l’avance sur votre avenir (Hermès Éditions)
خذوا زمام المبادرة بشأن مستقبلكم ( منشورات إرميس)
إن الحشو حاضر في كل مكان. إن المنتوج الذي نمدحه يمتلك قيمة تجعله فريدا من نوعه:
Omo, c’est de la lessive / أومو، هذا هو الغسيل.
غالبا ما يكون الحشو مموِّها لأن الإحالات مختلفة:
- Il est le seul (jour de parution) parce qu’il est unique (qualité) (Journal de Dimanche)
إنه الوحيد ( يوم التوزيع) لأنه فريد ( الجودة) ( صحيفة الأحد).
- Tout ce qui est bon( pour la santé) n’est pas forcément mauvais( pour le goût ) ( Geblé)
كل ما هو مفيد ( للصحة) ليس بالضرورة غير مستساغ ( للذوق) ( جيبلي).
إن كانت هناك مقارنه، فإن الإشهار يراكم صيغ التفضيل ويخفي العنصر المقارَن كي يرفع من قيمة المنتوج ويصد عن الرسالة كل تفنيد. Persil lave plus blanc بيرسيل لغسيل أكثر بياضا.
و أخيرا، فإن بعض الرسائل تأخذ شكل القياسات المضمرة. آدم و بونومAdam et Bonhomme يورِدان الأمثلة الآتية([3]):
- Toutes les vertus sont dans les fleurs,Toutes les fleurs sont dans le miel, Le miel Trubert
كل الفضائل موجودة في الزهور، كل الزهور موجودة في العسل، عسل تروبير (بدلا من: كل المزايا موجودة في العسل)؛
- Il n’y a pas de bulles dans les fruits, Alors il n’y a pas de bulles dans Banga:
إن الفواكه لا تحتوي على فقاعات، إذن فلا فقاعات في بانغا: المقدمة الصغرى – لأن بانغا لا تحتوي إلا على الفواكه – قد استُبعِدت، و لأنها خطأ. إن الشعار غير متابع قضائيا …
- Moi j’aime le naturel et mon visage aime Monsavon.
أنا أحب الطبيعي ووجهي يحب “ Monsavonمون صابون”. إن المقدمة الصغرى حاضرة هنا: Or Monsavon est naturel, donc…
والحالة هذه أن ;Monsavon طبيعي، إذن…
- الحجاج الأيقوني
في الإشهار، تهيمن الصورة على اللغة، لأنها تخزن في الذاكرة بشكل أفضل كما أوضحت معظم الأبحاث. يعرض كل من روبول، وآدم، وبونوم النتائج الآتية: بالنسبة إلى المؤشر العام للتذكر الذي حدد في 100، فإن مؤشر تذكر الإعلان الذي تهيمن عليه الصورة هو 117 و المؤشر الذي يهيمن عليه النص هو 76. فإن 30 في المائة من الناس يتذكرون ما يشاهدون و 10 بالمائة فقط يتذكرون ما يقرأون.
علاوة على ذلك، فإن الصورة تُستوعب في الحال، ولا تحتاج إلى فك شفرتها كما هو حال النص. وتعتبر بساطة وضوح إدراكها حجة. كما أن لديها قوة كبيرة للإثارة، وإثارة الشهوات ( كالجوع، والشبق…). وأخيرا، إن الصورة تقوم مقام الحرز: فأن تتمثل المنتوج الذي تمثله يعد إلى حد ما امتلاكا له.
وعليه، فالصورة لا معنى لها في حد ذاتها. إنها في حاجة إلى دعم من اللغة ـ على الأقل اسم العلامة التجارية، لتكون مفهومة لتحريك مسير حجاجي. عموما، لقد رأيناها، تــرِد لإثبات النص. إن وصلة إشهارية لمعاجن الأسنان كولجات Colgate تصرح: معجون أسنان يحمي بصفة مؤكدة في الأماكن التي لا تصلها أية فرشاة: تحت اللثة؛ تقوم الصور المدعمة تنسخ صورة ليزرية لطاقم أسنان، تعطي الانطباع بأن هذ المعجون سوف يصل، حتما، إلى هناك.
تقوم الصورة على الغرض الاحتفالي أكثر مما تقوم على الغرض الاستشاري. إن “الحجاج” الأيقوني يعمل بواسطة الوصل أو بواسطة التعميم. ففي الحالة الأولى، يُظْهِرُ عنصرين اثنين أو أكثر مجتمعين – المرأة و السيارة، على سبيل المثال- لكي يحدد بعضا من خصائصهما، إنه الإجراء الذي اتبع لإنشاء انعكاسات شرطية. وفي الحالة الثانية، يعرض مثالا مفردا ( نرى بقعة كبيرة تتلاشى بعد استعمال المنتوج) يقدمه بوصفه قاعدة عامة (هذا المنتوج ينظف جميع البقع). إن الاستقراء والتعميم ملازمان للصورة: أي يستحيل عليه إبراز قاعدة، ناهيك عن العديد من الأمثلة اللازمة لبنائها؛ فتكتفي بتوضيح يُفترض أن يصدق على كل الحالات.
إن بلاغة الصورة تستعير الوجوه الأسلوبية ذاتها مثل بلاغة الخطاب. وبالفعل، فكل واحد من هذه الوجوه يمكن ترجمتها بشكل مرئي: فالتكرار يترجم بوساطة الاستنساخ، والحذف يترجم بوساطة إزالة بعض العناصر الأيقونية، والحشو يترجم بوساطة عرض المنتوج وحده على الصورة كلها، والمبالغة تترجم بوساطة التغليظ والعَمْلَقَة، وتترجم الكناية بوساطة إحلال النتيجة محل السبب ( تعويض الثلاجة بكتلة ثلج على شكل ثلاجة، والحذاء بوساطة أثره ، و(تعويض الصوف بالخروف)، ويترجم المجاز المرسل la synecdoque بوساطة إحلال السبب محل النتيجة ( وسادة أمان لكل سيارة)، وتترجم الاستعارة بوساطة التحويل، إلخ.
[1]– مثالان ساقتهما لورانس دولانLaurence Delain في جريدة لوموند لـ 15-16 أبريل 2001، ملحق” المال”. ص:1 . Exemples cités par Laurence Delain, dans Le Monde du 15-16 avril 2001, supplément “Argent”, p.1
[2]– In L’Interprétation des rêves, cité par Baudrillard, op.cit., pp.682/ في تفسير الأحلام، ذكره بودريار. مص.مذ. ص:682 .
[3]– Adam et Bonhomme, op. cit. p.113 et 116 / آدم وبونوم .مرجع مذكور، ص: 113 و116
د. عبد الواحد التهامي العلمي