مبادرات قَيّمة من أجلِ تنمية جهوية متكاملة واشعاع وطني ودولي لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة
الخميس 28 يوليــوز 2016 – 13:18:04
إلياس العماري رجل براغماني، قد تتفق معه أو تختلف، ولكنه، كما يبدو، اتخذ من الفعالية طريقه في العمل بل ومرجعيته في تدبير الشأن العام بالجهة. الخطوات التي قَطعَهــا على رأس جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة، في تدبيره لشؤون جهة تتكون من ستة أقاليم وعمالتين، ويسكنها فوق الأربعة ملايين نسمة ، أثبتت أن الرجل مصمم على القطع مع عقليات اتّكــالية ، تكاسُلية، عــاجزة ومُتردّدة، طبعت عمل الجهة، والمجالس المحلية، إطلاقا، ولسنوات… إلياس العماري أبهر، عندما وضع يده على الملفات الأساس ، التي بها تستقيم شؤون الجماعة والجهة والبلد ككل: ملف التعليم والملف الاجتماعي، في إطار منظومة متكاملة، تستهدف التنمية الشاملة، وفق أولويات ممنهجة. ثم إنه أبهر، مرة أخرى عندما قدم الدليل على أنه على قدر كبير من معرفة أحوال الجهة وملفاتها المستعصية، أرضا وسكانا، وطموحات كثيرا ما اعترضتها مصالح سلطوية أو منفعية ذاتية، أو تلقفتها أنانيات من زمن خلا.
ثمّ مما ساعده على تحقيق بداية سعيدة لمسيرته على رأس الجهة، أن الرجل يعرف اختصاصاته ويتولاها بحزم فائق، ويرفض أن يتطاول عليه أحد من أي جهة كان، ولأي طابور ينتسب، حفاظــًا على توازن السلط التي يحددها القانون وينظمها. ولعلّ من أبرز مَحطات بداية ممارسته لأعلى سلطات الجهة، حرصه على توفير وسائل العمل وآلياته، فأقدم على إقامة شراكات مع مختلف الجهات الرسمية والخاصة، وطنية ودولية، تنوعت مواضيعها وأهدافها وتوحدت غاياتها، ألا وهي تحقيق تنمية الجهة، اقتصاديا واجتماعيا.
ولا أحد ينكر أن إلياس العماري حقق نجاحا كبيرا في تنظيمه لكوب المناخ بالمتوسط، نظرا لحجم المشاركة المتوسطية والعالمية، التي قدرت بما يفوق سبعة آلاف مشارك في أشغال الدورة وفي قرية المجتمع المدني، وللأصداء الإيجابية لهذا الملتقى التي عكستها الصحافة الوطنية والدولية، وأيضا للأهمية الفائقة التي اكتستها توصيات الدورة الثانية لقمة المناخ المتوسطية والتي وضعت إطارا واضحا لمختلف التدخلات المطلوبة من كافة الأطراف المعنية كما شدّدت على الطابع الاستعجالي لتلك التدخلات من أجل مواجهة التغيرات المناخية عبر خطط عمل منسقة ومسؤولة وطموحة، اعتبارا لمبدأ المسؤولية المشتركة ولخصوصيات المنطقة المتوسطية، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول النامية، الأكثر تضررا من هذه التغيرات المناخية والأضعف قدرة على المواجهة.
ومن أبرز توصيات هذه الدورة، جعل المتوسط فضاء متميزا وإقامة هيئة دائمة بمدينة طنجة، للإشراف على تنسيق مختلف المبادرات والتدخلات المتصلة بالمناخ، ووضع الأمن الغذائي والتشغيل ومحاربة الفقر ضمن الأولويات المناخية التي على دعم ائتلاف الماء والطاقة والأمن الغذائي، والقضاء على انبعاثات الغازات السامة خاصة ثاني أكسيد الكربون، على مستوى النقل البحري بمياه الأبيض المتوسط، وإيلاء كبير اهتمام بالإنتاج والاستهلاك وفق منظومة محكمة تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الفرص المتاحة في مجال مواجهة التغيرات المناخية وكذا التدبير الفعال للموارد وتثمين المهارات المتوسطية في هذا المجال.
“كوب المناخ المتوسطي” كان إنجازا كبيرا لجهة طنجة تطوان الحسيمة وامتحانا عسيرا لرئيسها إلياس العماري الذي خرج منه بميزة “مشرف” بالرغم من بعض الاختلالات التنظيمية الذي تداركها في كلمته الافتتاحية، حين اعترف بأن الفريق المنظم وجد نفسه أمام ضعف عدد المشاركين الذين كان ينتظرهم، وهي وضعية لا يمكن إلا أن تؤخذ بعين الاعتبار بل ويهنـــأ الفريق المنظم على طريقة تدبيره للأمر تدبيرا موفقا. وحتى يعطي المزيد من الدلائل على براغمـــاتيته، وأنه لا يترك فرصة تمر دون استغلالها لصالح الجهة وسكانها، فقد استغل فرصة انعقـــاد مؤتمر المناخ المتوسطي ليبرم اتفاقيات جديدة، مع عدد من المؤسسات المغربية والأجنبية، تصب كلها في خانة البيئة والمناخ والمحافظة عليهما وتعمل على تشجيع وتقوية المقاولات الخاصة والعامة من أجل العمل بشكل جماعي حفاظا على البيئة.
وفي هذا الإطار، وقع رئيس الجهة اتفاقية شراكة مع الوزارة المكلفة بالماء تتعلق بإعادة استعمال المياه العادمة في مدينة طنجة من أجل أغراض السقي حفاظا على المياه الصالحة للشرب، التي يمكن إعادة تدويرها واستعمالها.
وسوف تمتد هذه التجربة إلى باقي عمالات وأقاليم جهة طنجة. أما الاتفاقية الثانية فكانت تهم العمل مع جامعة اتحاد غرف التجارة والصناعة بدول حوض البحر الأبيض المتوسط، من أجل المساهمة في إنجاز مشاريع مشتركة ودراسات علمية لصالح الحفاظ على البيئة ومواجهة التحديات المناخية التي تشهدها المنطقة المتوسطية. الاتفاقية الثالثة كانت مع شركة صينية تصنع الحافلات والسيارات الكهربائية بهدف إنشاء مصنع لتركيب السيارات الموجهة ليس فحسب للسوق الداخلية المغربية، بل وأيضا للتصدير.
هذا المشروع سوف يوفر مئات فرص الشغل بالنسبة للجهة. الاتفاقية الرابعة تمّت بين مؤتمر المناخ المتوسطي والاتحاد العام لمقاولات المغرب، من أجل تعزيز التعاون بين الشركات الصغرى والمتوسطة والكبرى من أجل تحقيق مشاريع تندرج في إطار توصيات كوب مناخ المتوسط. وفي هذا الصدد، أكد إلياس العماري عقب محادثاته الخميس الماضي بطنجة، مع وفد صيني أن مشروع السيارات الكهربائية يندرج في إطار الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين،.
كما أن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز اقتصاد الطاقة وحماية البيئة وتشجيع خلق فرص شغل بجهة طنجة تطوان الحسيمة، وإلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين. من جهته أعلن “وو تان تسي” الرئيس المدير العام لمجموعة “يانغ تسي” الصينية المتخصصة في صناعة السيارات، أن مجموعته تعتزم إنشاء أول مصنع لها لتصنيع الحافلات والسيارات الكهربائية بالمغرب، وذلك بمدينة طنجة، نظرا لموقع هذه المدينة كبوابة لإفريقيا وأوروبا وتوفرها على يد عاملة بمؤهلات عالية في صناعة السيارات ، فضلا عن التسهيلات الاستثمارية التي تقدمها الجهة.
ماذا تستخلص بعد هذه الوقفة العاجلة على بعض جوانب عمل الياس العماري في ظرف وجيز بعد تسلمه رئاسة جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة ؟ أول ما يمكن استخلاصه أن الرجل أظهر جدية كبيرة في التعامل مع القضايا الجهوية ، خاصة تلك التي ترتبط بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأن الياس العماري جعل الجهة تحظى باعتبار متميز وطنيا ومتوسطيا ودوليا بتنظيمه بسبب نجاحه الباهر في تنظيم مؤتمر المناخ المتوسطي، بشهادة كافة الوفود المشاركة، ثم إن رئيس الجهة، حمل إشعاع جهته إلى العالم، بربطه لعلاقات دولية ، أوروبية وأسيوية وافريقية وأمريكية، عبر استقباله لوفود عديدة من مسؤولي تلك الدول ، كان آخرها ، يوم الخميس الماضي، للوفد الصيني، ووفد برلماني من فنزويلا ووفد يمثل جامعة ولاية الميسيسيبي الأمريكية أي وقع معه اتفاقية شراكة استراتيجية تهم التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي خاصة، عبر إطلاق مشروع تربوي وفق النموذج الأمريكي مع مراعاة الخصوصيات المغربية.