“المجاهد الهاشمي الطود.. شعلة النضال وأصالة الانتماء”
الأربعاء 23 نوفمبر 2016 – 17:46:20
..بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيل المجاهد الهاشمي الطود، أقترح إعادة نشر التقديم الذي كان لي شرف وضعه للكتاب الذي أصدرته مجموعة من الجمعيات المحلية بمدينة أصيلا، سنة 2006، تحية لذكرى هذه الروح الطيبة التي غادرتنا في غفلة من الزمن وضد انتكاسات المرحلة، في إحدى صباحات شهر أكتوبر الماضي (2016).
“القايد” الهاشمي الطود.. لقب استحقه المجاهد الكبير والوطني الغيور الأستاذ الهاشمي الطود عن جدارة واستحقاق، لقب فخري يعكس مختلف أوجه العطاء النضالي التي ساهم من خلالها هذا الطود الشامخ في رسم معالم التحضير لإطلاق شرارة الثورة عبر أرجاء المغرب العربي الكبير خلال خمسينيات القرن العشرين. إنها سيرة لرجل عصامي، تمرس على دروب النضال من أصولها الوطنية والدينية النبيلة بمدينتي القصر الكبير وتطوان، وتشرب من ينابيعها الوارفة على يد شيخ المجاهدين الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
لم يركن الرجل إلى الحلول السهلة، ولم يبحث عن الامتيازات الشخصية والآنية، بل ظل يعتبر نفسه جنديا وجد من أجل العطاء بلا حدود ومن أجل الاستعداد الدائم للتضحية المتواصلة في سبيل القيم العليا للبلاد ومقدساتها الكبرى التي صنعت عزة المغاربة وروحهم الأبية على امتداد العهود الزمنية الطويلة من تاريخ الدولة المغربية.
القايد الطود، مدرسة حقيقية بنضالها أولا، وبثباتها على المبدأ ثانيا، وبأخلاقها العالية ثالثا، ثم باستعدادها الدائم للصفح على من تنكر لرفاق السلاح، وعلى من جازاه بطريقته الخاصة عندما خطط ونفذ جريمة اختطاف والده عند فجر الاستقلال السياسي، في سياق مخاضات المغرب الجديد التي أفرزها تدافع المصالح والطموحات والأهواء.
وإذا كانت جمعية أفاق الثقافية بمدينة أصيلا، قد نجحت – بتعاون مع جمعيات محلية بمدينتي أصيلا والقصر الكبير – في الفوز بشرف الالتفات لتنظيم لقاء تكريمي لفائدة هذا المجاهد الكبير، فإن مستوى التجاوب الهائل الذي ترددت أصداؤه على الصعيد الوطني، قد أذهل الجميع، وجعلنا – كفاعلين جمعويين وكباحثين في ذاكرة المقاومة المغربية – نفتح أعيننا على قيمة المعدن النفيس الذي ينتمي إليه الرجل، بعيدا عن ضوضاء المنابر الإعلامية وبعيدا عن زعيق الحملات الدعائية التي طغت على أشكال تواصلية عديدة في أداء النخب السياسية للمرحلة الراهنة، والتي ظلت تتهافت من أجل خلق ذاكرة مفتعلة يمكن أن تزكي شرعية نضالية مفتقدة.
لقد ذهلنا – كمنظمين للقاء التكريمي المذكور – من حجم الأصوات التي عبرت عن رغبتها في المشاركة، وكذا للقيمة النوعية لتجارب المجاهد الطود في تكوين وتأطير زعماء الثورة ضد الاستعمار ببلدان المغرب العربي، كما أعجبنا بتلك الجرعات العالية من الثقة التي وضعها الأمير الخطابي في هذا الرجل الشهم. إنها ثقة تعيد تجديد دماء الوفاء لدى كل من اقترب من القايد الطود، أو تعامل معه، أو حظي بالاستماع إلى جزء من ذكرياته. ولعل هذا ما جعلنا نصر على إخراج وقائع حفل التكريم في عمل تجميعي، نعتبره أقل ما يمكن التعبير من خلاله على امتنانا العميق للسيرة العطرة التي راكمها هذا الوطني الكبير، إلى جانب أنه أول الغيث بالنسبة لما يمكن أن ينجز مستقبلا على مستوى الاشتغال الأكاديمي على ذاكرة الرجل، تجميعا للوقائع، وتصنيفا للوثائق، وتركيبا للخلاصات. فتاريخ الرجل أصبح ملكا لجميع الباحثين ومن حق الجميع أن ينقب في صفحاته وأن يقرأ مكوناته.
فإلى كل الباحثين، وإلى كل أصدقاء القايد الطود ومحبيه، وإلى كل الشباب الذي لم يعايش وقائع الاستقلال السياسي، نهدي عملنا المتواضع هذا…