*يوسف سعدون
أوبيدوم نوفوم، إسم يشهد على العمق التاريخي للقصر الكبير، مدينة كانت دائما حاصنة للحدث الذي يصنع التاريخ عبر العصور، وبهذه القيمة، ظلت كبيرة برمزيتها رغم التهميش والإقصاء.
معاول كثيرة حاولت إتلاف ذاكرة القصر:
أجهزوا على كل معالم الجمال والفن بالمدينة، أعدموا مسرح بيريز كالدوس، وسينما اسطوريا والمنصور وكذا سينما الطبيعة، اختفت الساعة الأثرية بساحة سيدي بواحمد، قضوا بشكل بشع على حديقة السلام و نافورة ساحة المرس وجل المناطق الخضراء والحدائق، وأهملوا العمران الأندلسي الأصيل، أرادوها صحراء قاحلة بدون ذاكرة، ورسخوا بها الطابع البدوي عبر الهجرة وأحزمة الفقر، وتحول “سوق سبتة” إلى علامة لترويج البضائع المهربة،
ظل القصر الكبير رغم هذا الغبن مدينة للثقافة وللفن وللفكر وللرياضة، فأنجبت الكثير من الأعلام والقامات الكبيرة التي لعبت أدوارا ريادية في مختلف المجالات ، وهي أيضا مدينة السياسة بامتياز، احتضنت أحداثا فاصلة في الزمن المغربي، وتاريخها السياسي يحكي عنها كصانعة للأحداث الكبرى عبر حقب تاريخية متلاحقة، حتى في زماننا الحالي، لازالت تبدع الحدث، والدليل هو استمرار هذا التجاذب السياسي الذي يعرف أوجهه في المواعيد الانتخابية،
كانت سباقة لإبداع التناوب السياسي، تناوب حصل بالقصر الكبير فقط بين رمزين من رموز السياسة خلال الثمانينيات والتسعينيات، حيث تناوب على تدبير شؤونها بحمولة الصراع السياسي الذي عرفه المغرب آنذاك كل من المرحومين محمد الطويل ومحمد أبو يحيى، فكانا رحمهما الله يرسمان ملاحم تناوب طالما حاولت السلطة إفساده،
وبعد هذه المرحلة التي لازالت عالقة بذاكرة ساكنة القصر، جاءت مرحلة أخرى عرفت سيطرة فريق (العدالة والتنمية)الذي كانت الظروف السياسية في صالحه، فغاب عن القصر ذاك التناوب ، واستمرت الوضعية ثابتة لولايتين بما لها وبما عليها، وكعادة القصر الذي يرفض الركود، جاءت الانتخابات الجماعية لسنة 2016 بالجديد بعد مخاض عسير أسفر عن تحمل تحالف ثلاثي لتسيير الشأن العام بقيادة الحركة الشعبية، فانطلقت التجربة، وبدا التفاعل معها، ونشطت المنابر الإعلامية الإلكترونية لبسط المواقف المؤيدة والمعارضة، وكان آخرها إطلالة الرئيس السابق من خلال أحد المواقع الإعلامية الإلكترونية لكي يعيد بسط حصيلة تجربته أثناء تحمله المسؤولية، فذكر بانكبابه على الإشكاليات الهيكلية للمدينة وإنجازه للقناة الباطنية للوقاية من آفات الفيضانات مع مجموعة من الشركاء، وينتقد التجربة الحالية من خلال التشكيك في جل قرارات المجلس والتي اعتبرها غير قانونية، لهذا بادر فريقه بالمعارضة للطعن فيها أمام سلطة الرقابة والتي كان من نتائجها إرجاع مجموعة من القرارات واعتبارها غير قانونية،
وهذا الخروج الإعلامي استوجب ردا من رئاسة المجلس الحالي عبر موقع آخر ، فأكد وهو يدلي بمجموعة من الوثائق أن جل الاتفاقيات التي أبرمت في التجربة السابقة ظلت جوفاء ولم يتحقق الكثير منها، إلى ان جاء هو لكي يفتح لها مجالات للتطبيق عبر مبادراته الشخصية كرئيس وبدعم من المجلس الحالي وكذا صفته البرلمانية، وأعطى مجموعة من الأمثلة سواء بالنسبة للاتفاقية المبرمة مع السكك الحديدية او مع الوكالة المستقلة للماء والكهرباء او اتفاقية إصلاح الواد الحار، وقدم الأرقام و الميزانيات المرصودة التي حصل عليها لإخراج مشاريع تلك الاتفاقيات للوجود، وطال التراشق أيضا حجم الإنجازات حيث ذكر الرئيس السابق بالمركز الثقافي والقاعة المغطاة كمكتسبات للمدينة في حين كشف المسؤول الحالي عن عيوب هذه المشاريع التي تتطلب تدخلات متواصلة للإصلاح والصيانة.. مذكرا بما أنجزه لصالح المدينة ضمن الأغلبية في ثلاث سنوات فقط. وهي إنجازات كان بعضها بمثابة الحلم كالنواة الجامعية حسب تعبيره.
وما بين هذه التجاذبات، ينبعث صوت الاتحاد الاشتراكي، و بحنين لتاريخه الطويل بالمدينة يصرح لنا أحد أعضاء مكتبه المحلي ان ادعاء المجلس السابق بكونه هو من أنجز القناة الباطنية هو مجرد افتراء وتزوير للتاريخ، لأن هذه القناة إبداع اتحادي وهذا الحزب هو الذي وضع القرار بإنشائها سنة 1998في عهد المرحوم محمد الطويل…
بتقديرنا، إن تاريخ العمل الجماعي بالقصر الكبير يكشف عن حقيقة تتمثل في ضرورة تدخل الدولة لإلحاق المدينة بركب النمو الذي يعرفه الشمال، لأنه مهما كان حجم مبادرات المجالس الجماعية من أجل تأهيل المدينة، فإنها تبقى محدودة لتواضع إمكانياتها المادية التي لا تستجيب لحجم الخصاص و الانتظارات، لهذا يبقى الرهان على الجهات الرسمية لتنمية المدينة على غرار مدن طنجة وتطوان والمضيق ومرتيل….
ولكونه كبير بتراثه وتاريخه، فانتظارات القصر الكبير تبقى دائما كبيرة موازاة مع حجم الأحلام التي تسكنه.