إن الهدف الأسمى من العملية التربوية التي يطمح إليها المجتمع في عصرنا الحالي هو مواكبة التطور العلمي الحديث، عبر تسخير إمكانات جديدة في الفعل التربوي. ولا محالة أن المسرح باعتباره يتقاطع مع جملة من المجالات وأبا للفنون يمكنه المساهمة في بناء شخصية الطفل المتمدرس لمواكبة التطور المعرفي الحاصل في العلوم الإنسانية وكذا دعم الفعل التعليمي التعلمي بالمدرسة.
وبالنظر إلى كرونولوجيا نشأة المسرح بالمغرب فنجده ظهر في أول الأمر في حفلات نهاية الموسم الدراسي وكذا الحفلات المنظمة بمناسبة الأعياد الدينية والوطنية لتكون أول بداياته بظهور أول فرقة مسرحية مدرسية كانت قد تشكلت بفاس على يد جماعة من طلبة المدارس الثانوية، وذلك سنة 1924 بفعل تأثرهم ببعض العرب المشارقة الذين استوطنوا العاصمة وكانوا يشجعون الطلاب على تنظيم الجمعيات…، كما أن العديد من الملاحظين اتفقوا على أن ثانوية المولى إدريس بفاس كانت أول قاعدة انطلقت منها التجربة المسرحية الأولى ثم توالت بعد ذلك عملية تشكيل الفرق المسرحية التي ساهمت في تفعيل المسرح المدرسي.
وتشكل سنة 1987 الانطلاقة الفعلية للمسرح المدرسي بكل ما يحمله من مقومات فنية وجمالية، باعتبار أن هذه السنة قد أدرج فيها المسرح كمادة دراسية ضمن وحدة التربية الفنية والتفتح التكنولوجي وذلك عندما قرر الإصلاح التربوي إدخال مادة المسرح في المنهاج الدراسي وتدريسها ضمن وحدة التربية والتفتح التكنولوجي في السنوات الثلاث الأولى من السلك الأول للتعليم الابتدائي ضمن الموسم الدراسي1987-1988م.. وقد تطورت تجربته من خلال مساهمة جمعية تنمية التعاون المدرسي في احتضانه وتطويره، وذلك من خلال تأسيس فروع لها بكل النيابات الإقليمية التعليمية وإسناد مهام لمنسقي هذه الجمعيات تتجلى في تكليفهم بخلق أنوية المسرح المدرسي بكل المؤسسات التعليمية.. وهكذا، تطور عمل جمعية التعاون المدرسي تحت إشراف وزارة التربية الوطنية بالمغرب.
وفي سنة1991م، تأسست اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا سيهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية.
وفي سنة 1993 م ، نظم المهرجان الوطني الأول للمسرح المدرسي في نيابة سيدي عثمان بالدار البيضاء بمشاركة ثمان تعاونيات مدرسية تمثل كل واحدة منها جهة من الجهات السبع بالإضافة إلى تعاونية فرع النيابة المحتضنة. ولابد من الإشارة أن انعقاد هذا المهرجان سبقته تصفيات محلية وإقليمية وجهوية لمختلف نيابات وجهات المملكة، ومازالت المهرجانات الوطنية المتعلقة بالمسرح المدرسي متوالية إلى يومنا هذا.
وفي سنة 2007م، نظمت وزارة التربية الوطنية المهرجان الوطني الثامن للمسرح المدرسي للتعاونيات المدرسية ما بين 16 و23 ماي بمدينة الجديدة تحت شعار” المسرح المدرسي دعامة أساسية للارتقاء بالجودة “، بينما نظمت المهرجانات السابقة في كل من الدار البيضاء وفاس ومراكش والعيون وأكادير وآسفي وطنجة، وتلتها ندوات وورشات للتكوين والنقد والتنظير والتوجيه ، والتي خرجت بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات قدمت للقطاع الوزاري المعني بالمسرح المدرسي وجمعيات التعاون المدرسي.
ومع صدور القانون الإطار 51/17 خصص في هذا الأخير مشروع رقم 10 الارتقاء بالحياة المدرسية الذي يركز على أهمية إكساب المتعلم المهارات والكفايات اللازمة التي تمكنه من الانفتاح والاندماج في الحياة العامة والتشبع بقيم ومبادئ حقوق الانسان كما هو منصوص عليها في الدستور والاتفاقيات الدولية. هدف هذا المشروع إلى حفز التفتح واليقظة عند التلميذ وتشجيعهم على إبراز مواهبهم، عبر توسيع قاعدة
مؤسسات التفتح وتزويدها بالتجهيزات المناسبة عبر انتقاء المؤسسات التعليمية أوالفضاءات التي يمكن تحويلها إلى مؤسسات للتفتح وتأهيلها بالتجهيزات المناسبة للتأطير في مجال التنشيط الفني والثقافي والعلمي، وصياغة عدة بيداغوجية لهذا الغرض وتعيين أطقم إدارية وتربوية تتوفر على مؤهلت تتلئم وخصوصيات هذه المؤسسات ووضع
برامج لتكوين الأطر التربوية الراغبة في الاشتغا في مجالات التنشيط، لتمكين أكبر عدد ممكن من التلميذات والتلميذ من ولوج الأنشطة الفنية والثقافية والعلمية، وكذا دعم إرساء الأندية التربوية في المجالات الفنية والثقافية والعلمية
بالمؤسسات التعليمية من خل حث الطاقم الإداري والتربوي للمؤسسات التعليمية على خلق الأندية التربوية وتنشيطها وتعبئة جميع الشركاء المؤسساتيين للنخرا في تنمية الأنشطة بالمؤسسات التعليمية وتنظيم مهرجانات إقليمية وجهوية ووطنية لتتويج الأعما المتميزة للأندية التربوية.
أهداف المسرح المدرسي..
المسرح المدرسي نشاط فني يعتمد التشخيص والتمثيل والتنشيط من أجل التعلم والاكتساب والتفتح داخل الفصل الدراسي، وهو في نظر المختصين بالدراسات المسرحية نوع من أنواع التربية و التمكين، حيث يعرفه بعضهم على أنه لون من ألوان الاكتساب و التعلم و الترفيه يؤديه صغار السن في مدارسهم أو في التنظيمات الاجتماعية الخاصة بالتربية المسرحية تحت إشراف أطر ملمين بعلوم التربية و علم النفس و الفنون الأدائية..
ويساهم المسرح المدرسي تربويا في تنمية قدرات التلاميذ وصقل مواهبهم العقلية والحسية والكشف عن المواقف والتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم خلال التمثيل وبالتالي فالمسرح التعليمي هو إطار يهدف إلى تطوير العملية التعليمية والبحث عن أساليب جديدة لتوصيل المعلومات والمعارف المختلفة بشكل أكثر جاذبية، وأكثر فاعلية من خلال:
- تقوية الثقة بالنفس و تجاوز الشعور بالنقص و الانطواء و العزلة ؛
- إشباع الرغبة في تمثيل شخصيات و لعب ادوار و مواجهة مواقف و اصطناعها .. ؛
- إثارة العواطف .. ؛
- تغذية الخيال ، و تقوية القدرة على الملاحظة و التركيز و الانتباه و الانضباط .. ؛
- تنمية الجرأة الادبية ، و القدرة على مزاجهة الغير .. ؛
- تصريف الطاقة النفسية .. ؛
- الترفيه و إشاعة المرح و إدخال السرور على النفس ..
- إغناء الرصيد اللغوي .. ؛
- تطوير القدرة على التمثيل و تقمص الأدوار .. ؛
- تقوية التحكم في الحركات و الملامح و بعض أجزاء الجسم .. ؛
- التموقع في الزمان ، و استغلال المكان .. ؛
- التدريب على التعامل مع الخيال .. ؛
- تنمية الذوق و الحس الخُلقي و القيمي والنقدي .. ؛
وخلاصة القول أنه أصبح لزاما على المؤسسات التربوية أن تولي اهتماما كبيرا للأنشطة الفنية وعلى رأسها المسرح المدرسي لما له من فائدة تربوية في تنمية قدرات التلاميذ الإدارية وصقل مواهبهم العقلية والحسية والكشف عن المواقف والتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم خلال التمثيل ،ومما لاشك فيه أن تخصيص مادة للمسرح في كل مدرسة وكذا إقامة مهرجانات متنوعة ومنتظمة لتقديم العروض المسرحية من اجل الاحتكاك والتنافس الشريف الذي سيؤدي لا محالة إلى بروز الدور الايجابي والفعال للمسرح المدرسي وسيتخذ موقعه الطبيعي ضمن خريطة الفعل التربوي متجاوزا بذلك الدور التقليدي والذي كان سائدا كنشاط مواز فقط يقوم به الأستاذ والتلاميذ في أوقات فراغهم .حتى يتم التعرف على مدى الاندماج الذي حققته مادة المسرح المدرسي في الوسط التعليمي ومدى مساهمتها في تشكيل شخصيات المتعلمين..
من جانب آخر إن المسرح المدرسي لبنة أساسية من لبنات الدعم التربوي ؛ فبإمكان المدرسة اعتماده كمجال فاعل لعلاج مظاهر التعثر الدراسي أو التأخر الدراسي أو الفشل الدراسي ..
دة: فدوى أحماد