كنا إذا اجتمعنا في نادي الاتحاد، وانشغل أحدنا بتصفح جريدة، نقول له من باب الدعابة والتنكيت: “سبحان الله” ليطرح الجريدة جانباً، ويخوض معنا فيما نخوض فيه من حديث، فينصاع للأمر. فجلساتنا المسائية بالنادي، كانت خالصة للدردشة وتبادل الحديث.
أما الآن، فقد أخذنا الهاتف المحمول كلَّ مأخَذٍ، وشغلَنا عن ذكر الله وعن الصلاة، وشغلَنا عن أولادنا وفلذات أكبادنا، وشغلنا عن كل شيء.
لذا لا نتعجب حين نجتمع في مكاننا الأثير بالنادي، فإذا بنا لا ننبس ببنت شفة، لأن الهاتف حال بيننا وبين دردشاتنا التي كانت تشكل حبل التواصل بين المجموعة، فسكتنا عن الكلام المباح وغير المباح.
وأذكر أنني حين شرعتُ في الكتابة بأسبوعية الشمال الغراء، اتخذتُ من دردشة النادي عنواناً أسبوعياً لِما أكتب، لإيماني بأن ما يشغلنا ويستقطب اهتمامنا هو عينُ الموضوع، أو صُلب الموضوع، فإذا عالجتُه، أو تناولته، أو أضفتُ إليه إضافة، أو استخلصت منه خلاصة، أو خرجتُ منه بفائدة، فهذا هو المطلوب في المقال.
ولكن ها هو هذا الجهاز اللعين، يُفسد علينا جلساتنا، ويضع حجاباً كثيفاً بيننا، ويقطع عني المادة التي كنت أستقي منها ما أملأ به هذه المساحة من أسبوعية الشمال.
نفس ما أحيكه عن جلسات النادي، يجده كلُّ ربّ بيت في بيته، فكل أفراد الأسرة يتوفرون على هذا الهاتف، وكلهم منشغلون به آناء الليل وأطراف النهار، لكل موقعه، ولكل ولعُه وهوايته، حتى ابن الثانية من العمر، له هو الآخر الألعاب التي يمارسها بشغف وحب.
وهذا يعني أن الأسر، لم تعد تجتمع إلا على موائد الطعام، واجتماعها هذا لا يمنع بعض أفرادها من تناول الطعام بيد، وحمل المحمول باليد الأخرى، بل ووضع صمامات الأذن إذا أمكن.
نفس المشهد، نجده في أقسام الدرس، وفي مدرجات الكليات، فالطلاب يسجلون حضورهم صورياً. أما متابعة الأساتذة، أو الإنصات للعُروض التي يلقونها، والدروس التي يشرحونها، فإن الهواتف المحمولة، تقف حائلاً بينهم وبينها.
ألا رحمة الله على أيام زمان، يوم كان أرباب الأسر، وربات الأسر، يحرصون على اللَّمة، وجمع الكلمة.
من هؤلاء، السيد الوالد رحمة الله عليه، فقد كان يجد السعادة كل السعادة، في اجتماعنا حوله، للإنصات إلى قصص الأنبياء، أو متابعته وهو يصور لنا هجرة الرسول من مكة إلى المدينة المنورة، أو مشاركته في ذكر من الأذكار.
ولا زال صوته ـ قدس الله روحه ـ يرن في أذني وهو يردد:
سألتُك يا ربي *** بأسرار البسملة
وبالحمد والشكر*** فتجْعَلْني مُقبَلاَ
أين هذا الذكر الذي كنا نردده بلسان واحد، وميزان واحد، ونغمة واحدة؟
أين المصاحف التي كنا نفتحها بين صلاتي المغرب والعشاء؟
أين القصص التي كنا نجد في قراءتها اللذة والمتاع؟
لقد ذهب جزء من هذا بظهور المذياع، وذهب جزءه الثاني بدخول التلفاز إلى بيوتنا، خصوصاً حين تعزَّز بالصحون الهوائية، وذهب الجزء الباقي بانتشار هذا الجهاز الخطير، الذي سيقضي على البقية الباقية من تقاليدنا وأعرافنا وأخلاقنا.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
مصطفـــــــى حجاج