ثورة المريدين في عهد المرابطين: الأسباب، النتائج، الفكر
جريدة الشمال – د.فطيمة الكنوني ( عهد المرابطين )
الجمعة 17 نوفمبر 2017 – 16:46:07
فما هي أسباب هذه الثورة؟ ومن هو زعيمها؟ وما المصير الذي آلت إليه؟ ثم ما نظرة المؤرخين لها؟ وأخيرا ما الفكر الذي انهالت منه؟
التعريف بزعيم ثورة المريدين: أحمد ابن قسي
إذا كان بعض المتصوفة اعتمدوا على الكرامات والولاية الصوفية لتبليغ أفكارهم وجلب الأتباع، فإن ابن قسي اعتمد على القوة والثورة لإيصالها.
هو أحمد بن الحسين بن قسي، تشير المصادر لأصله المسيحي فابن الأبار يقول عنه: “أول الثائرين بالأندلس عند احتلال دولة الملثمين، وهو رومي الأصل من بادية شلب. ترك وظيفته بالإدارة المخزنية ودرس كتب أبي حامد الغزالي وعمل على جلب الأتباع”.
يؤكد الكثير من المؤرخين أن ابن قسي كان تلميذا لابن العريف، بينما يرى آخرون منهم د. بوتشيش، أن الرسائل المتبادلة بين الطرفين تؤكد عكس ذلك. وينتمي للمدرسة الاستشراقية الأندلسية الأكثر صرامة وقد أعلن التمرد على السلطة المرابطية التي عملت على تغريبه بعد إحضاره لمراكش، في الوقت الذي استدعي فيه ابن برجان وابن العريف اللذين أسكنا مراكش، بينما أعيد ابن قسي لشلبب حيث بنى بها رباطا لاستقطاب الأتباع من مختلف “البيوتات والأجناد” على حد تعبير ابن الأبار وذلك بعد فشله في إقناع ابن العريف بالثورة. عرف ابن قسي بثقافته وبلاغته وقوة شخصيته، مما سهل له التأثير في أتباعه وسماهم المريدين، ثم بدأ يؤطرهم. الأمر الذي دفع المرابطين للقبض عليهم بينما اختفى ابن قسي.
أسباب ثورة المريدين:
سبقت الإشارة إلى إهمال المؤرخين للحركة خاصة الانتصارات التي حققتها، إذ استهدفت القضاء على المرابطين فبدأت تقارعهم حتى انهارت سلطتهم. فما هي أسبابها؟
إن الكثير من المراجع تربط بين الثورة وبين إحراق كتاب الإحياء للإمام الغزالي بأمر من الخليفة “علي بن يوسف” وفتوى القاضي “عبد الله بن علي بن حمدين”. وعند البحث عن أسباب الإحراق، نجد أن المصادر تسرد الحادثة دون تبرير: كابن القطان وابن العذاري. أما صاحب “الحلل الموشية” فيرد ذلك لإنكار الفقهاء أشياء فيه دون أن يبينوا ماهي. بينما رد المراكشي ذلك لإنكار الفقهاء على الغزالي علم الكلام وأنه بدعة في الدين. أما الدارسون المحدثون، فتناولوا الحادثة بتفصيل أكثر، فقد قسم د. البختي آراء الباحثين لثلاثة اتجاهات:
– الأول : يرجع السبب لطعن الإحياء في الفقهاء ومناهجهم وإقبالهم على الدنيا.
– الثاني : يرد السبب لسلفية الفقهاء والحكام المرابطين الذين حاربوا فكر الغزالي لميولاته الأشعرية، ومنهم ذين أحمد حسن محمود ومحمود إسماعيل.
– الثالث: تضمن كتاب الإحياء أفكارا صوفية كشفية، المعارضة لفكر الدولة الرسمي ولفقهائها. ومثل هذا الاتجاه ذ العروي.
إن الإجابة الدقيقة نجدها في الأبواب الرابع والخامس والسادس من كتاب “الحلال والحرام” من الإحياء. فهي تناقش قضية إدرارات السلاطين وما يحل منها وما يحرم. فالغزالي اعتبر ما يأخذه الفقهاء سحتا وحراما، كما حرم دخول مجالس السلاطين ولو لتغيير المنكر. كما حرم التعامل مع عمالهم وقضاتهم وخدمهم، لأن مالهم من السلطان وهو حرام في نظره. إضافة لذلك، أنكر الغزالي الخراج والضرائب ومصادر الأموال والاستعانة بالكفار وتوظيفهم. ومعلوم أن المرابطين وظفوا أهل الكتاب لجمع الزكوات والخراج. فهو يضرب إذن سياسة المرابطين وفقهائهم خاصة إذا علمنا أنهم عرفوا أزمة مالية دفعتهم لفرض ضرائب غير شرعية لتغطية نفقات الحرب ضد المسيحيين. يضاف لذلك اتجاه الكتاب الباطني المعارض للمذهب المالكي الرسمي للدولة، والذي كان يحارب كل فكر يدعم أعداءهم الفاطميين باعتبار أن فكر الغزالي، ومن بعده ابن قسي كان ينهل من الفكر الباطني. بل اعتبر بعض المؤرخين أن قيام الدولة المرابطية جاءت كرد فعل ضد الفاطميين الشيعة.
انتشرت أفكار الغزالي بسرعة كبيرة ولقيت استجابة كبيرة، فابن قسي تخلى عن وظيفته وتصدق بماله وتزهد في الظاهر، بينما أطر الأتباع وأعدهم للثورة، مستغلا الأزمة المالية للدولة. اتّضحَ ذلـكَ فـي أشعـاره :
وما تدفع الأبطال بالـوعظ عن حمى ….. ولا الحرب تطفى بالرقى والتمائـم
ولكن ببـيض مرهـفــــــات وذبــــــــــــل ….. مواردهـا مـاء الـطلـى والغـلاصــــــم
ولا صلح حتى نطعن الخيـل بالقنـــا ….. ونضرب بالبيض الرقـاق الصـــــــــوارم
ونحن أناس قد حمتـنـا سيوفنـــــــــــا ….. عن الظلم لمــــا جرتم بـالمظالــــــــــم
رغـمَ اختـلاف الآراء، فإن الكثير من المؤرخين قدامى ومحدثين، أكدوا أن الإحراق كان سببا في زوال الدولة المرابطية. يؤكد ابن عذاري ذلك بقوله: “أمر علي بن يوسف بإجماع قاضي قرطبة ابن حمدين وفقهائها على إحراق كتاب الإحياء، فأحرق على الباب الغربي من رحبة المسجد بجلوده بعد إشباعه زيتا.. وتوالى الإحراق على ما اشتري منه ببلاد الغرب…فكان سببا لزوال ملكهم”.
مراحل الثورة:
– مرحلة السرية: تميز التصوف بشرق الأندلس(مالقة، قرطبة، بلنسية، ألميرية) بالاعتدال والابتعاد عن العنف لكون متصوفة المنطقة معظمهم كانوا تجارا. ومن ثمة تفهم مهادنته للسلطة، إذ كانوا بحاجة للاستقرار ضمانا لاستقرار تجارتهم. أما منطقة الغرب، فقد دعا متصوفتها للثورة بسبب تضرر تجارتهم نظرا لاحتكار الشرق لشرايينها.
– مرحلة العلنية: فقد أصبحت الدولة المرابطية تعيش حالة التأزم على كافة المستويات (مجاعةـ ارتفاع الأسعار، ضغط حروب المسيحيين…)، فعجزت عن تطبيق الشعارات التي نادت بها في بداية تأسيسها، الأمر الذي سيدفع ابن قسي بعد استدعاء ابن العريف وابن برجان للمغرب من قبل الخليفة وقتلهما، لإعلان الثورة وذلك سنة 539هـ التي سمتها ابن الأبار “السنة القارضة ملك الملثمين”.
اكتسحت الثورة الأندلس بسرعة خاصة منطقة الغرب، مما جعل المرابطين يشكلون جيشا قويا حصد الكثير من المريدين، مما دفع ابن قسي للتحالف مع الموحدين الذين عينوه واليا على “شلب”. يقول ابن الأبار: “ولما فتحت شلب ترك ابن قسي عليها واليا” فكان ذلك سبب تخلي الكثير من أتباعه عنه وانضمامهم للمرابطين، فأصبح في عزلة جعلته يتحالف مع ملك البرتغال فكان ذلك سبب هلاكه إذ قتله أهل شلب بقصر الشراجيب مقر سكناه سنة 546هـ.
أسباب فشل الثورة ونظرة المؤرخين لها:
تضاربت آراء الباحثين حول أسباب فشل الثورة، فابن خلدون يردها لافتقار ابن قسي لعصبية تحميه وتشد أزره. نفس رأي د. مراجع عقيلة الغناي إذ قال: «فإذا عرفنا أنه لم تكن لابن قسي عصبية قبلية تقوم بأمره وتدافع عن حياضه كما هو الحال عند ابن تومرت…كما وأن أصحاب ابن قسي كانوا من مشارب مختلفة وعصبيات متباعدة…تطبع أفرادها بطابع الهوائية والميل مع الأطماع الشخصية…رفعوا آخر الأمر السيف في وجه صاحبهم”. بينما تجعل د. عصمت دندش السبب قوة الجيش المرابطي وتحالف ابن قسي مع النصارى “فكان ذلك سبب هلاكه”
وعن نظرة المؤرخين لها، فقد اختلفت آراؤهم تبعا لمذاهبهم وإيديولوجيتهم. فالقدامى ورغم عدم تطرقهم للموضوع بشكل كاف، نسجل موقف البعض منهم. فالمراكشي اعتبرها فتنة وضلالة إذ قال:”وقام بمغرب الأندلس دعاة فتن ورؤوس ضلالات فاستفزوا عقول الجهال واستمالوا عقول العامة من جملتهم رجل اسمه أحمد بن قسي. كان في أول أمره يدعي الولاية وكان صاحب حيل ورب شعبذة”.
أما ابن الأبار فقال عنه:”أقبل على قراءة كتب أبي حامد في الظاهر وهو يستجلب أهل هذا الشأن في الباطن”. وإذا انتقلنا إلى رأي المؤرخين المحدثين، فنجد اختلافا بينا في مواقفهم:
– د. القادري بوتشيش : ربط الثورة بأزمة ما سماه “اقتصاد المغازي” للدولة المرابطية التي اعتمدت على الحروب والغزوات ومصادرة أموال الرعية. ومن ثمة فانطلاق الثورة لم يكن- في نظره- سلوكا صوفيا بقدر ما كان ذو طابع سياسي يدل عليه شعار “التهليل والتكبير” .
– د. عصمت دندش: تعتبر الحركة فتنة من أجل الفتنة والتغيير، وأن الثورة هي انعكاس لأحداث المغرب، كما تصف زعماءها بالتسرع وعدم التفكير في عاقبة الأمر. تضيف لذلك بأن الأندلسيين ضاقوا بهذه الروح الدينية التي تمسك بها المرابطون بعدما تعودوا حياة التحلل الديني والخلقي منذ عصر الطوائف… والأندلسيون شعب شرود كثير الشغب. بينما كان الشغل الشاغل للمرابطين هو الجهاد والدعاء إلى الله أن يعفو عما انغمس فيه هؤلاء من مفاسد.
– د. حسين مؤنس : وصف ابن قسي بالمشعوذ وأصحابه بالغوغاء طمعوا في الأموال والغنائم.
– د. بنسباع : يرى أن الأمر يتعلق بثورتان: ثورة المريدين غرب الأندلس، وثورة مضادة بزعامة الفقهاء القضاة في كل أنحاء الأندلس المرابطية. ويرجع اختلاف الآراء إلى إغفال الجانب الاجتماعي والإيديولوجي للحركة إذ يقول: ” فلغياب الجانب الإيديولوجي اعتبروها ثورة واحدة، ولغياب الجانب الاجتماعي اعتبروها ثورة قومية عنصرية”.
– د. الغناي عقيلة : يرى أن الحركة لم تحظ باهتمام المؤرخين، نفس رأي بوتشيش، لكون أغلب المؤرخين الذين تناولوها كتبوا عن أوج ازدهار الموحدين. ومن ثمة لا يمكنهم الحديث عنها صراحة ما دامت تنافس الموحدين في الأندلس. نلمس دفاعه عن هذه الحركة في قوله: “إن حركة المريدين بزعامة ابن قسي تتسم بالطابع التصوفي الزاهد بدليل تخلي زعمائها عن أموالهم وممتلكاتهم…وخير من يمثل هؤلاء ابن قسي نفسه… ومن الصعب على الإنسان وخاصة في ذلك الوقت أن يتخلى عن ممتلكاته…ويتخلى عن مباهج الحياة والانزواء في خلوة دون أن يكون مؤمنا به معتقدا فيه”. كما يصف الحركة بالتحرر الفكري مادام قد انكب روادها لدراسة كتب الغزالي. ويضيف: «يدفعنا إلى احترام تلك الحركة التي تعطي العلم والفكر ذلك الجانب من الأهمية وذلك على الرغم من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها من ذلك الوسط المشحون بالكراهية لذلك اللون الفكري”.
أما نظرة المؤرخين الغربيين، فالعنصرية واضحة في كتاباتهم:
Villar: وصف الحركة بكونها قومية دينية حركها كره الأجناس الأخرى. إن ما يفند ذلك الادعاء هو قتل ابن قسي لأعز صديق له رغم انتمائهما لنفس الأصل المسيحي.
La garere: اعتبر الحركة استمرار للحركة السرية التي عرفتها الأندلس في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين.
Goldera: أرجع سبب الثورة لرفض المتصوفة بزعامة ابن قسي، لقرار علي بن يوسف إدخال النصارى في الجيش والقصر، وهو أمر غير مقبول إذ تؤكد المصادر على نسبه المسيحي. فكيف يعقل أن يثور ابن قسي بسبب ذلك القرار وهو نفسه اشتغل في الإدارة المرابطية رغم أنه مسيحي؟
– يوسف أشباخ: نظر للثورة كثورة واحدة: ثورة الأندلسيين ضد المرابطين، إذ تحدث عن كل الثوار دون تمييز لخلفياتهم المذهبية، وهو نفس موقف “عبد الله عنان”: ثورة الأمة الأندلسية ضد المرابطين”. لعل تفسير ذلك يعود لكونه عاش المد القومي الناصري في الستينات.
الجانب الإيديولوجي لثورة المريدين:
من المعروف تاريخيا أن المذهب الرسمي للدولة الإسلامية هو مذهب سني، بينما وظفت المعارضة التي كانت تقوم ضدها فكرا خارجيا أو شيعيا. وقد اشتد الصراع بين هؤلاء والسلطة المركزية خاصة بعد أن أقام الشيعة دولا لهم(الفاطميين).
بالنسبة لثورة المريدين، ربط الكثير من المؤرخين بين فكرها الباطني والتشيع. فعصمت دندش تؤكد أن الجناح المتطرف بغرب الأندلس بزعامة ابن قسي، مثل المذهب الباطني واعتبرت أن ثورة ابن فسي مظهرا للصراع بين السنة والشيعة(بين المذهب المالكي والباطني)، كما أن الثورة اعتمدت على فكرة المهدوية التي تمثل أساس الفكر الشيعي. في نفس المنحى، يؤكد د.البختي أن المتصوفة الثائرون أسسوا إيديولوجيتهم على الكثير من أدبيات الفكر الشيعي، واستعملوا اصطلاحات وتنظيمات شيعية كالإمامة والعصمة والتقية. فهل هناك فعلا ترابط بين الفكرين انطلاقا من آراء الكثير من المؤرخين قدامى ومحدثين؟
– الإمامة الشيعية والولاية الصوفية: إذا كانت الإمامة قضية أصولية عند الشيعة لاعتمادهم على حادثة الغدير، فإن ابن قسي وظف ذلك الفكر فقد قال عنه ابن الأبار: “فادعى الهداية مخرقة وتمويها على العامة وتسمى بالإمام”. كما اتضح ذلك في مدح أحمد بن حربون الشلبي له:
اهرب إلى الله وابـــرا ….. من أحمد بن قسي
أو فاتّخذه إمـــــــــــــام ….. واكفــر بكل نبــــي
إن القول بالإمامة الشيعية يستتبع القول بعناصر أخرى مرتبطة بها: العلم اللدني، العصمة، الكرامة، التقية، المهدية … فهل وظف تيار ابن قسي هذه العناصر؟
– علم الإمام اللدني وعلم الصوفي: إذا كان الأئمة قالوا بأنهم أصحاب علم عقلوا الدين رعاية ودراية لا عقل سماع ورواية، فقد وظف ابن قسي هذا العلم اللدني في صراعه مع المرابطين والموحدين فقال:
أرد علـى قـــوس الـعـــــلا أوتــــــاره ….. وارم العِدا بسهامها العمارة
وانفض يديـك بسلب مفتــاح البلا ….. د المنـجبــات وأمـها المختــــــارة
ويكـــون ذاك إذا تكـاثـــــرت العـــدا ….. وتمـلأت فـــــي الجبــــــال نصـــاره
معنى هذه الأبيات أنه كان يتلقى تعاليمه من الله في المنام، إذ أوحى له بالثورة على المرابطين وانتزاع بلدته شلب.
– العصمة الشيعية والحفظ الصوفي: فالعصمة عند الشيعة من أسس فكرهم، فما دام الأئمة نقلوا عن الرسول فيجب أن يكونوا معصومين من الخطأ والسهو. فالأنبياء معصومون بالوحي والأئمة بالعصمة. بتطبيقها على ثورة المريدين، فقد تسربت العصمة لفكرهم فابن قسي غضب عندما انتقد عليه كلمة “نصاره” في الأبيات الشعرية السابقة.
حادثة أخرى تثبت ادعاءه العصمة أوردها ابن الخطيب في كتابه إعمال الإعمال مفادها أن رجلا من البادية أعطاه مالا فقال لأصحابه: «عجبا لهذا المال الذي يصل الإمام من السماء كيف عليه طابع المرابطين؟”. وعندما وصل الخبر لابن قسي كان آخر العهد بذلك الرجل.
– الكرامات: إنها واضحة لدى الصوفية، قد تصل لحد المعجزات أحيانا. بالنسبة لابن قسي، فقد كان إذا أعطى كان يحثو بيده من غير عدد ويقول عنه أصحابه للناس: “يتكون عنده المال من فراغ.”
– التقية: تعني كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه وإظهار الأمر بشكل مخالف، وهي مبدأ إسلامي ظهر أولا مع عمار بن ياسر عندما أقره الرسول على التظاهر بالشرك وشتم النبي مادام قلبه مطمئنا بالإيمان وحياته في خطر، فنزلت الآية في سورة النحل: “من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان”.
بالنسبة للشيعة فقد جعلته أمرا جوهريا في الدين، وأضافت له فكرة أن المؤمن إذا ملك أمره الأعداء لزم عليه لزوما التظاهر بالمبدأ السائد وقاية له ولأبناء دينه، فهي جعلت ليحقن بها الدم .
فيما يخص ابن قسي، نورد حكاية تبين اتباعه التقية، فعندما استدعاه عبد المومن بن علي أنكر عليه ادعاءه الهداية فرد عليه:”أليس الفجر فجرين كاذب وصادق؟ فأنا كنت الفجر الكاذب”، فضحك عبد المومن وعفا عنه. كما تظهر التقية في إقباله على قراءة كتب الغزالي في الظاهر وهو يستجلب الأتباع ويحرضهم على الثورة في الباطن.
– الصحبة: إن كنه الصحبة عند الصوفية هو أم يكون للمريد شيخا يسدد خطاه ويتحمل مسؤوليته، ثم يبلغه مقامه بعد أن يؤانس من مريده الوصول. بالنسبة لابن قسي، فبين ابن الأبار ان ابن منذر كان من أصحاب ابن قسي وكذا محمد بن يحيى الملقب ابن القابلة وهما من زعماء ثورته وحلفائه. وذلك اقتداء بالصحبة لدى الشيعة كما كانت بين علي بن أبي طالب وداود الطائي في الكوفة.
– المهدية: هي من المثل الشيعية، فهل ادعاها زعيم المريدين؟.
هناك رسائل وجهها ابن قسي لعبد المومن الموحدي دون تلقيه ردا عنها بسبب ادعائه المهدوية. كما أكد بوتشيش أن الثورة اعتمدت نفس المبدأ الذي هو أساس الفكر الشيعي. في نفس المنحى يؤكد د. الغناي أن ابن قسي اتشح بوشاح المهدوية واتصف بصفة الإمامة والولاية.
إذا رجعنـــا للمصــادر، فـوضـح ابن الأبار ادعاء ابن قسي الهداية مخرقة وتمويها على العامة.
خلاصة القول، إن التيار الفكري لابن قسي استقطب الكثير من الأتباع ولقي معارضة من قبل المرابطين لأنه تحول من القول بالولاية الصوفية إلى إعلان الإمامة السياسية التي استهدفت الحكم واقتلاعه. ورغم فشل ثورة ابن قسي، فقد زعزعت أركان السلطة المرابطية وأدخلت المغرب إلى عهد جديد مع الموحدين. كما حاول المتصوفة إعادة التوازن للمجتمع المغربي الذي عانى من ضغوطات اجتماعية واقتصادية وسياسية بطرق مختلفة سواء بالكرامات أو بالدعوة للثورة…