لن أعود إلى تطور الجماعات المحلية أو كما تسمى الآن الجماعات الترابية وانتقال مجالسها من الوظيفة الاستشارية إلى الوظيفة التقريرية ثم التنفيذية عبر الرئيس ونوابه، إذ كتب فيها الكثير.
ما يهمني هو واقع الجماعات الترابية الآن والذي أعطاها دستور 2011 مساحة حرية كبيرة من خلال مبدأ التدبير الحر، وعبر تراجع الوصاية كذلك و انتقال المراقبة الإدارية من قبلية إلى بعدية انسجاما مع إرادة المشرع لتحصين استقلالية هذه الوحدات الترابية بمختلف مستوياتها و انتهاجها للتخطيط الذاتي من أجل تنمية المجال و ممارسة اختصاصاتها الذاتية و المشتركة أو المنقولة.
و إذا كان تقسيم المهام بين الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث يندرج في إطار عقلنة تدخلات كل وحدة و تفادي تداخل الاختصاصات بينها وبالتالي تفادي النزاعات و هدر الزمن و الموارد والطاقات.
و من الواضح أن أي جماعة ترابية سواء كانت حضرية أو قروية، إقليما أو جهة لا يمكن أن تنهض بمهامها و تلعب دورها في تقديم خدمات القرب أو النهوض بالجانب الاجتماعي أو الاقتصادي دون موارد بشرية و مالية.
ويلاحظ على هذا المستوى تفاوت كبير بين مختلف الجماعات، خاصة على مستوى الموارد المالية الذاتية، إذ تتمتع بعض الجماعات بمداخيل قد تساعدها على تلبية حاجيات السكان و الجواب على انشغالاتهم و بالتالي ممارسة اختصاصاتها في حدودها القصوى؛ و بشيء من الوسع والقدرة، في حين تعاني أخرى من شح في الموارد وأحيانا من عجز مما يجعلها قاصرة عن مسايرة متطلبات تدبير مجالها و النهوض به، و يحصر تحركها في التخفيف من المشاكل أو في الترافع لدى المصالح والسلطات المختلفة و تقديم بعض الخدمات الإدارية اليومية.
الكثير منا يصب جام غضبه على الجماعات الترابية ومجالسها و تقاعسها عن الاستجابة لبعض مطالبه المستعجلة والملحة التي يبدو له أن لها الإمكانيات الكافية و السلطة العمومية لتلبيتها، خصوصا لما يرى التنافس الشديد إبان الانتخابات للفوز بالعضوية فيها، و لما يرى سياراتها تتحرك وأغلب مقراتها في حلة مقبولة والمنتخبين يلبسون لباسا رسميا مهندما، لكن الذي يخفى على أغلبنا هو أن بعض الجماعات ليس لها من الموارد إلا القليل التي تحافظ به على مظهرها ووجودها الضروري أو وجودها في حده الأدنى.
الأمثلة على هذا متعددة إلا أنه أعتبارا لكون المجالس أساسية في تمثيل سكان أي مجال، و لكونها تجسيدا و اقعيا للديموقراطية المحلية و للامركزية كاختيار للدولة، فإن اليد القصيرة للجماعات يتغلب عليها بتدخلات الجماعات الأعلى(إن كانت لديها إمكانيات أيضا) البرامج الاجتماعية كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية و برنامج محاربة الفوارق المجالية و تدخلات مؤسسات عديدة كمؤسسة محمد الخامس للتضامن ووكالات التنمية أو الإنعاش الوطني أو غيرهم، كما تقوم الدولة بتركيب برامج للتنمية والتأهيل لصالح هذه الجماعات تستفيد منها عدة مدن و قرى وبوادي، بل لولا هذه البرامج والتدخلات لبقي الحال على حاله في عدة مجالات ترابية بل لازداد تخلفها و تدهور بيئتها و من هذه المجالات على سبيل المثال مدينة شفشاون التي رغم عدة برامج و تدخلات بشراكة بين الجماعة و الدولة ومؤسسات أخرى ما يزال يسجل الخصاص على عدة أصعدة و لم تصل بعد المدينة إلى التنمية التي تطمح إليها و تستحقهاتاريخيا.
قد تثار هنا مسؤولية المجالس أو الجماعات نفسها في التدبير و في ارتباط به مسألة الحكامة و أهمية تثمين الأنشطة ذات القيمة المضافة و أهمية مردودية الأملاك الخاصة والعامة للجماعة، وكذا القدرة على الاستشراف و التخطيط المرافعة و التسويق المجالي ، إلا أن الملاحظ هو أن مداخيل الجماعة الذاتية تبقى دون الطموحات و دون ما يساعد على تحقيق إقلاع حقيقي للمدينة و يمتع سكانها بجميع فئاتهم و في جميع الأحياء بخدمات اجتماعية، و يمكن المدينة من تجهيزات و بنية تحتية و تهيئة صحيحة ذات جودة تجعل من تجعل منها فطبا حضريا و محورا لاستقطاب استثمارات حقيقية قادرة على خلق فرص الشغل.
إن ضعف الموارد الذاتية يسمتمر كمعضلة قديمة جديدة، فكيف يمكن تجاوزهذه المعضلة و إيجاد حلول مقبولة لها. ذلك سؤال سيبقى رهينا بالمستقبل حيث تتقاطع الإجابة عنه في طبيعة علاقة الدولة و هيئاتها اللامركزية بالمواطن و علاقة هذا الأخير بالدولة و بطبيعة الانتماء للمجال الترابي الذي يعيش فيه، و التي يجب أن يطبعها الثقة و التوافق و الشفافية والمواطنة و تغليب المصلحة العامة.
عبدالحي مفتاح