-المبحث الثاني: التناص مع آيات بها ذكر لذاته تعالى وصفاته.
1/2
المبحث الثاني هو اقتباس شعراء المتن للآيات التي بها ذكر لله تعالى في جوانب من ذاته أو بعض صفاته كمخالفته للحوادث، وكونه الأول والآخر، ومشيئته وعجيب خلقه وقدرته ووحدانيته ورحمته الواسعة… الخ. كل ذلك خضوعا له سبحانه وتعالى واستمدادا لعونه وطمعا في فرجه ورحمته مما تناوله الشعراء منذ القديم، ومثال ذلك ما جاء في كتاب “الاقتباس من القرآن الكريم“: «أتى الحجاج برجل من الخوارج وأمر بضرب عنقه، فقال له: إن رأيتَ أن تؤخرني إلى غد فافعل. فقال: ولِم؟ فأنشأ يقول:[الطويل]
عسى فــرَجٌ يـأتي بهِ الله إنهُلَهُ كلَّ يومٍ في خَليقتهِ أمرُ
فقال الحجاج: انتزعتَه من قول الله تعالى: ]كل يوم هو في شان[([1]) وأمر بتخلية سبيله»([2]). وفي الجدول الآتي تقسيم للآيات القرآنية المقتبسة لدى شعراء المتن بحسب تلك الموضوعات:
الآية التي بها ذكر لله تعالى |
المـوضـوع |
القصيدة |
الشاعر |
|||||||||||
رقم الآية |
النوع |
السورة |
رقمها |
ذاته تعالى |
الخلق |
المُلك |
إرسال الغيث |
المصدر |
ص |
بنعمارة |
الأمراني |
الرباوي |
||
11 |
ك |
الشورى |
42 |
× |
وردة السجود |
السنبلة |
30 |
× |
||||||
35 |
م |
النور |
24 |
× |
تل أبيب |
البيعة المشتعلة |
12 |
× |
||||||
35 |
ك |
النور |
24 |
× |
السبل |
البيعة المشتعلة |
19 |
× |
||||||
109 |
ك |
الكهف |
18 |
× |
أشيائي الرائعة… |
السنبلة |
9 |
× |
||||||
35 |
م |
النور |
24 |
× |
كتاب الخروج |
القصائد السبع |
41 |
× |
||||||
35 |
ك |
النور |
24 |
× |
المجنون |
ثلاثية الغيب… |
16 |
× |
||||||
103 |
ك |
الأنعام |
6 |
× |
نحن بخير |
الولد المر |
48 |
× |
||||||
26 |
م |
الرحمن |
55 |
× |
مزامير |
القصائد السبع |
59 |
× |
||||||
12 |
ك |
فاطر |
35 |
× |
وللسنبلة نشيدي |
السنبلة |
83 |
× |
||||||
53 |
ك |
الفرقان |
25 |
× |
وللسنبلة نشيدي |
السنبلة |
83 |
× |
||||||
30 |
ك |
الأنبياء |
21 |
× |
رباعيات |
العلم الثقافي |
1985م |
|||||||
1 |
ك |
البلد |
90 |
× |
وأُصلي لك أيضا |
الزمان الجديد |
17 |
× |
||||||
2 |
ك |
القيامة |
75 |
× |
وأصلي لك أيضا |
الزمان الجديد |
17 |
× |
||||||
25 |
م |
الحديد |
57 |
× |
صلاة إلى أرض |
الزمان الجديد |
86 |
× |
||||||
15 |
م |
الرحمن |
55 |
× |
عام الحزن |
البيعة المشتعلة |
8 |
× |
||||||
59 |
م |
آل عمران |
3 |
× |
وقتك ومكانك… |
السنبلة |
61 |
× |
||||||
35 |
ك |
مريم |
19 |
× |
الطريق |
الزمان الجديد |
106 |
× |
||||||
14 |
ك |
المؤمنون |
23 |
× |
الزمن الذي هو… |
نشيد الغرباء |
60 |
× |
||||||
4 |
ك |
الملك |
67 |
× |
وأصلي لك أيضا |
الزمان الجديد |
18 |
× |
||||||
4 |
ك |
الملك |
67 |
× |
عام الحزن |
البيعة المشتعلة |
9 |
× |
||||||
24 |
م |
الرحمن |
55 |
× |
ثلاث صور |
مملكة الرماد |
58 |
× |
||||||
57 |
ك |
الأعراف |
7 |
× |
أنا سيد العاشقين |
الزمان الجديد |
51 |
× |
||||||
57 |
ك |
الأعراف |
7 |
× |
الحرث |
الرمانة الحجرية |
19 |
× |
||||||
57 |
ك |
الأعراف |
7 |
× |
أوان الشد |
الزمان الجديد |
159 |
× |
||||||
57 |
ك |
الأعراف |
7 |
× |
رباعيات |
العلم الثقافي |
1985 |
× |
||||||
57 |
ك |
الأعراف |
7 |
× |
أنا سيد العاشقين |
الزمان الجديد |
53 |
× |
||||||
14 |
ك |
النبأ |
78 |
× |
عام الحزن |
البيعة المشتعلة |
7 |
× |
||||||
14 |
ك |
النبأ |
78 |
× |
الغيم |
الرمانة الحجرية |
22 |
× |
||||||
8 |
ك |
الشورى |
42 |
× |
إغاثة الأمة … |
أول الغيث |
33 |
× |
||||||
22 |
ك |
الحجر |
15 |
× |
العيد |
الولد المر |
24 |
× |
||||||
22 |
ك |
الحجر |
15 |
× |
الحرث |
الرمانة الحجرية |
18،19 |
× |
||||||
22 |
ك |
الحجر |
15 |
× |
أوان الشد |
الزمان الجديد |
160 |
× |
فمن هذه الآيات، كما هو مبين في الجدول:
1-ما يتعلق بذاته تعالى: تتكرر فيها الآية(35) من سورة النور أربع مرات، والآية هي قوله تعالى: ]اللهُنورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ مَثلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنهاكَوكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجرةٍ مُبَارَكَةٍ زَيتونةٍ لا شَرْقِيةٍ وَلا غَربِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلوْ لَم تَمْسَسْهُ نَارٌ…[ مما يدل على مكانتها الخاصة لدى الشاعرين الأمراني، والرباوي، على الخصوص.
–قال الأمراني:
أسطورةٌ بيروتُ ملحمةٌ
دمُ الأطفالِ في عَرَصَاتِهَا زَيتٌ يُضِيء([3])
–وقال الرباوي:
أيها المشَّاءُ في جَوف الظلامْ
قَلبُكَ الأجرَدُ مِشكاةٌ تَدلّى كوكبٌ أخضرُ منها
أوقَدَتْ أرجاءَه الشمسُ التي
ما إِن رَسَت في سَاحِلِ الشرقِ أو الغرب([4])
والنصان، معا، يستخرجان من الآية مفهوم الهوية الإسلامية وتميزها بالتوحيد عن باقي الهويات والحضارات الشرقية والغربية واستقلالها عنها. ولعل إعجاب الشاعرين بهذه الآية وتوافق دلالاتها مع ما يشهده العصر من صراع بين الهويات وتبعية من الشعوب الضعيفة…هو الذي أوحى لهما باختيار “المشكاة” اسما للمجلة التي يديرها د. حسن الأمراني.
1-ما يتعلق بخلقه تعالى؛ كقول بنعمارة:
عندما تتداخل الطعناتُ
والساحات تنسج رايةً
ينشَقُّ فيها من دم الشهداء نهر جارفٌ
فتبارك الله الذي خلقَ البدايةَ والنشيد([5])
فهذا على الأرجح من قوله تعالى: ]ثمَّ أنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخرَ فَتَبارَكَ اللهأَحسَنُ الخالقين[([6]) لما تشير إليه الآية من تحول من طور إلى آخر أفضل منه([7])، وهو ما يقصده بنعمارة هنا ب “البداية والنشيد”؛ لأن تساقط الشهداء في سبيل إعلاء كلمة الله-كما هو الشأن بالنسبة للصحفي مصطفى رمضان الذي أهديت له القصيدة-هو البداية الحقيقية لترسيخ مبادئ الإسلام وجرف الظلم والطغيان.
2-ما يتعلق بملكه سبحانه وتعالى، وهي أقل الآيات حضورا، حسب الجدول، كقول الأمراني يخاطب الطاغوت:
لك أن تُعِدَّ السجن والسجانْ
لكَ أن تُعِدَّ لِجثتي الأكفانْ
لك أن ترى ما لا يُرى
…لك أن تُعِد المنشَآتِ الجارياتْ
في البحر كالأعلامْ([8])
وقد أخذه من قوله تعالى: ]ولهُ الجواري المنشآتُ في البحرِ كالأعلام[([9]) ففي هذا الاقتباس يُنفَى العنصر الأساس من الآية الكريمة وهو ضمير الغائب العائد على ذاته تعالى، ويُثبَّت مكانَه عنصرٌ آخر هو كافُ الخطاب؛ ويقصد به هذا المتجبر الذي يقف، في نظر الشاعر، وراء عملية الإزاحة والإحلال تلك، بحيث يظهر من خلال استبدال ضمير بآخر في أعتى طغيانه؛ بجعله، من قبل الشاعر طبعا، نزّاعا إلى تأليه ذاته وإيهامها بأنها فوق كل سلطان، وتطَّلع على الغيب وتملك كل شيء…
4- ما يتعلق برحمته تعالى؛ وهي خاصة هنا بإرسال الغيث، والملاحظ أنها الأكثر ترددا وجلبا للانتباه من سابقاتها في شعر المتن، مما يعني سيطرتها وإلحاحَها على الشعراء أو قصدهم قصدا إلى استحضارها كلما ألَمَّ بهم أو بمجتمعهم مكروه أو أرادوا التعبير عن أملهم في الفرج بعد الشدائد …وقد أعلنت هذه الآيات عن ذاتها نصا مستدعى بوساطة كلمة أو كلمتين أو جزء قصير من آية (رياح، رياح لواقح، بلد ميت…الخ)، وإن كانت قد صارت جزءا لا يتجزأ من نصوصهم بدخولها في نسيج تلك النصوص وإيقاعاته، إلا ما كان من الرباوي الذي اتجه مرة واحدة اتجاها مغايرا بنقل الآية، كما هي، على طريقة الاستشهاد، ودون أن يخضعها للوزن، وإن كان اقتباسها يتماشى والإيقاع العام الذي نسج عليه القصيدة؛ إذ يضمنها كثيرا من النثر إلى جانب القرآن الكريم؛ فبعد كل مقطع أو مقطعين من الشعر يقتبس من القرآن الكريم ويستشهد بكلام لليوطي Lyautey، أو المقريزي([10])، فتبدو هذه الاستشهادات أو التضمينات محافظة على استقلاليتها وتميز أصواتها وخارجيتها. وفيما يخص القرآن الكريم؛ يورد الرباوي، بعد مقطع شعري، الآية هكذا مسبوقة بهذا الوصف:
صوت عظيم-:
]وهو الذي يُنَزِّلُ الغيث من بَعدِ مَا قَنَطُوا، وَينْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَميد[([11]).
ولأهمية هذه الموضوعة أو “التيمة” (إرسال الغيث) من لدنه تعالى سنقف عند نموذج واحد لكل شاعر من شعراء المتن:
ا-لَكِنَّ اللهَ أرادَ الْحَرثَ بِلا أَدْغَالٍ تِلكَ إرادتهُ
تَدْعُوكَ أَنِ اسْتوْرِدْ ِمما يَتأجَّجُ في صَلواتكَ للحرثِ
رِياحاً وَرِياحاً ورياحا…أمّا أنتَ فما زِلتَ
بَعيداً عَن ذاتِكَ، تَلْهَثُ خَلْفَ الْغَيْمِ، وَلَكِنَّ الغَيْثَ يُسَافِرُ
بِاسْتِمْرارٍ فَلِماذا أنْتَ بعيدٌ عَن ذاتِكَ، ثُم لماذا إذْ
جَاءكَ بأسُ الله قَسَا قَلْبُكَ، ثُمّ فَتَحْتَ البابَ لدَجْنِ
الْجَهْلِ، خَرَجْتَ بَعِيداً، صَاحَبْتَ الرِّيحَ وَأَوْلَى لَكَ أَنْ
تَصْحَبَنِي فِي إِنشَادِي: اللهُمَّ أَنَا عَبْدٌكَ عدْلٌ فِيَّ قضاؤكَ
أَنتَ الصَّاحِبُ في سَفَرِي، لا تَتْرُكني أُسْجنُ بين فجاجِ
الجهل الفاجرِ، يا ربِّ رِياحَك أرسِلْها في هذا البلدِ
الميت([12])
ب- أنتِ ضوءٌ جاءَني
مِن يَنابيع النجومْ
فاكتشفتُ النورَ يَمشي
بيْنَ أوصَالِ الغيومْ
.*.*.
أنتِ ريحٌ وسحابْ
أنتِ نِسياني وأنتِ
الآن طيفٌ يَترَاءى
وطريقٌ وجوابْ
.*.*.
أنت كالغيم يمرُّ
وأنا الأرضُ المَواتْ
في ينابيعك سحرُ
قطرةُ الماء حياةْ([13])
ج- تُعَانِقُني قَطْرَةُ الطَّلِّ عِنْدَ الصبَاحْ
تُصَلِّي صَلاتي الرّياح
تُبادِلُني الغيمةُ الحبَّ
وهْيَ تسافرُ مُثْقَلَةً بِالأماني
…لقد كنتِ حلما ببال المريدِ
وكنتِ السحابةَ تنتظم البلد المـَيْتَ
كيف أرادوكِ فينا غُرابَا
كيف أرادوكِ فينا سَرابا([14])
[1] – الرحمن؛ 55.
[2] – الاقتباس من القرآن الكريم؛ 1: 58.
[3] – كتاب الخروج”، القصائد السبع؛ 41.
[4] – “السبل”، البيعة المشتعلة؛ 19.
[5] – “الزمن الذي هو في انتظارك”، نشيد الغرباء؛ 60.
[6] – المؤمنون؛ 24.
[7] – في ظلال القرآن؛ 4: 2459.
[8] – “ثلاث صور”، مملكة الرماد؛ 58.
[9] – الرحمن؛ 24.
[10] – ينظر القصيدة “إغاثة الأمة بكشف الغمة”، أول الغيث؛ 26-34.
[11] – الشورى؛ 28.
[12] – الرباوي، “الحرث”، الرمانة الحجرية؛ 18-19.
[13] – بنعمارة “رباعيات”، العلم الثقافي 5 يناير 1985.
[14]– الأمراني، “أنا سيد العاشقين”، الزمان الجديد؛ 51-53.
د. المختار حسني