الماء: هذا العنصر الذي لاحياة بدونه، يخضع توزيعه عبر العالم لعوامل جغرافية و طبيعية قد تجعل منه أحيانا فائضا عن الحاجة و أحيانا أخرى نادرا كندرة الحكمة في حالة الهيجان.
يعود كل مرة موضوع الماء للواجهة كلما تأخر المطر أو قل، وفي حاضرنا يأخذ الموضوع أبعادا استعجالية على المستوى الكوني بفعل الاحتباس الحراري الذي يشكل قلقا كبيرا ومستمرا و خلفية أكيدة للفوضى المناخية التي نعيشها.
تزداد حدة مشاكل الماء في العديد من المناطق حيث يعاني حاليا ما يقارب 3,6 مليار من سكان العالم من ندرة الماء (على الأقل خلال شهر سنويا)، في الوقت الذي يتدارس فيه ممثلو الحكومات و الخبراء و الناشطون المدنيون في غلاسكو التي تحتضن فعاليات كوب 26، مصير الحياة على كوكب الأرض في ارتباط بالتخفيض من انبعاث الغازات الدفيئة من أجل الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة في هذا الكوكب -الذي بنى فيه الإنسان ويبني حضاراته- في مستوى مقبول مرجعيته مرحلة ما قبل التصنيع (عدم الارتفاع بأكثر من 1,5 درجة حتى 2030).
و لا يعزب عن أذهاننا أن الماء العذب (أقل من3%من الماء الموجود بالأرض) يقل بشكل لافت في المناطق الجافة خاصة، حيث يمثل البحث عنه و توفيره أحد الاهتمامات اليومية الحادة، التي تؤثر على جودة الحياة، و على التمدرس و الصحة، كما أن الماء في المناطق التي لا يوجد بها بوفرة، وخاصة المناطق ذات النشاط الفلاحي، يكون وراء العديد من التوترات و الصراعات والقلاقل.
بلدنا الذي يقع في منطقة شبه جافة، والذي يعرف من حين لآخر موجات من الجفاف أو تأخر الأمطار أو عدم انتظامها، لا يزال يعاني فيه، هو الآخر، سكان عدد من المناطق من ندرة الماء أو نقص فيه إما بسبب شح التساقطات و إما بسبب قلة المياه الجوفية و غياب منشآت تخزين المياه، و إما بسبب التعامل غير الملائم مع المياه بصفة عامة.
إن الجهود التي قامت بها الدولة منذ الاستقلال -في إطار سياسة مائية تأخذ بعين الاعتبار موقع المغرب في الخريطة المناخية، وكمية التساقطات السنوية- كبيرة و جد هامة، و لازالت هذه الجهود تتنوع و تتواتر من أجل الاستجابة لحاجيات التنمية الاقتصادية بجميع الجهات و من أجل تغطية الحاجيات الأساسية لحياة السكان و هي حاجيات في ارتفاع مستمر بفعل حركة التمدن السريعة.
ويلاحظ أنه مهما كان حجم الجهود، فإن أي خطأ في التوقعات أو خلل في دقتها ينتج عنه أحيانا لا توازنات بين الحاجيات و المخزون من المياه حتى في المناطق التي لم تشهد، إلا قليلا، ضعفا في التساقطات كالجزء الغربي من شمال المملكة، و هذا ما جعل أصحاب القرار بتنسيق مع الأحواض المائية يخططون بشكل استباقي للحد من أزمة الماء وكذا في المقابل ضياعه، و ذلك من خلال التوزيع المجالي للمنشآت التي تقوم بتخزين و تعبئة المياه؛ من سدود كبرى و متوسطة و صغرى.
ومع ذلك فإن عدة إشكاليات تبقى مطروحة، في ظل التغيرات المناخية، والتي قد يمكن التقليل من انعكاساتها السلبية تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها على مستوى السياسة المائية التي نهجها المغرب، ومن هذه الإشكالات نذكر ليس على سبيل الحصر ما يلي:
-التلوث الذي تتعرض له المياه السطحية و الجوفية؛
-الاستهلاك الحاد للمياه في بعض الأنشطة الاقتصادية خاصة الفلاحة؛
- التعامل غير العقلاني للكثير من الأفراد والمؤسسات مع الماء؛
-
ضعف معالجة المياه المستعملة و إعادة استخدامها؛
-
تراجع مساحات الغابات والتصحر..
و كلما انحبس المطر رفعنا نحو السماء وجوهنا مترقبين ثم أيدينا داعين، ففي حياتنا اليومية لا نحتمل أحيانا انقطاع الماء لساعات بسبب عطب أو إصلاح في شبكة التوزيع…ونحن نخبر بذلك مسبقا، فكيف سيكون حالنا إذا انقطع الماء أو لم ينتظم توفره لشهور؛ ذلك ما يقلقنا، لكن الأهم هو أن نتعلم كيف نكيف سلوكاتنا الفردية والجماعية، العامة والخاصة، مع حقيقة قد تكون ليست بالبعيدة جدا، وهي أن قدرنا أن نعي أن الماء عملة ليست للهدر، و أن بلدنا يعاني حاليا من نقص في المياه وإن كان أغلبنا لا يلمس ذلك، و قد يحمل المقبل من الأعوام و العقود ما لانتوقعه، و ما يخفف من قلقنا وسط ركام من المخاوف، هو رحمة السماء بعبادها، ثم الخبرة الأكيدة والقدرة المعتبرة التي اكتسبتها الدولة في مجال تدبير المياه، و الوعي النامي لدى الأفراد و المجتمع المدني بإشكاليات الماء و مشاكله.