الدكتور جميل حمداوي والمسرح الإسلامي
الجمعة 20 يناير 2017 – 11:26:16
لقد أكّدَ معظم الانثروبولوجيين و كتاب ومؤرخي المسرح :إن الريادة المسرحية كانت دينية تنفذ الطقوس والتراتيل للمعتقدات التي تؤمن بها تلك الشعوب في ريادتها الحضارية، وقد مارستها في طفولة ومهد الحضارات القديمة في بلاد مابين النهرين ،والنيل ،والحضارة اليونانية . ومنذ بزوغ شمس الإسلام كانت الاسواق، والتكايا، والزوايا ،والمساجد، والباحات، وأجواء الإحتفاءات الدينية تقدم العروض المسرحية ، وقصائد الشعر ،والمدائح النبوية ..،وعلى مدى تأريخ البشرية الطويل ظهرت أشكالاً مسرحية متعددة من الحكواتي ،إلى الرومانتيكي ،والواقعي ،ومسرح برخت والمدارس الاوربية إلى مسرح العبث واللامعقول ،والمسرح التجاري ،والمسرح الصامت ،ومسرح الصورة، ومسرح العلبة ،والمسارح الجوالة للفلاحين والعمال وغيرهم، ومسرح المقهورين ،ومسرح الطفل وأشكال مسرحية أخرى لها منظريها وفلسفتها ورؤاها .
ومن تلك المسارح هناك الشكل المسرحي الإسلامي: ورد في مقدمة كتاب المسرح الإسلامي للمؤلف الموسوعي الغزير الناقد الدكتور”جميل حمداوي” رؤى واقعية حول الأداء بالمسرح الإسلامي ،ووظيفته ،وماهيته ،وكيفية معالجة المرويات التأريخية ، والحاجة الفكريّة والإجتماعيّة والثقافية لهذا –المسرح الجاد- والهادف والرصين بطروحاته المُستله من الواقع الإسلامي ،حيث أكد “حمداوي ” برؤيته الإستشرافية التي تغوص بأبعاد مختلفة بالتأريخ والأدب والفن من خلال القدرة النقدية الصائبة على فحص المنجز الأدبي والفني والتأريخي ،بإسلوبه الشيّق المتفرد بمنح المتلقي وجبة كاملة الدسم .حيث يؤكد ص5: (( ظهرت في عالمنا العربي والإسلامي، مع سنوات الثمانين من القرن العشرين إلى يومنا هذا، مجموعة من النظريات المسرحية الداعية إلى مسرح إسلامي بديل مع كل من: عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني، وحكمت صالح، ومحمد عزيزة، وعمر محمد الطالب، وجميل حمداوي… والهدف من هذا المسرح كله هو تحرير الإنسان المسلم من العبثية والفوضى والعصيان والحيرة والعزلة، وتطهيره ذهنيا ووجدانيا وأخلاقيا وحضاريا.
ومن ثم، يعترف الباحث العراقي عماد الدين خليل أن المسرح، قبل كل شيء، هو فن جميل مركب وشامل وأب الفنون، يمكن الاستعانة به للتعبير عن مشاكلنا وقضايانا الذاتية والموضوعية والحضارية. ويمكن أن يتحول إلى أداة للتهذيب أو التعليم أو التوجيه أو الإرشاد من جهة، أو يصبح أداة للاحتجاج والإدانة وتغيير الواقع من جهة أخرى .ويرى عماد الدين خليل أيضا أنه من الممكن الاستفادة من الأشكال والتيارات والمدارس المسرحية العالمية في بناء المسرح الإسلامي نصا، وتمثيلا، وتأثيثا، وإخراجا.
ولكن بشرط أن تصاغ المضامين وفق الرؤية الإسلامية المعتدلة بعيدا عن الإيديولوجيات المادية من جهة، وفلسفات الشك والإلحاد والعبث والفوضى والانعزالية من جهة أخرى. )). بعد تلك المقدمة التأهيلية للدخول بمتن الفصول والمباحث التي إشتملت الرؤى والأفكار التي يناقشها بسلاسته المعهودة بمؤلفاته التي ناهزت ال(200) مؤلفاً بشتى المباني الفكريّة والنقديّة ،لتعريف المتلقي ومن يشتغل بآفاق وفضاءات المسرح التنظير للمسرح الإسلامي؛المبحث الأول: المسرح الإسلامي له خصوصيات فنية؛ المبحث الثاني: بدايات التنظير للمسرح الإسلامي؛النظرية الإســــــلامية الجديدة المبحث الأول: التصــور النظــري؛المبحث الثاني: نمــــاذج مسرحيـــة إسلاميــــة المسرح الإسلامي عند عماد الدين خليل؛المبحث الأول: مفهــــوم المســـرح بصفة عامة المبحث الثاني: مفهوم المسرح الإسلامي؛المبحث الثالث: أهداف المسرح الإسلامي المبحث الرابع: مضامين المسرح الإسلامي؛المبحث الخامس: التأليـــف المسرحـــي المبحث السادس: الإخــــراج المســـرحي في ص27 من هذا السفر الجميل النافع للقراءة والتطبيق معاً :يؤكد الناقد د-جميل حمداوي على قضايا توجيهية ،لإنجاح العرض المسرحي منها : ويشترط في الممثل الجيد أن يتمكن من مجموعة من الآليات الفنية والجمالية والأدائية، وتتمثل هذه الآليات في العناصر التالية: الاستيعاب: ينبغي على الممثل أن يستوعب دوره استيعابا جيدا، بحفظه وترديده، وتشخيصه لغويا وحركيا، والتدريب عليه نظريا وتطبيقيا. التشخيص: بعد استيعاب الدور المسرحي جيدا، ينتقل الممثل إلى التدريب عليه في مرحلة القراءة الإيطالية، فالتطبيق الميزانسيني. ولابد أن يقترن حوار الشخصية بالفعل الهادف والسلوك الحركي المعبر من أجل إقناع الجمهور حجاجا وتطهيرا وتمثلا
. التموقـــع: ينبغي أن يختار الممثل موقعه الركحي بشكل جيد، فيختار الوسط في أثناء تأجج الصراع الدرامي، أو يختار جهة الفوندو لاسترجاع الماضي، أو يتجه نحو الجهة السفلى الوسطى للتبشير بمستقبل زاهر ومتنور، أو يختار المناطق الهامشية لكشف الأسرار، والإفصاح بالحقائق التي لا ينبغي أن يعرفها الجميع. التحــــرك: يمكن للممثل أن يتحرك فوق خشبة الركح بحرية تامة، وبأشكال متنوعة ومختلفة حسب مضامين المسرحية، أوحسب مقاصدها الفنية والجمالية، أو حسب سياقاتهاالسيميائية، كأن يتحرك الممثل المؤدي إلى الأمام، أو يتراجع إلى الخلف، أو يظل ثابتا في الوسط استعدادا لخوض الصراع، أو يتجه نحو الأماكن المظلمة والمهمشة يمنة ويسرة، أو يطل على الخشبة من تحت، أو من فوق، أو من عل. ومن ثم، تتخذ الاتجاهات الحركية الركحية لدى الممثل أشكالا متنوعة، كأن ترد على النحو العمودي، أو الأفقي، أو الشكل المتقاطع، أو الشكل الفوضوي ( الحر السائب)، أو يكسر الجدار الرابع. ويمكن للممثل أن ينوع نظراته الأدائية، فيقدم دوره بنظرة أمامية، أو خلفية، أو جانبية
. التموقــف: يشترط في المسرح الإسلامي أن يطرح فوق الركح عدة مواقف متباينة، ويعرض رؤى فكرية متناقضة، ولكن لابد أن يرجح الموقف الإسلامي على باقي المواقف الأخرى عن طريق الحوار الحجاجي المنطقي، والجدال الإقناعي الحسن المدعم بالبراهين والأدلة النصية والعقلية والواقعية. ويعني هذا أن تكون هناك شخصيات درامية مختلفة متناقضة في أهوائها ونوازعها ورغباتها. ولكن لابد من وجود شخصية محورية إيجابية تدافع عن الموقف الإسلامي، وتشرح موقف الدين من القضية المعروضة، فتفسره تفسيرا إسلاميا صحيحا من أجل هداية الغير، وتصحيح اعتقاده، وتقويم سلوكه بطريقة حسنة لإخراجه من الضلالة إلى الهداية، والانتقال به من الظلمات إلى النور
. ‘التمثـــل: يشترط في الممثل المسرحي أن يحسن تمثل الأداءات والقيم السلوكية، ويتشرب المشاعر الإنسانية الصادقة، فيؤديها أداء جيدا، ويشخصها تشخيصا حسنا لا تصنع فيه أو تكلف. كما يعمد إلى العمل بالعبر، وتطبيق الحكم تطبيقا عمليا، وتمثل مقاصد المسرحية تمثلا نظريا وميدانيا. فلا يعقل – مثلا – لممثل سينمائي أو مسرحي أدى دورا فنيا أخلاقيا جيدا كما في فيلم( الرسالة) لمصطفى العقاد.. ويستمر الناقد المغربي المهم د-“حمداوي ” بمباحثه التي تعد خلاصة للقراءات التي تساهم ببناء وتشييد أركان نجاح العرض المسرحي الإسلامي في ص37 : (المطلب السابع: السينــوغرافيا في المســـرح الإســـلامي يمكن للمخرج، ضمن التصور الإسلامي، أن يوظف جميع الأشكال الفنية والفرجوية المناسبة والهادفة، بشرط ألا تتناقض تلك الأشكال والتجارب السينوغرافية مع تعاليم الشرع الإسلامي.
إذ يمكن للمخرج والسينوغراف معا أن يوظفا السينوغرافيا الواقعية، أو الطبيعية، أو الرمزية، أو التاريخية، أو الأسطورية، أو التكعيبية، أو المستقبلية، أو التراثية، ولكن في انسجام تام مع روح الإسلام. …) بالطبع لنجاح أي عرض مسرحي لابد من توفر تقانة وسينوغرافيا للعرض وهو من المُكملات لنجاح الأداء ووسيلة للإقناع، لقد كان المسرح الإسلامي مُغيباً بالعراق لعقود وهو من التابوات الثقافية من السبعيينيات إلى 2003 ،فيما قدمت عروضاً للمسرح الإسلامي منذ 13 عاماً بكل المسارح والمدن وأقيمت عدة مهرجانات للمسرح ،وإصدار عدة كتب عن المسرح الإسلامي كتبت 9 حلقات بمجلة المسرح الحسيني الفصلية بكربلاء .
لقد إستعرض “المؤلف “بكتابه المسرح الإسلامي بعض العروض التي قدمت بمصر والمغرب وبلدان أخرى منها في ص42:( يمكن الإشارة إلى العديد من المسرحيات الإسلامية الهادفة التي انطلقت من التصور الإسلامي الرباني كمسرحيات علي أحمد باكثير، كما يبدو ذلك جليا في مسرحيته(حب الغسيل)، ومسرحية( الدنيا فوضى)، ومسرحيات مصطفى محمود كمسرحية( الشيطان يسكن بيتنا)، ومسرحيات محمود دياب كما في مسرحيته( باب الفتوح)، ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوي كمسرحية( الحسين ثائرا) و(الحسين شهيدا)، ومسرحيات عماد الدين خليل كمسرحية ( المأسورون)، ومسرحية ( الشمس والدنس)، ومسرحية ( معجزة في الضفة الغربية)، ومسرحيات محمد المنتصر الريسوني كمسرحية ( أعراس الشهادة في موسم الشنق)، ومسرحيات علي الصقلي كمسرحية( الفتح الأكبر)، ومسرحية( المعركة الكبرى)، ومسرحية( أبطال الحجارة)، ومسرحيات محمد الحلوي كمسرحية( أنوال ). ويمكن الإشارة كذلك إلى مسرحية( بابا عروب يقرأ الغروب) التي قدمتها فرقة الأشبال بوجدة في إطار المهرجان الوطني الرابع والعشرين لمسرح الهواة،…) جهد معرفي جميل من الدكتور جميل ومسعى ثقافي رصين كما عهدناه بمختلف مؤلفاته.