الفقرة الثانية
وعندما طُلِب منها بوصفها محللة نفسيّة أن تحدد سلوك المعلمين، سارعت إلى نعته بـ”الصبياني”؛ وهو اللفظ الذي يُدخل تعارضا جديدا، لأن من بين إحدى السمات الثابتة للصبيانية اتباع أهداف متعارضة. و تفيد الصبيانية هنا رغبة المعلمين في أن يكونوا موظّفين وليبيراليين في الوقت نفسه.
وهنا تبرز حجة فصل جديدة، معاكسة لتلك التي وردت في الفقرة الأولى:
الطرف الأول: إنه شيء مثالي.
الطرف الثاني: إنه شيء غير قابل للتطبيق.
ولقد نفذ هذا التعارض بواسطة المضحك: إنها بلاهة. وسيعاد تكرار هذا التعارض في النهاية: “إن المعلمين يريدون أن تتم مكافأتهم ويتم تقويم عملهم من قبل شخص ليست له أي سلطة عليهم، والتي لا تتجسد إلا في المفتش الذي يحضر مرة واحدة في السنة”.
“مم يخافون؟” إنها حجة استباق الاعتراض مرة أخرى؛ ولإزالة هذا الخوف، تقدم فرانسواز دولطو تعريفا معياريا للمدير؛ فهو “ممثل” للمؤسسة. وفيما بعد سيصبح حَكَماً.
ولنسجل في الختام الوجه البلاغي الذي جاء على لسانها ويصطلح عليه ب”التعريض” prétérition [2] : “لا أتذكَّر أبدا من هو…”، في حين أنها تحدد فورا أن الأمر يتعلق بالوزير ! والواقع أنها كانت معنية في المقام الأول بتجنب حجة السلطة: فهي إذا ما انضمَّت إلى صف الوزير، فليس لأنه وزير، ولكنه شخص عرف كيف يتكلم جيدا عن هذا الموضوع.
الفقرة الثالثة
إن السؤال الذي يفتتح الفقرة الثالثة سؤال خطابي لأنه يوحي بأن هذا التمرد يضر بمصلحة الطفل، وأنه غير مقبول. لم يبق للسيدة دولطو سوى أن تسلسل أفكارها. فهي قويّة بمثلثها الأوديبي الذي ارتقت به إلى قانون كلي- “يلزمه[الطفل] دائما…”-، وتمر بواسطة حجة التماثل من الأسرة إلى المدرسة معضّدة حجتها بواسطة حجة الهرمية المضاعفة[3].
الحجة: طفل> أم> أب إذن:
الأطروحة: تلميذ >معلم > مدير.
وهنا أيضا نعثر أيضا على أسلوب التقديم المسبق للاعتراض من خلال عبارة:”لا فائدة من مواجهة الطفل بقرارات الفريق”، فهي تدحض قول أولئك الذين يرون أن عمل الفريق التربوي كاف، وذلك بواسطة حجتين اثنتين: 1/ حجة التماثل مع الأسرة؛ 2/ وموضع الوحدة، المشار إليه بلفظ :”التقسيم” الذي يأخذ في التماثل الأخير سياقا مألوفا: “مع العمَّات والأعمام”.
الفقرة الرابعة والفقرة الخامسة
من بين نقاط التنازع حول المرسوم، تخصيصه منحة مالية للمديرين الجدد، وهو الأمر الذي يعمِّقُ اللامساواة بينهم وبين المعلمين. وستبرر السيدة دولطو هذه المنحة المالية بأربعة أمثلة توضح أن المدير: “يستحق أن ينال أجرا عاليا” ) هنا أيضا تستعمل أسلوبا سهلا مهلهلا(.
هل يتعلق الأمر بالحجة النفعية؟ سيكون الأمر كذلك لو كانت قد قالت إنه يجب الرفع من أجر المدير لأجل أن يعمل أكثر؛ ولكنها قالت:”لأنه يعمل كثيرا”؛ إنها إذن حجة التضحية، هذه الحجة التي تتأسس على هرمية مضاعفة.
في الفقرة الخامسة يتضمن سؤال المحاور أسلوب التقديم المسبق للاعتراض: يمكننا أن نشك في أن يكون المشروع صادرا من اليمين؟ و تجيب مرة أخرى مستخدمة حجة الفصل.
العبارة الأولى: سلطة قابلة للنقاش على المستوى السياسي؛
العبارة الثانية: سلطة لا تناقش على المستوى التربوي.
وثمة وجه بلاغي يدعم الحجة: “له رأس”، فهل هي كناية: حيث يشير الرأس إلى الفكرة، أم استعارة: أي إن الرأس يعني الرئيس؟
ويعد لفظ “يتطفل” استعارة تلخص الحجة النفعية ؛ فللتسيير المالي الذاتي المستقل عواقب وخيمة. أي الفوضىchienlit؛ وهي استعارة كانت معظمة من لدن الجنرال دوجول في سنة 1968، والتي لا يمكنها على الأقل إلا أن تكون مبالغة وحجة الاتجاه :” إذا تركنا الأمور على هذا النحو، فهذا ما يمكن أن نصل إليه”. إننا نرى ذلك:”إن هذه اليسارية تنضمّ جسدا وروحا إلى موضع الترتيب.
ملاحظات نقدية : الغرض البلاغي [4] motif central
هل كانت السيدة دولطو على حق في العمق؟ إننا لا نريد ولا نستطيع أن نحسم في هذه النقطة. ولكننا لا نستطيع أن نتغاضى عن ثغرات حجاجها.
أولا، يبدو أنها تجهل الوضع الملموس للمعلمين، ولاسيما سلطة المفتشين والخوف الذي توحي به إليهم، سواء كان ذلك قائما على أساس أم لا، فهذا لا يهم.
ثانيا، هل حجة الاتجاه التي تختم بها النص مقنعة؟ فما دمنا حتى يومنا هذا ، قد عشنا من دون “معلمين- مديرين”، كان بإمكان الفوضى أن تسود منذ مدة طويلة. والحالة هذه أن لا أحد لاحظ ذلك… ملحوظة- إن حجتنا مضادة تقوم على تفنيد الأطروحة من خلال نتائجها.
ثالثا، يقوم الغرض البلاغي في هذا النص بكامله من دون جدال على حجة السلطة. إنّ الأمر واضح: فالسيدة دولطو تم استدعاؤها بوصفها أخصائية في الطفولة؛ وفي الفقرة الثانية، استجوبت باعتبارها محللة نفسية قادرة على تحديد تصرفات وسلوك المعلمين. وهي تدخل في اللعبة حين تؤكد بقولها: “أنا لا أفهم”، وتعني إذن بذلك، أنه ليس هناك ما يفهم، وأن كل ما حدث تافه وسخيف. إن ما نؤاخذها عليه ليس استعمالها لسلطتها ونفوذها، ولكن نؤاخذها على إفراطها في استعمال تلك السلطة، لأنها تسن قوانين في مجالين بعيدين عن اختصاصها وكفاءتها: التنظيم التربوي والسياسة. وبنفس نمط الحجاج ، كان بإمكانها أن تثبت أن الزعامة في العالم تعود إلى الأمريكيين وحدهم فقط ! والحقيقة أنها ليست المحللة النفسية الوحيدة التي تبالغ في استغلال نفوذها وسلطتها.
[1] Olivier Reboul , Introduction à la rhétorique, Théorie et pratique, PUF, 1991, pp : 206-211 .
[2] يفيد هذا المصطلح إشارة المتكلم إلى أنه لن يتحدث عن شيء أو أنه نسيه أو لا يتذكره وذلك لأجل لفت الانتباه إليه. (المترجم)
[3]وتقتضي هذه الآلية الحجاجية إقامة سلم من القيم بين أطراف حيث يتم الربط بينها وبين أطراف سلم من القيم يحظى بقبول مسبق. (المترجم).
[4] المقصود بهذا المصطلح الإجراء البلاغي الأساس في نص ما، يسمح بنعته بالنص الساخر أو شبه المنطقي أو الموسوم بالمبالغة أو القائم على حجة السلطة وغير ذلك من الوجوه البلاغية…(المترجم)
د. عبد الواحد التهامي العلمي