المشروعية العليا في الإسلام
جريدة الشمال – محمد الشعري (المشروعية في الاسلام)
السبت 21 أكتوبر 2017 – 12:25:28
تلجأ القوانين الوضعية إلى اختراع مبادئ ونظريات، تضمن خضوع الدولة وخضوع الناس لسلطة القانون وأحكامه، فنشأت نظرية «المشروعية».
إن الأقدمين لم يستعملوا كلمة «مشروعية» كثيراً، ولكنها أصبحت في هذا العصر ذات معنى عريض ومكانة عظيمة؛ فهي أساس النظام، وبها يُعرف أن الأمر محظور أو مباح؛ فهي في المصطلح الحديث تدل على سيادة القانون في دولة من الدول، وتطلَق بالذات على خضوع الدولة للقانون.
إن هذه السيادة تختلف في مفهومها وصفاتها في كلٍّ من النظامين الوضعيين اللذين تخضع لهما المجتمعات العصرية، وهما : النظام الفردي (وصورته الرأسمالية) والنظام الموضوعي (وصورته الاشتراكية).
ففي النظام الفردي تكون المشروعية هي ما يسنُّه البشر من النظم العليا، وهي الدستور والقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية الممثلة في الهيئات المنتخبة عن الشعب؛ إن نظام المجتمع كله يخضع للدستور ثم للقوانين، ويجب أن تكون اللوائح والقرارات والعقود، وكل وضع آخر، خاضعاً لهذين المصدرين.
وأما في النظم الموضوعية فهناك مُثُلٌ عليا تسود المجتمع، ويجب أن يخضع لها الدستور نفسه، وكذلك القوانين من باب أوْلى؛ فلا قيمة لهما إلا إذا وافقا هذه المشروعية العليا وطابقاها.
سلبيات المشروعية المعاصرة :
إن هذا المبدأ الذي نادت به القوانين الوضعية، وجعلته حلاً للحكم المطلق، وصاغت من أجله الدساتير والقوانين، والوثائق العالمية، والمعاهدات الدولية، والمنظمات الإقليمية، هذا المبدأ هو نفسه لون من ألوان الظلم والاستعباد والتسلط؛ لأنه يعطي فئة من البشر حقَّ التشريع والحاكمية وسنَّ القوانين التي يخضع لها مَنْ تطبق عليهم؛ إذ من السهل عليهم أن يصوغوا من الظلم قواعد، ومن الباطل قوانين، ويجعلوها أوثاناً عصرية..
وكل ما تَفَتَّقَ عنه العقل البشري في المجال القانوني من ضمانات لسيادة القانون لا يقوم على دعائم ثابتة ولا أسس راسخة، وكل ما قيل عن جمود الدساتير وعدم قابليتها للتعديل يسقط بحركة مضادة، دونما حاجة إلى إجراء تعديل دستوري أو شعبي، وأحياناً لا يستغرق التعديل الدستوري بضعة دقائق، تلبية لرغبة المتنفذين من أصحاب السلطة، رغم كل ما يقال عن ثبات القواعد الدستورية.
وما قيل عن الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، كان في عالم الواقع أثر أبعد عين، إلى جانب ما قيل عن الرقابة القضائية (رقابة دستورية القوانين) .. قد يكون حبراً على ورق، عندما نفتقد ذلك المستوى الرفيع من الذين يوكل إليهم ذلك .. وهذا كله ينتقص هذه المشروعية من أطرافها بوسائل متعددة، فلا تجد هذه المشروعية لها سبيلاً إلى عالم الواقع، وما نجده من استعباد القويّ للضعيف، والدولة الكبرى للصغرى، والثورات العسكرية، وإنكار حقوق الإنسان.
كلُّ هذا الذي تقدّم أمثلةٌ صارخة على أن هذا المبدأ في القانون الوضعي إنما هو صرخة في واد، أو فكرة مجنحة في عالم الخيال … يحاولون الوصول إليها فلا يستطيعون [ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحسبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ]( النور: 39 )..