من أعلام موسيقى الألة بطنجة
جريدة الشمال – عبد المجيد السملالي ( (باحث في تاريخ المـوسيقى الأندَلُسية) )
الجمعة 17 نوفمبر 2017 – 09:50:58
• أجـدُنـي اليوم مَدفـوعــًا أكثر من أي وقت أخر إلى كتـابـة تعـريـف بـأحد رجـال الفن الأصيل و ألمـع الـولـوعين بموسيقى الألة بطنجة، إنه الشريف مولاي إدريس بن مولاي علي الوزاني، وذلك بعد شِدَّة اندهاشي واستغرابي لما سُطر في مقالة حملت عنوان: (قائمة الهواة والمطربين للموسيقى الأندلسية بمدينة طنجة 1990–1982) نشرت أخيرًا على صفحات جريدة طنجة الغراء. العدد 3968.( 23 شتنبر 2017).
وعلى صفحات جريدة الشمال االهادفة في رسالتها الإعلامية. العدد 908. ( 26 شتنبر 2017). الصفحة 12، والمقالة بقلم الدكتور رشيد العفاقي، وهي عبــارة عن تقديم ونشر وثيقة وضعها الشريف مولاي إدريس الوزاني (ت 2011م).
وبعد قراءة تلك المقالة وإعادة النظر في مضمونها المرة بعد الأخرى ظَهَرَ لي أن الدكتور المحترم لم يحالفه الصواب في هذا التقديم ، وقد أبـانَ عن قصوره في معرفة أعلام موسيقى الألة بطنجة، فهو لم يحسن استثمار نص منشور من قبله بل ووضع له تقديما (يا ليته لم يخطه)، فهذا النص: (قائمة الهواة والمطربين) كان بين يديه منذ مدة ( فقد سبق لي أن نشرته على صفحتي بالفيس بوك، وكذلك في صفحة هواة الموسيقى الأندلسية المغربية سنة 2010)، فالكاتب لم يدقق في مضمون النص، الذي ضم جميع المعطيات الصحيحة لكنه مع الأسف أورد جلها مغلوطة في تقديمه، مما يظهر أنه لا يمتلك معرفة جيدة بأعلام شرفاء آل وزان، ولا بموسيقى الألة وأعلامها وبقضاياها الفنية. لذلك يلزمني الكشف عن بعض الأخطاء الواقعة في تقديمه…
ولذلك نجد جل أبناء هذه الأسرة الوزانية توارثوا الاهتمام بالتراث الموسيقي الأندلسي، سرى في كيانهم عشق الموسيقى والطرب، وأولوا عناية كبيرة منذ صغرهم بتعلم عزف مختلف الألات الموسيقية، وبل أدرك بعضهم شأوا بعيد المدى في هذا المضمار.
و بمجموع أفراد هذه الأسرة كانوا يشكلون فرقة موسيقية متكاملة، مع عنايتهم بالعزف المتقن وحفظهم الدقيق لمختلف صنائع الألة، ومن أشهر هواة الطرب في هذا البيت :
ـ مولاي أحمد بن عبد السلام الوزاني. كانت له مهارة في عزف الرباب.
ـ مولاي العربي بن أحمد الوزاني. كان يجيد عزف الكمان والبيانو والساكسفون.
ـ مولاي إبراهيم بن أحمد الوزاني. كان يحسن عزف البيانو والساكسفون.
ـ سيدي عبد اللطيف بن أحمد الوزاني كان يجيد الغناء، وعزف الكمان.
ـ سيدي حمزة بن أحمد الوزاني له مهارة كبيرة في نقر الطار.
ـ مولاي عبد الله بن علي الوزاني كان يتقن عزف العود والكمان والبيانو.
وأما مولاي إدريس بن علي الوزاني فكان يجيد عزف الألات الموسيقية التالية: البيانو والقانون والعود.
وقد دأب مولاي إدريس على تنظيم أمسية موسيقية سنوية، حُدِّدَ موعدها في السبت الأول من شهر رمضان الأبرك، وهذا اللقاء يكون مناسبة لالتئام هواة طرب الألة من المدينة ومن خارجها، وفرصة طيبة لصلة الرحم بالإخوة الفنانين والمولعين بالفن الأصيل، وكان يتم ذلك بحضور وازن لنخبة العازفين المحليين الذين يشنفون أسماع الحاضرين في هذا المجلس البهي بأعذب الألحان وجميل الأشعار في مدح خير البرية والإشادة بفضائله وشمائله الجلية عليه الصلاة وأزكى السلام. وهذه العادة المستحسنة ما يزال أفراد أسرته يحافظون عليها، ويسهرون على تنظيمها في موعدها السنوي.
وخلال سنوات مديدة احتضن بيت مولاي إدريس الوزاني لقاءات فنية عديدة كان بهجة مجلسها بعض أقطاب موسيقى الألة بالمغرب وعلى رأسهم: مولاي أحمد الوكيلي ومحمد بن العربي التمسماني اللذين كانت تجمعهما بمولاي إدريس علاقة مودّة متينة ومحبّة صادقة، مطبوعتين بالتقدير والإجلال المتبادل بينهم.
كما كان منزل مولاي إدريس الوزاني قبلة الدارسين والباحثين في التراث الموسيقي المغربي، من العرب والعجم، فكانوا يغترفون من معارفه التاريخية والفنية، وقد كانت خزانته تضم مجموعة من ذخائر التراث الفني وكتبا كثيرة انتقلت إليه من خزانة جده الحاج عبدالسلام بن العربي الوزاني (1310هـ/ 1893م)، كما كانت خزانته تتوفر على مجموعة كبيرة من الصور التاريخية المتعلقة بأفراد هذا البيت الشريف، أو المتصلة بالأنشطة الفنية التي أحيتها جمعية هواة الموسيقى العربية على امتداد السنوات الماضية، علاوة على أعداد كبيرة من التسجيلات الصوتية القديمة، وجلها من السهرات الموسيقية (طرب الألة) التي كانت تحييها جمعية الموسيقى العربية بحديقة بروكس، أو تلك الأمسيات الفنية التي احتضنها منزل شرفاء وزان في مناسبات مختلفة، كما كان يحتفظ بمجموعة من الألات الموسيقية القديمة منها عود كان أهداه السلطان مولاي عبدالحفيظ لوالده.
ونظرا لخبرته ومعرفته الكبيرة بنوبات موسيقى الألة اختارته وزارة الثقافة المغربية ليكون عضوا في اللجنة الفنية التي أشرفت على توثيق نوبات الموسيقى الأندلسية الإحدى عشر بالتسجيل الصوتي سنة 1992م.
وبخصوص جهود مولاي إدريس الوزاني في الكتابة والتأليف فلم أجد له سوى بعض المحاضرات والمقالات تحدث فيها عن الثقافية الموسيقية بمدينة طنجة وعن الموسيقى الأندلسية في ماضيها وحاضرها، كما احتفظ لنا بقائمة بها أسماء المطربين وهواة طرب الألة بطنجة من سنة 1900 ـ 1982م، ولقيمة هذه الوثيقة التاريخية ولأهميتها في معرفة النشاط الموسيقي الأصيل الذي ساد المدينة خلال القرن 20م، أدرج في نهاية هذه المقالة التعريفية، صورة الوثيقة كما وضعها صاحبها دون تغيير شكلها أو إلحاق تصحيفات بها.
وتقديرا لمكانته الفنية وتنويها بعطاءاته الكبيرة في المحافظة على تراث الموسيقى الأندلسية حظي الشريف مولاي إدريس الوزاني في مناسبات مختلفة بأكثر من تكريم يليق بجليل مكانته من قبل مجموعة من الهيآت الوطنية والمحلية، ومن قبل بعض الجمعيات الفنية المهتمة بالموسيقى الأندلسية.
وبعد عمر مديد حافل بالعطاءات الفنية، وجهود كبيرة في رعاية التراث الموسيقي الاندلسي المغربي، ودور متميز في المحافظة على التراث الأصيل، لبى مولاي إدريس بن علي بن الحاج عبدالسلام الوزاني نداء ربه يوم الأربعاء 11 محرم 1433هـ موافق 7 دجنبر 2011م، ووري الثرى بمقبرة الأسرة المجاورة لدار الضمانة بمرشان….
(يتبع)