أزيد من ست ساعات قضاها العالم عموماً والمغاربة خصوصاً بدون تواصل اجتماعي، ساعات أقامت الدنيا وأقعدتها، حالة من الارتباك والتوتر طالت ملايين النشطاء، ترقب وحسرة حبست الأنفاس والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ماذا حدث؟ هل أصبحنا مدمني مواقع التواصل الاجتماعي؟ ماذا سيحصل إذا توقفت الوسائط الاجتماعية بصفة عامة؟
تساؤلات تبدو في ظاهرها بسيطة ولكنها في باطنها معقدة، والأهم أنها تسلط الضوء على حقيقة الإدمان الذي أصبحت تسببه هذه الوسائط.
مرت عاصفة التوقف بسلام لكن تأثيراتها ظلت بارزة بروز الشمس، بحيث ينبغي أن يكون هذا الأمر دافعا أساسيا نحو ترشيد التعامل مع هذه الوسائل.
ساعات من العطب والترقب
إن توقف وسائل التواصل الاجتماعي دفع بالملايين إلى البحث عن بدائل سريعة يلجؤون إليه بعد انقطاع الأخرى، فأينما وليت وجهك إلا وتجد الآلاف يهمون لتنزيل تطبيقات جديدة يمكنها سد رمقهم، فهناك من أنشأ حسابات جديدة وهناك من نام مبكرا، ومنهم من لجأ إلى متابعة تطبيقات المواقع الإخبارية، والبعض الآخر ظن أن المشكل في صبيب الأنترنت خاصته، غافلين بذلك عن المشكل الحقيقي الذي يكمن في الإدمان الذي يسببه أو بالأحرى سبّبه انقطاع بسيط في الوسائل الاجتماعية الثلاثة.
ووجد بعض المثقفين هذا الانقطاع فرصة للتذكير بقيمة التواصل الفعلي مع المحيط، والتأكيد على هشاشة ما يسمّى بالعالم الرقمي الافتراضي الذي يمكن أن يختفي في لحظة غير محسوبة ولا متوقعة.
وسائل التواصل الاجتماعي في أرقام
تقول صحيفة “نيويورك تايمز” إنه في جميع أنحاء العالم، استخدم 2.76 مليار شخص في المتوسط واحدا على الأقل من تطبيقات فيسبوك يوميا في شهر يونيو من العام الجاري، وفقا لإحصاءات الشركة.
ويُستخدم تطبيق “الواتساب” لإرسال أكثر من 100 مليار رسالة يوميا، وتم تنزيله ما يقرب من ستة مليارات مرة منذ أن اشتراه تطبيق “الفايسبوك” عام 2014، وفقا لتقديرات شركة البيانات صينسور طووير.
ومن جهتهم، بلغ عدد المشتركين المغاربة في شبكة الأنترنت 10.32 مليون مشترك، هذا العدد يزداد نموا بنسبة 61.4 في المائة كل سنة، وفق ما جاء في تقرير للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات خلال ماي 2015.
الإحصائيات العالمية لعدد مستخدمي الأنترنت الخاص بشركة “إبسوس”، أكدت أن الفايسبوك الموقع الأكثر شعبية في المغرب بعدد مشاهدات تزيد عن المليار شهريا، يليه محرك بحث جوجل بحوالي نصف المليار مشاهدة شهريا، ثم اليوتيوب والموسوعة الحرة ويكيبيديا.
أزمة القراءة
“لست مُضطرا لأن تحرق الكُتب حتى تُدمر حضارة ما، كل ما عليك فعله هو أن تقنع الناس بعدم قراءتها” في العام 1953، طاردت الروائي الأميركي راي برادبوري رؤى لعالم كابوسي، عوضا عن أن يُخمد فيه رجال الإطفاء الحرائق، أخذوا يُشعلونها في الكُتب. فالناس في ذلك العالم يكرهون الكُتب، يخشونها، يرمقونها بمزيج من الخوف والازدراء، فيتخلصون منها ويولون كل انتباههم واهتمامهم للشاشات الضخمة التي لا يخلو منها بيت من البيوت. في روايته “فهرنهايت 451″، خط برادبوري تلك الرؤية التي حمّلها مخاوفه وهواجسه من ثقافة تتجه أكثر وأكثر بعيدا عن القراءة.
لا يختلف اثنان اليوم على أن رؤيا الروائي الأمريكي أخذت في التحقق، فالأرقام والإحصائيات تؤكد على شيء واحد اندثار عهد الكتاب والقراءة، هذا فضلا عن غياب ثقافة القراءة لدى العرب والمغاربة على وجه الخصوص، “إلا من رحم ربي“.
تقرير مؤسسة الفكر العربي كشف أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق. وحسب إحصاءات منظمة اليونسكو، لا يتجاوز متوسط القراءة الحرة للطفل العربي بضع دقائق في السنة، مقابل 12 ألف دقيقة في الغرب.
لقد أظهر الانقطاع الفجائي لوسائل التواصل الاجتماعي بأن الإدمان ليس محصوراً على تناول الخمور أو السجائر أو المخدرات بأنواعها المختلفة، بل تعداها إلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث تحول مستعملوها إلى مدمنين عليها من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، وهذا مؤشر خطير سلب المجتمعات عقولها، وخلف آثاراً وخيمة على مستوى العلاقات الأسرية، وظهور انحرافات سلوكية لا يُعلم مآلها مستقبلا.
في ساعات: زوكربيرغ يخسر الملايير..
ماذا عن الأرباح؟
من المعلوم أن خسائر مؤسس موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” مارك زوكربيرغ بلغت 6 مليارات دولار في ساعات قليلة ما أدى إلى تراجع ثروته إلى 121.6 مليار دولار، ليتقهقر بذلك إلى المركز الخامس في مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات.
فإذا كانت خسارة زوكربيرغ 6 مليارات في ست ساعات فقط، فماذا إذن عن أرباحه!
كم لبثنا!
تعليق أطلقه المغاربة تزامنا مع انقطاع وسائل التواصل الاجتماعي لبضع ساعات، وكأنها سنوات بُثرت من حياة بعض المستهلكين لهذه الوسائل الاجتماعية.
في أرقام!
بعدما فقد فايسبوك هيبته بعد العطل الذي أصابه في مقتل، سجلت تطبيقات أخرى ك “تويتر” و”تيليغرام” التحاق الملايين من المستخدمين الجدد، بحيث اكتسب تطبيق تيليغرام أزيد من 70 مليون مستخدم جديد، في حين قام ما ينيف عن 59.6 مليون مستخدم من تنزيل تطبيق تويتر خلال ساعات تعطل الفايسبوك
سهيلة أضريف