المسار الاستعماري لجزيرتي بادس والنكور خلال العصر الحديث (1508 – 1822م)
جريدة الشمال (بادس والنكور خلال العصر الحديث )
وتستعرض هذه الدراسة مرحلة مهمة من تاريخ منطقة الريف الأوسط المغربي خلال العصر الحديث، والتي أرخ لها من الاحتلال الأول لجزيرة بادس 1508م إلى غاية وفاة السلطان المولى سليمان 1822م. والتي تأرجحت عبرها أوضاع المغرب الداخلية بين الاستقرار وتدهور تلك الأوضاع المتسمة بدايتها بوجود سلطة مركزية ضعيفة غير قادرة على توحيد البلاد وعاجزة عن الوقوف في وجه المطامع الأجنبية، مما ساهم في تفاقم الأزمات على مختلف المستويات وتنامي الأخطار الخارجية المتمثلة أساسا في الاحتلال الإيبيري للثغور المغربية ومنها ثغور ساحل الريف.
بنية المؤلف
ارتأى الكتاب تقسيم موضوع بحثه إلى مدخل وبابين وخاتمة.
ـ المدخل: عالج فيه الكاتب مختلف الجوانب المتعلقة بالإطار الجغرافي والتاريخي للمجال المدروس.
ـ الباب الأول: خصصه الباحث عمر أشهبار للحديث عن السياق التاريخي لاحتلال اسبانيا لجزيرة بادس ونتائج ذلك. وقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول، تناول الأول ظروف التسرب الإسباني الأول إلى بادس سنة 1508م، أما الفصل الثاني فحاول فيه إبراز ما رافق احتلال جزيرة بادس من مقاومة مغربية توجت بتحريرها سنة 1522م، وقصر الحديث في الفصل الثالث عن حيثيات الاحتلال الإسباني النهائي لجزيرة بادس وانعكاساته السلبية على الريف الأوسط.
ـ الباب الثاني: فتناول فيه الاحتلال الإسباني لجزيرة النكور ونجمه كذلك إلى ثلاثة فصول. تطرق في الأول إلى مختلف الأوضاع الداخلية والخارجية التي سبقت احتلال جزيرة النكور. أما الثاني فقد بسط الحديث فيه عن المقاومة المغربية لاسترجاع الجزيرتين (بادس والنكور) وأسباب فشلها، وخصص الفصل الثالث لإبراز المشاكل التي واجهتها إسبانيا في هاتين الجزيرتين بجزيرتي بادس والنكور.
الخاتمة: وختم الباحث دراسته باستنتاجات أبرزت النتائج المتوصل إليها وملاحق تتضمن وثائق تاريخية مختلفة، وقائمة المصادر والمراجع، بالإضافة إلى فهارس الأعلام البشرية والجغرافية والصور والرسوم والجداول والخرائط.
للإجابة عن الإشكالية التي تؤطر موضوع البحث وهي: ما طبيعة الأوضاع التي عرفتها جزيرتا بادس والنكور بساحل الريف الأوسط خلال العصر الحديث؟
حاول المؤلف اعتماد المنهج التاريخي القائم على الوصف والتحليل والتركيب وهو منهج انطلق فيه من جمع الوثائق والنصوص المتعلقة بالموضوع على اختلاف أصولها، ثم تصنيفها زمنيا وموضوعاتيا ووضعها تحت مجهر القراءة والتمحيص والتمعن، للخروج بالاستنتاجات الأساسية التي تساهم في الإجابة على الإشكالية المطروحة.
أما فيما يخص المصادر والمراجع المعتمدة في هذا الدراسة، فمما لا شك فيه أن الباحث في تاريخ جزيرتي بادس والنكور تعترضه قلة المصادر المغربية، فإذا ما استثنينا بعض الكتابات القليلة فإننا لا نكاد نجد معطيات دقيقة تهم تاريخ هاتين الجزيرتين، ومن ثم اقتضى موضوع البحث استعانة المؤلف بما تقدمه الإسطو غرافية الأجنبية وخاصة الوثائق الإسبانية دون إغفال أهمية التحرير الميداني.
فإذا حاولنا إلقاء نظرة على أهم المصادر العربية التي اطلع عليها واستفاد منها المؤلف في تحديد الإطار الجغرافي والتاريخي للمجال المدروس نجد في مقدمتها “المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف” لعبد الحق الباديسي، وكتاب، “العبر” لعبد الرحمان ابن خلدون، لكن هذه المصادر لا تتضمن سوى بعض الإشارات غير الكافية، وهو ما دفع الكاتب إلى الاعتماد على مراجع كان لها الفضل في كشف النقاب عن أوضاع جزيرتي بادس والنكور ونذكر منها مؤلف “إمارة بنو صالح في بلاد النكور” لأحمد الطاهري، وكتاب الريف قبل الحماية: قبائل الساحل، الريف الأوسط 1860 ـ 1912م” لعبد الرحمان الطيبي.
وفي مجال المصادر والدراسات الأجنبية فقد شكلت اللبنة الأساسية لدراسة أوضاع جزيرتي بادس والنكور وخصوصا الدراسات الإسبانية، والتي لولاها لما تمكن الباحث من إخراج هذا العمل للوجود ومنها: المصادر غير المنشورة لتاريخ المغرب والأرشيف العام بسيمكاس ووثائق الأرشيف التاريخي الوطني.
وشجعت المعلومات المتوصل إليها، انطلاقا من المصادر والمراجع الكتاب على المضي قدما في إنجاز المزيد من العمل إذ باشر القيام بعمل ميداني من خلال عدة زيارات إلى ميدان البحث لأخذ فكرة عن المجال المدروس خاصة من الناحية الطبيعية والجغرافية.
خاتمة:
إن العمل، يلامس قضية مرتبطة بالثغور المغربية التي لازالت محتلة إلى يومنا منذ انفصالها القسري عن الوطن، ويطرحها، فكل مغربي يتساءل بمرارة عن دواعي استمرار التمركز الأجنبي على مجموعة من ثغورنا ولن يتأتى الإجابة عن ذلك إلا بوجود أبحاث تاريخية رصينة تستمد رصانتها وقوة حجيتها من المنهج البحثي الصارم والموضوعي حتى يكون لمطلب استرجاع ثغورنا السلبية منطقيته وقوته وحجته. وهو ما قام به الباحث الشاب عمر أشهبار من خلال مجهوده البحثي الذي بذله في النبش في تاريخ الجزيرتين المغربيتين بادس والنكور بساحل الريف الأوسط خلال العصر الحديث، مستندا في ذلك على وثائق تاريخية مختلفة، وضوابط علمية موضوعية، وقد استطاع المؤلف اعتمادا على المنهج أن يبرز عدة جوانب من المسار، الاستعماري للجزيرتين، خاصة فيما يتعلق بظروف وما كابدته من اعتداء أجنبي، والمقاومة المغربية لاسترجاعهما، وتداعيات ذلك على مختلف الأوضاع في الريف. وفي الوقت نفسه ساهم المؤلف في إماطة اللثام عن فصول منسية من الرصيد الحضاري لمنطقة الريف المغربي وعلى الأساس فإن من شأن هذا العمل أن يكشف عن الهوية المغربية الجغرافية والتاريخية للجزيرتين بادس النكور، وأن يساهم كذلك في إلغاء كل طرح يستهدف النيل من الشرعية التاريخية المغربية لاستعادة السيادة على جزيرته.
تأليف : عمر أشهبار
عرض: عدنان الوهابي