الغارة على بلاد نفطستان (الفصل السادس)
الجمعة 01 أبريـل 2016 – 18:29:15
الفصل السادس
لقد أمضيتُ فترة تدريبي في المدرسة العليا للعساكر أخترع لأصدقائي قصصا وهمية عن بطولاتي السابقة، فقد كنت أجد متعة بالغة في ذلك. وكانت لكل فرد منا صفة قوية يفرض بها على الآخرين احترامه، وكانت صناعة الكذب صفتي القوية. فإن حقيقة أمرنا هي ما نستطيع أن نوهم الآخرين به، وليست حقيقة أمرنا ما نحن عليه فعلا..ولم يكن الكذب عندي رذيلة، بل كان سلاحا، فإن الحرب خدعة، والخدعة كذب مباح، أو هي كذب له آثار إيجابية. أو قل إن شئت هي كذب يكون سببا في خير. ولهذا فإنني مع إقراري بأنني أصنع الكذب، لم أقر يوما بأنني كذاب. بل كنت أقول: أنا رجل حرب، وتلك هي صناعتي!. لقد كنت أكذب بضمير مرتاح. فعاقبني الله عز وجل بأن جعل مأساتي في كذب الناس علي..
وكنت كلما ضعف أثر كذبة في نفوس من أحدثهم بقصصي عاجلتهم بقصة هي أغرب من الأولى. لقد كان الصدق واضحا في عيني. فأنا عند نفسي يومئذ لم أكن أكذب، وإنما كنت أحدثهم بما كان ينبغي أن يكون فقط. لذلك فأنا لم أكن أستعمل الخيال، وإنما كنت أستعمل الذاكرة.
لقد كان يقيني بالغا بأن هذه الأمور قد حدثت..ومما حدث من هذه الأمور قصتي مع الحجل.. كان يوما باردا، وكنت قد خرجتُ مع والدي عن غير رغبة مني. فكنت أمشي خلفه متباطئا، متضايقا. وكان لون السماء، ونُذُرُ المطر تزيدني ضيقا. وكنت أضع في رجلي حذاء غليظا، فكنت أسمع صوت الحذاء على أرض بها بلل، وعلى أغصان ساقطة، وعلى أعشاب وأوراق شجر أصواتا مختلفة كلها يزيدني ضيقا، فأضرب بقدمي الحصى المتناثر بقوة ساخطا على كل من يحيط بي. وكنت أتعمد أحيانا أن يصيب الحصى بعض أصدقاء والدي، فكان ينظر إلي شزرا لذلك، فتزيدني نظراته سخطا..وفجأة توقف الجميع. ونظر إلي الوالد، رحمه الله تعالى، وقال: لقد وضعت في البندقية على غير المعتاد أكثر من رصاصة..وأشار بيده أمامه.
نظرت إلى حيث أشار، فإذا هي حجلة واقفة تصيخ السمع وتستعد لتطير هاربة. تناولتُ منه البندقية، ثم أطلقت رصاصة عن غير أهبة ولا رغبة نحو الحجلة، فاختفت الحجلة وراء العشب، ثم بعد هنيهة قامت ناهضة، فعاجلتها برصاصة ثانية يرافقها إحساس مر بالإهانة، فاختفت ثم قامت فأتبعتها رصاصة ثالثة يصاحبها استغراب كبير، فاختفت ثم عادت للظهور، فلم أملك نفسي، وخالطني إحساس غير معهود بالإحباط دفعني إلى أن أطلق رصاصة رابعة بدون تركيز، فاختفت الحجلة برهة قصيرة ثم ظهرت تستعد للطيران، فأطلقت رصاصة خامسة لها دوي، سمعت بعدها صوت أبي وهو يقول: هل تظن الرصاص لعبة في يد الأطفال؟. لقد كلفني هذا الرصاص مالا..ثم أخذ مني البندقية بغضب شديد. كان غضب أبي أكبر من غضبي، إذ ذهب بسببه كلُّ ما كنت أشعر به من ضيق، وما كنت أصطنعه من تأفف، وبقي إحساسي بالحزن ثابتا، بل أصبح مضاعفا.
وكدت أبكي، لولا أنني رأيت الكلاب تعدو نحو مكان الحجلة، فجريت خلفها بكل قوتي، وكنت إلى براعتي في الرماية عداء سريعا..فوصلتُ بعد الكلاب بفترة قصيرة، ووقفت أنظر بفخر إلى خمس حجلات أسقطهن رصاصي، ثم شعرت بعدها بوالدي، رحمه الله تعالى، يربت على كتفي، ويمسح على رأسي، وهو يقول، مشيرا إلي ثم إلى نفسه: هذا الشبل من هذا الأسد!.
لقد ذكرتُ هذه الواقعة لكثير من الناس، غير أني لم أذكرها في المدرسة العليا للعساكر إلا مرة واحدة، ذلك أني خشيت أن يفضحني بعض هؤلاء الأصدقاء ممن تدربوا على استعمال السلاح. فقد كان في القصة خلل واضح، وهو أن إطلاق أول رصاصة كفيل بجعل كل الحجل يطير مرة واحدة فزعا من صوتها..ولكنني كنت قد سمعتُ بقصة الكسعي مع الحمر الوحشية،[1] فوقع في وهمي أني كنت كسعيا في زمان آخر..وكنت قريبا من أن أزعم أني كسرتُ البندقية، وعضضت إصبعي فقطعتها ندما عليها، لولا أنني لاحظت أن كل البنادق سواء إذا كانت من نوع واحد، وأن البندقية قبل ذلك ليست بندقيتي فهي بندقية والدي، وأني كنت في سن لا يُسمح لي فيه بكسر البنادق، وكنت لا أستطيع ذلك لو أردته..
ما أجمل زمان الأقواس!.. وما أحسن أن يأتي شاعر بعدك فيقول:
نـدمـتُ نـدامـة الـكُـسَـعِـيِّ لَــمَّــا غـدتْ مـنـي مُـطـلَّـقَـةً نـــَـــوَارُ[2]
لو اشتهرت قصتي كاشتهار قصة الكسعي لما شككت في أن يأتي بعدي من يقول: ندمت ندامة “فتح الباب”…وقد قيل..لكن ليس بسبب قصة الحجل، ولكن بسبب وضعي لقصة الحجل، وقصة الخنزير البري، وسائر القصص التي استعملها الناس من أجل أن يتفقوا على أن “فتح الباب” هو السبب في حرب الانفصال..
لقد كانت قصصي قاتلة..ولكن أشدها فتكا كانت القصةُ التي أدت إلى حرب الانفصال. فقد عُيِّنْتُ ضابط صف في الفرقة السابعة المدرعة. وكان العمل مملا، رتيبا، والأيام متشابهة، والوجوه لا تتغير، والأصوات لا تتبدل، فحدثتني نفسي أن أستعمل قوة الحكاية في هدم الرتابة والملال. وكنت أعلم أن الجنود بطبعهم يعانون من الحرمان،لأن الحرمان هو روح الجندية، وعصبها الذي به تقوم .. فصنعت لهم قصصا يعالجون بها حرمانهم..ولم أكن أعلم أن علاجي لهم سيصبح نارا وبارودا وجثثا ملقاة في كل سبيل.
كان لي صديق في الجيش شديدَ الميل إلى النساء، مغرما بهن، كَلِفاً بذكر أوصافهن، محبا لذكرهن في كل وقت وحين، وكان أصله من أقصى الشمال، وكنا نناديه على سبيل الدعابة : العباس بن الأحنف، ومع أنه لم يكن أحد في الجيش يعرف من هو العباس بن الأحنف غيري، فإنه كان يعجبه هذا الاسم، ويحب سماعه، ويعتز به، فكنا نناديه به حتى كدنا ننسى اسمه الأصلي، وهو: عباس الأقرع. والغريب أن الأقرع لم يسألني عن صاحب هذا الاسم إلا مرة واحدة، فقلت له، وأنا أتصنع الجد: إنه أحد أبطال الحرب في اسبرطة القديمة.
قال: وأين تقع اسبرطة؟
قلت: غير بعيد عن هنا.
قال: رحمه الله تعالى.
وفي ليلة مقمرة اتكأنا على مدفع ثقيل، نجتر مللنا، وينظر بعضنا إلى بعض، ولا نجد ما نقوله بعد أن تحدثنا همسا عن مغامرات قائدنا في الجيش، ثم رفعنا صوتنا متحدثين عن الطقس، والأصحاب، والأهل، وذكريات الطفولة، ونتائج الامتحانات، وطب محجوب الأحذ وبراعته، وعن بطولات جيشنا، وعن الأسلحة المتوقع حصوله عليها قريبا، ثم رفعنا أصواتنا أكثر متحدثين عن نعمة الله علينا بالأخ الزعيم شيركويه السابع، وعن شمس صحرائنا التي يحسدنا عليها الأعاجم، وعن فوائد لحم الإبل، وعن صيد الضب، وأنواع الأفاعي المنتشرة حولنا في كل مكان..
فقلت بعد صمت وتفكير:
ـ عباس..هل سبق لي أن حدثتك عن حسناوات الجنوب؟
ابتعد عباس عن المدفع فرحا بهذا الموضوع الجديد، وقال كاذبا:
ــ لا أتذكر أنك حدثتني في موضوع مثل هذا!
كنت أعلم أنه يزعم زعما غير صحيح، فقد سبق لي أن حدثته عن حسناوات الجنوب والشمال جميعا، ولكنه كان يحب مثل هذه المواضيع، وينشط لسماعها، ولا يشبع من تكرار القول فيها.
قلت: إذن أحدثك بما لم يسبق لك سماعه عنهن..بلعت ريقي، وسكت لحظة أشوقه للسماع..كان تشويق عباس ميسورا بسبب تفطر قلبه عند سماع حديثٍ عن النساء، وبسبب طريقتي في الحكي، وأيضا لأنني كنت أحدثه عن نساء يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إليهن.
فقد كان الجنوبيون يفضلون ترك بناتهم عوانس على تزويجهن للشماليين.
ـ هل سبق لك يا عباس أن رأيت لون الحليب صافيا؟ قال: نعم، سبق لي أن رأيت ذلك مرارا، فأنا من قوم رعاة.
قلت:
ذلك هو لون بشرة نسائنا!
ــ وهل سبق لك أن رأيت نساء الإفرنج الشقراوات ذوات العيون الخضر؟
قال: ــ نعم سبق لي أن رأيت بعض ذلك!
ما أكذبك يا عباس، إن قبيلتك تحرم عليك أن تنظر إلى كل ما آخره تاء تأنيث ساكنة، ولكن لا بأس أنا هنا لأعذبك بأسئلتي، وحكاياتي، وأقذفك بهوسك لتفر منه إلى أكاذيبك.
أنت لا تعرف أن رجلا فرنسيا فطنا اسمه “ميشال فوكو” كان يقول: “إن أكثر الشعوب تحريما لشيء, هي أكثرها هوسا به”. ولكن اسمع يا عباس إلى ما سأقوله لك، وانظر فعلي بك أيها المعذب بالحرمان. نظرت إليه وقلت: معظم نسائنا على تلك الصفة! وهل سمعت بغصون البان، وثغور اللؤلؤ؟..وهل سبق لك أن نظرت إلى قوام ممشوق، وغنج، وفتنة، ودلال في صوت رخيم يأخذ بالألباب؟ قال: أما هذه مجموعة فلا!. غير أنه كانت لنا جارة لها صوت حسن إذا نادت الماشيةَ مساءً، وإذا اختلط صوتها بهدير الإبل صباحا. قلت: أراك لم تخبر الجَمال، وإنما خبرت الجِمال، ولم تعرف إلا نساء الشمال.
قال: هو كما قلت يا صديقي! قلت: لذلك ترى الوسامةَ قليلةً في الشماليين. أرى أن نسلكم لا يمكن تحسينه إلا إذا تزوجتم من غيركم ممن فيهم الجمال، والوسامة، والدلال، والحسن الكثير.
قال، وقد أخذته الحمية: نحن لا نجد أكفاءنا في غيرنا.
قلت، وأنا أتكلف الصدق في النصيحة: اغتربوا لا تضووا..
قال: وكيف السبيل إلى ذلك؟
قلت، وأنا أنظر إلى وجهه الغليظ، وأنفه الكبير، وقامته القصيرة:
ــ أنتم قوم فيكم شجاعة، والشجاعة وسامة الرجال.
حرك رأسه موافقا، بينما تابعت أقول: ـ إذا اجتمعت شجاعة الرجل إلى حسن المرأة كان من ذلك نسلٌ يجمع بين الفضيلتين.
قال: ماذا أقول لك يا فتح الباب، لو كان أهل الجنوب كلهم مثلك لعمت الحكمة والمحبة ربوعَ هذا الوطن العزيز.
قلت: في بيت “محجوب الأحذ” فتاة، أظنها أخته أو ابنته، قد جمعت المحاسن كلها.
ففيها جمال أهل الجنوب، فهي حوراء، شقراء، شديدة البياض، ممشوقة القوام، رائعة المحيا، لدنة، بضة، تُقبل بأربع، وتدبر بثمان،[3]قد تعهدها محجوب بالأعشاب النافعة، والتغذية المفيدة، والرعاية الطبية، فجاءت آية من الآيات في الجمال والدلال، كأنها من الحور نزلت ضيفة على هذه الدور.
قال، وقد عيل صبره: أما من سبيل إليها؟! كنت أعلم أنه سيسمع كلاما يرد إليه عقله لو كلم محجوبا في شأنها، فقد كان محجوب يعتبر نفسه من سادات البلد، وأعيان الناس، ولا يرى له كفؤا إلا من هو في مثل طبقته أو أعلى منها. ولكنني قلت: لا أظن محجوبا إلا طائرا فَرَحاً بمصاهرة مثلك من أهل البأس والرجولة والشجاعة والإقدام والجندية.
وأين محجوب إذا وقف بين أعشابه وأدويته يسمع سعال هذا، وأنين هذا، منك إذا تصدرت الكتيبة تضرب الأرض بقدميك القويتين على إيقاع الموسيقا العسكرية، بينما تعلو أصوات رجالنا الأشداء بكلمات نشيدنا الوطني..
تنفس عباس بعمق، وهو يسمعني أقول له: إن عندها من الحسن والدلال ما لا يخطر ببال مثلك ممن قضوا طفولتهم بين ضروع الإبل وأذناب البقر..بل أظنها ادخرت أضعاف ذلك لمن سيكون لها بعلا. فذلك شأن الكرائم المخدَّرَات من أهل الجنوب. قال، منتشيا بكلامي: “فتح الباب”، هل تأذن لي بتقبيل رأسك؟ قلت: إن شئت، وإن تركت ذلك إلى ما بعد العرس ووقوفك على ما ذكرتُ لك، وعلى أكثر منه فعلتَ.
قال: أقبل رأسك الآن، وأعيد تقبيله صبيحة ليلة العرس.
القبلة الأولى لنصيحتك، والقبلة الثانية لصدقك.
نعم. قبل هذا الرأس يا عباس، قبله غير متوان ولا خَجِلٍ، قبله فعنه تصدر هذه الحكايا، ومنه أتحفك بما يحصد الملل، ويزرع الأمل. ولكن لا تذكرني بصدق ولا نصيحة. فليس من شروط هذا الرأس نصح أحد، وأيضا لست ألزمه بالنظر في العواقب.
كنت أطول منه قليلا، فوقفت إلى جانب المدفع، وقلت: تفضل، قبل رأس أخيك!
كان ينبغي أن أنحني قليلا، غير أني لم أفعل، فوقف حائرا لبرهة قصيرة، ثم قفز فوق المدفع بخفة الجندي المتمكن، وأمسك برأسي، وقبله قبلة رجل يحس بأن الدنيا جاءته راغمة في لحظات قلائل.
كان الدمع في عينيه يسألني أن أحدثه مرات عن مخدرة في بيت “محجوب الأحذ”. ماذا أصنع لك يا عباس؟ أنا لا أملك إلا الحكايا، وصداقتك تفرض علي أن أهبك كثيرا منها. ولن أبخل عليك يا صديقي. واجب الصداقة يفرض علي ذلك.
أنت يا عباس قد عشقتَ على السماع، وأحببتَ على الوصف، وتولهتَ متخيِّلاً، وقد كان قبلك في الزمان رجل جالس ينظر من الطاق فمر به من يقول:
يـا أم عـمـرو جـزاك الله مـكـرمـــة *** ردي عـلـي فـؤادي أيـنـمــــا كــــانـــــا
لا تـأخـذيـن فـؤادي تـلـعـبـيـن بـه *** فـكـيـف يـلـعـب بـالإنـسـان إنـسـانــا
فقال في نفسه: لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر، فعشقها، ثم مر بعد مدة ذلك القائل بعينه وهو يقول:
لـقـد ذهـب الـحـمـار بــأم عـمـرو *** فلا رجـعـت ولا رجـع الـحـمـار
فظن أنها ماتت، فحزن عليها، وجلس في داره للعزاء. أنت لا تعرف هذه القصة يا عباس، لأنك لا تعرف الجاحظ الذي كان يعرفك، ولا تعرفني أنا “فتح الباب” حق المعرفة. أنا الذي عاهدت الجاحظ أن أكتب قصتك.
ولكن العشق يا عباس لا يحلو إلا إذا صاحبته حسرة، ورافقه تَـوَلـُّهٌ، وحفّ به حرمانٌ، وأنت لا تريد شيئا من ذلك، وإنما تريد أن تلبس أحسن ثيابك، وتشتري أفخر أنواع التمور، وتتوجه برفقة والدك الأشيب، وأمك الشمطاء إلى بيت محجوب الأحذ، ثم تخرج منه وقد قرأت فاتحة الكتاب، وأنت تتجشأ لكثرة ما شربت من عصير الفواكه الصحية في بيت النطاسي محجوب، وخلفك أمك العجوز تحاول أن تلحق بك فيمنعها من ذلك قصر رجليها، ومشيتك العسكرية التي لا تدعها بحال. بأبي أنت لست بعاشق، إنما أنت طالب ولد.
وهذا أمر لا يسكت عنه مثلي، لأنه مُخِلٌّ بمراتب العشق الست المقدسة، وهي: الحب، ثم الهوى، ثم الخُلَّةُ، ثم العشق، ثم الوَلَهُ، ثم التَّتَيُّمُ. وأنا أحترمك يا عباس، ولكن احترامي لقوانين العشق أكبر، وأنا أرى أنك توشك أن تقع في خطأ، ولأنك صديقي فأنا سأصلح لك هذا الخطأ، وسيأتي يوم تشكرني فيه، وتترحم فيه معي على الشيخ صدر الدين بن الوكيل،[4]وتكتب بماء الذهب على صدرك الذي تعودتَ على دفعه إلى الأمام قوله
:يـا لـيـتَ قَـيْـساً فِـي زَمَـانِ صَـبَـابَـتِـي *** حـتَّـى أُرِيـهِ الـعـشـقَ كـيـف يَـكُـــونُ.
وحينئذ سيصلح حالك، وتنال رضا العاشقين من تقدم منهم ومن تأخر، وستعرف فضلي عليك، وستفهم حينئذ فقط سرَّ ما صنعته بأبي حازم عبد الصمد، وبالقائد حماد الملقب عندي بالقاضي العادل.
ذلك أني تيقنتُ أنه لا يَحْسُنُ العشقُ إلا بالمنافسة، فطلبتُ لك منافسين لا يخجل مثلك أن ينافسه مثلُهما في امرأة. ويعلم الله، أني قد بذلت المجهود، وأخلصت في النصيحة، وبالغت في صدق النية، وأمعنت في التجرد، وأحسنت الاختيار.
الفصل الخامس
الفصل الرابع
الفصل الثالث
الفصل الأول والثاني
[1] ـ الكسعي، رجل من كُسَعَة، اسمه محارب بن قيس، رأى نبعة في صخرة واد كان يرعى فيه فتعهدها حتى أدركت، ثم اتخذ منها قوسا، وبرا من برايتها خمسة أسهم، ثم كمن لحمر على مواردها، فمر به قطيعٌ، فكان يرمي الحمر فيصيبها، وهو يظن أنه يخطئ، وذلك بليل، فكسر القوس غضبا، فلما أصبح ورأى الأعيار مصرعة ندم وأنحى على إبهامه فقطعها ندما.