يثير تراجع اللغة العربية الفصحى قلقا كبيرا بسبب تباطئ أبنائها في النهوض بها وعزوفهم عن تداولها، إذ إن ظاهرة الضعف اللغوي والتدني الهائل لمستوى التعبير باللغة العربية أصبحت ملازمة لكثير من المتعلمين، حيث ساد عجز لغوي فادح حتى في الثانويات والجامعات والمعاهد.
لقد تبين لي – وأنا أشرف على عروض تلاميذي – أن معظم المتعلمين لا يقرؤون إلا مجبرين (بدافع قراءة المؤلف المقرر أو بحث طلب منهم إنجازه)، ومن يقرأ فيهم طواعية يجد صعوبة في فهم ما يقرأ. يتضح ذلك أثناء إلقائهم للعروض التي تطلب منهم، وهم ينقلون حرفيا دون وعي لما ينقلون، مما يجعلهم يجدون صعوبة في التواصل بلغة فصيحة، وعجزا شبه تام في إعادة التركيب من جديد، ويقعون في إطار لغوي مغلق لا يخلو من عثرات التواصل، فيصبح العرض مجرد قراءة فقط، والتي غالبا ما تكون متعثرة بعيدة عن الأداء الفصيح.
لذلك فإن اللغة العربية في عصرنا أحوج إلى تفعيلها تربويا بما تحمله كلمة التفعيل من معاني الأجرأة والإنجاز والإتقان… إذ إن التفعيل أساس من أسس الت وصيل الناجح لمحتويات العلوم الإنسانية من نحو وصرف وفقه اللغة وعلوم الاجتماع وعلم النفس… سيما وأن اللغة هي العصب المحرك لكل المجالات المعرفية.
ولهذا أعتبر أن إكساب المتعلم مهارة التواصل باللغة العربية مطلبا مهما يجب أن نسعى إليه باعتبارنا أساتذة ومربين وأن نجعل منها لسانا أولا في البيت وفي المدرسة وفي الإدارة.. ولا يعني التدريس باللغة العربية إهمال اللغات الأجنبية، إذ من خلالها يمكن الاطلاع على ثقافة العالم الآخر وإبداعاته وتطوراته في المجالات العلمية، وإنما الدعوة لهذا التفعيل تأتي باعتماد اللغة العربية لغة تواصل وتأليف من أجل تعميق الفهم باللغة الأم وتوسيع الوعي بها والتخلص من التبعية.
فالأستاذ في المفهوم التقدمي للتربية لم يعد دوره محصورا في تلقين المعرفة للتلميذ داخل قاعة الدرس، بل تعدى هذا الدور التقليدي وأصبح يهتم بنظريات تعطي الأولوية للمتعلم وتهتم بتفعيل دوره في المواقف التعليمية وتقدر حاجاته. ومن ثم نؤكد على الدور الفعال للأستاذ في ترسيخ ملكة التواصل باللغة العربية. كأن يختار أنسب الأساليب وأنفعها للمتعلمين وأكثرها ملاءمة لمستواهم وقدراتهم والتي تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرغوب تحقيقها ووضع برامج تنمي مهاراتهم اللغوية في ضوء حاجاتهم التعليمية، والبحث عن تكامل بين محتويات دروس القراءة والكتابة والتعبير، وكذا تدريبهم على كيفية استخدام المعرفة والاستفادة منها في المشكلات التي يقوم بالبحث عنها وكذا على الطريقة المثلى للبحث والتفكير.
دة. مريم أجدور