صفحات عن مقاومة القائد الجبلحبيبي الشهيد عبد الملك الخمليشي للاحتلال البرتغالي ( ﺗ 1519 ه – 1525 م ) (2/4)
نسعى من خلال مقال اليوم – عبر جريدة الشمال الغراء المشكورة – تتمة التنقيب عن بعض النضالات التحريرية لعبد الملك الخمليشي أشهر قائد مقاومة بجبل الحبيب والوقوف على مقاوماته العسكرية ودرايته الحربية ضد الاحتلال البرتغالي عهد الدولة الوطاسية في القرن السادس عشر الميلادي سنوات ) 1519- 1525 م (، وﺫلك وفق التسلسل الزمني للأحداث حسب” برناردو رودرﻳﮝس “ فيما سطره في حولياته عن أصيلا.
- من غارات عبد الملك الخمليشي المنظمة على أصيلا المحتلة سنة ) 926 ه – 1520 م ( :
خرج الجبلحبيببي المتنصر عميل المحتل البرتغالي بأصيلا ” أنطونيو كوتينيو ” في غارة بداية سنة 1520 م « على رأس خمسة وعشرين أو ثلاثين خيالا، واستطاع بحكم معرفته بطريقة ومكان نصب الكمائن أسر حارسين بجبل حبيب تمكن من العودة بهما إلى أصيلا رغم مطاردة عبد الملك له، وقد زود الأسيران ” الكوند ” بما كان يرغب فيه من أخبار، فأمر فورا بالنفخ في البوق ليتأهب المحاربون في الخروج، وفي اليوم التالي أمر المراقبين بعدم الابتعاد عن المدينة، ونصحهم باتخاذ الاحتياطات اللازمة خوفا من أن يأسرهم عبد الملك لاعتقاده أنه وإن بقي البارحة في بني ومراس فلن يتأخر في المجيئ لأسر أحدهم لمبادلته بأحد الأسيرين، لكن عبد الملك توقع أن يخبر الأسيران ” الكوند “، وأن يكون رجالنا في انتظاره إدا ما هاجم من جهة جبل حبيب، فقصد تلك الليلة جهة ” المطلع الاصهب ” حيث نصي كمينه، ليتسنى له الانسحاب عن طريق القصر الكبير، وليجعلنا نعتقد أن المهاجمين جاؤوا من تلك المدينة التي لم يكن ” الكوند ” يتوفر على معلومات بشأنها، ومن سوء حظه أن المراقبين لم يصلا الى دلك الموقع بناء على تعليمات ” الكوند “، وبقيا في المطلع الغليظ، ولما لاحظ عبد الملك أن الرجلين لم يتجاوزا دلك المطلع، استغرب دلك الترتيب غير المألوف، ولما يئس من الوصول الى المراقبين ظهر بالمطلع الأصهب، فأعلنت حالة الاستنفار حالا، وللإطلاع على ميداننا ومشاهدة الطريقة المستحدثة في إرسال المراقبين الى أمكان قريبة انتقل الى شجرة الخروب وتندافل، ثم توجه على مهل الى الموقع المسمى ” يوحنا دو ميأليو “[1]، حيث بقي يراقب رجالنا وينظر إلى ” الكوند ” وهو واقف بالعش بكل اطمئنان، وبعد دلك انسحب رفقة رجاله وقصد القنطرة، بعد أن مر من المطلع الاعلى، و ” مجيليو “، ثم عبر غابة الفلين، ومن هناك توجه محو القصر الكبير، دون أن يجرؤ على عبور ميداننا لخوفه أن ينتظره رجالنا عند حبك جبل حبيب، أو في مدخلي ” قب النيش ” و ” بني ومراس ” »[2]، ودون أن يأسر[3] احدا من البرتغالين.
وقد رأى ” الكوند ” في توجه عبد الملك للقصر الكبير فرصة مواتية ما كانت لتضيع للهجوم على جبل الحبيب، فتوجه عبد الملك نحو القصر الكبير يعني خلو الجبل من الحماية اللازمة له، ثم أن عبد الملك لم يتمكن من أسير يمكنه من أخبار أصيلا وتحركات الكوند، وهو ما كان في صالح هدا الاخير، الدي ابتغى ردا قاسيا على عبد الملك حتى لا يزعم مرة اخرى على إغارة ما خوفا من هحوم معاكس يكلفه الكثير على قبيلته، فخرج ورجاله « بعد أن باركهم الراهب ” بريول ” كعادته »[4]، فأوصلهم ابن جبل الحبيب المتنصر ” أنطونيو كوتنيو ” « إلى جانب ” القليعة ” حيث نصبوا كمينهم، لأن جميع خيالة تلك القرى وفرسان بني ومراس وبني احمايد التحقوا بالقصر الكبير [ بقيادة عبد الملك كما سبق ]، وبما أنهم كانوا لايزالون هناك فقد لزم السكان بيوتهم واحتفظوا بمواشيهم داخلها، ولما رأى ” بيرو دو منيزش ” و ” وأرتور رودريكش ” المكان فارغا اعتقدا أن الناس أحسوا بوجودهم، لكن ” أنطونيو كوتينيو ” نبههما إلى أن السكان لم يجرؤوا على الخروج لعدم وجود حراس، والى انعدام ما يدل إحساسهم بهم، كإعلان حالة الاستنفار، وسماع الضجيج الدي يحدثه السكان في مثل تلك الحالة، لدلك طلب أن يرافقه خمسون خيالا للهجوم على مدخل بني منصور [5]، والحق أن بسبب الغارات التي قادها ” أنطونيو كوتينيو ” خلال السنة نفسها فإن سكان جبل حبيب وبني ومراس أصبحوا يعيشون في خوف دائم منه، وأن جلهم – وكثيرا من أعيانهم – هجروا تلك المنطقة الخصبة، وسكنوا مناطق أخرى »[6]، ولنعد الى ما كنا عليه، ﻓ « سرعان ما أقبل محاربون من جبل حبيب وبني مرقي، وإن لم يتقدموا لمكان يسمح لهم بالاشتباك مع رجالنا، وهي عادة لدى هؤلاء القوم المتوحشين يهاجمون بقوة وعنف كما لو كانوا خلية من النحل، كلما ساعدهم عامل مهما كان بسيطا، وتعوزهم الجرأة كلما واجههم مشكل داخلي بسيط »[7]
- من غارات عبد الملك الخمليشي المنظمة على أصيلا المحتلة سنة ) 928 ه – 1522 م ( :
ذات يوم « قرر ” الكوند ” أن يبتعد المراقبون عن المدينة لتوفير المسارح لمواشيها الكثيرة من جهة، وليتسنى للسكان الشروع في الحرث بعد أن وهبنا الله في نهاية سنة إحدى وعشرين أمطار الرحمة، التي كنا نحن معشر البشر وكذلك الحيوانات في أمس الحاجة إليها، خصوصا بعد أن أرسل مولانا الملك دون منويل قبل وفاته باخرة مشحونة قمحا ودرة من بدور منطقة شنترين لكي توزع على فلاحي أصيلا، وأرسل باخرة أخرى الى طنجة مما شجع الكثيرين على الاشتغال بالزراعة، وبما أن المنطقة كانت آمنة فإننا لم نقتصر على حرث وزرع الاراضي القريبة من الحاجز، على غرار ما ما اعتدنا القيام به في أصيلا، بل شرعنا في الحرث في الخندقين، وسهول [ مطالع ] ” كورفو ” و ” بوكنون ” و ” المطلع الاصهب “، وهي مناطق بعيدة وغير آمنة »[8] وهي قريبة جدا من محاربي جبل الحبيب، المتربصين لهم دائما، ولهم دراية واسعة بكل أحوال أصيلا، وبلا شك يعلمون ضائقتهم الفلاحية هاته، وكل ما يحيط بأصيلا هي ميدانهم بالأساس، وكما علمنا سابقا فمعظم الغارات على أصيلا وميدانها تأتي من قبل محاربي جبل الحبيب، وما كان للمؤلف بسبب ما ما أقدموا عليه هاته المرة إلا أن يقول : « عرضنا لعدة نكسات، وتكبدنا بسسبه خسائر عديدة بقتل المسلمين – في مناسبات كثيرة – لعدد من المزارعين، وباستيلائهم على عدد من ثيران الحرث »[9]، كان عبد الملك يتربص بالبرتغالين على أشكالهم، وهاته المرة وبعد أن تسرب الى أصيلا من جهة ” الحجر العالي ” و ” القنيطرات ” تربص بجانب سور لا يشاهد من برج قائد البحر [10]، في انتظار أن يأسر بعض العائدين الى المدينة، وبعد غروب الشمس وانسحاب الحراس وبعدما شاهد عبد الملك ومرافقوه عربتين مليئتين بالقصب تتحركان بمحاداة البحر وبجانبهما ثلاثة أو أربعة من الخيالة هاجم – رفقة أربعة أو خمسة من خيالته وهم يصيحون بأعلى أصواتهم – الدليل قبالة بستيون الشاطئ وهو في طريقه الى المدينة ومعه العربتتين، ووضعوا رماحهم فوق صدر الدليل ولم يتركوا له فرصة حمل سلاحه أو الدفاع عن نفسه، وأسقطوه عن فرسه، كما جرحوا وأسقطوا أحد مرافقيه، بينما فر آخر كان في المقدمة نحو باب البحر وهو يصيح طالبا للنجدة، حيث كان هناك ما بين عشرة وخمسة عشرة خيالا برتغاليا فض البواب فتح الباب لهم، فقصدوا المكان فورا وأنقدوا الدليل ومكنوه من فرس آخر، وانسحب عبد الملك في اتجاه ” واد لحلو “بعد أن أسر ” فرانشيسطوا دا موطا ” مرافق الدليل، وقد صادف هناك ” الكوند ” حيث كان لايزال خارج المدينة، وقد ظنهم من السكان فقصدهم ليسألهم عما وقع[11]، فخاف عبد الملك ومرافقوه وتخلوا عن الأسير، و « شرع كل واحد منهم في البحث عن مخرج ينقده من الموت أو الأسر، سار بعضهم بمحاذاة البحر، بينما عاد آخرون الى الطريق المؤدية الى المدينة للخروج من جهة القنيطرات، أي من الجهة التي دخلوا منها، وقد أسقط هناك اثنان منهم، قتل أحدهما حالا، بينما اقتيد الآخر أمام ” الكوند “، فسأله عن هوية المهاجمين وعددهم، ولما علم أن الامر يتعلق بعبد الملك ومجموعته اقتفى عدد من رجالنا أثرهم، وقد ضيقوا الخناق على احدهم وطاردوه أسفل تل ” فرنالو داس يلفا ” وألقوا به في واد الحلو حيث مات غرقا ».
انسحب الكوند بعد أن انتظر عودة رجاله قسطا من الليل، والتحق بالمدينة ومعه الأسير المسمى ” محمد يونس “[12] أهم مقدمي جبل حبيب، والشخصية المعروفة واعتقد ” الكوند ” أن عبد الملك ورفاقه سيعودون الى مقرات إقامتهم متفرقين، وأن كل واحد منهم سيسلك سبيلا، وأنه إدا بعث أشخاصا ينتظرونهم في حبك جبل حبيب قسيسقطون الواحد تلوى الاخر في أيدي رجاله، لدا ما إن دخل المدينة حتى بعث ” أنطونيو كوتينيو ” [ الجبلحببي المتنصر ] رفقة ثلاثين فارسا لانتظارهم، غادروا المدينة فورا، لكنهم لم يعتقلوا احدا لمعرفة أصحاب عبد الملك الجيدة بالمنطقة، وليقظتهم وتوقعهم لما دبره ” الكوند “، فقد التحق عبد الملك ورفاقه حالا ﺑ ” معبر الحجارة “، وقصدوا مباشرة جبل حبيب، بينما توجه كل من ” معطىي “[13] و ” حريش “[14] مباشرة ودون توقف الى جبل بني ومراس، وبدلك لم يتسنى لرجالنا اعتقالهم رغم وصول ” أنطونيو كوتينيو ” لحبك [ قرية ] الجبيلة، بل على العكس اقترب عبد الملك من رجالنا وشرع في الحديث معهم، وسألهم عن أسماء[15] القتلى، فأجابوه بأنهما اثنان، وأن ” محمد يونس ” على قيد الحياة »[16] و « لم تطل مدة أسره، فسرعان ما بودل هده المرة ﺑ ” جورج منويل ” »[17]
في سنة 1522 م رغم ما « أنعم الله به علينا بأمطار الرحمة في الوقت المناسب، مما بشر بسنة زراعية جيدة، وهو ما تم بالفعل »[18]، غير أن مصائبا ومعانات صاحبت بداية سنة اثنين وعشرين، ومن دلك المجاعة الشديدة « فقد انعدمت الاقوات في بدايتها، مما جعل ثمن ” الفنيقة ” من القمح يصل الى أربعة أو خمسة ” كروزادو “، وجعل ثمن ” الكير ” في البرتغال ” كروزادو ” واحدا [19]، كما عرفت بداية تلك السنة تفشي وباء الطاعون بشكل واسع، بحيث قلت الاماكن التي لم يشملها بالفواجع، ولم يختطف منها جل سكانها » « فقد عم الوباء البلاد كلها، ومات بسببه خلق كثير بكل من فاس والقصر الكبير، وبكل أطراف المملكة »[20] بما فيها أصيلا إد تضررت بدورها من دلك الوباء، الدي امتد انتشاره ستة أشهر تقريبا، من يناير سنة اثنين وعشرين الى الرابع والعشرين من يونيو، ورغم كل الاحتياطات ومختلفها – من منع الدخول والحجر الصحي – التي أقامها الكوند وقتها إلا أن الطاعون ترك مخلفاته، فقد مات في شهر مارس يوميا ما بين عشرين وخمسة وعشرين شخصا، وعم الخلع والهلع في نفوس الناس، حيث حصد الوباء ثلثي سكان أصيلا، ولم يوجد بيت لم يختطف الوباء أحدا منه، فلم يعد يجرؤ أحد على الكلام مع الآخرين، وغادر بأطفاله ونسائه إلى ” تفيرا ” المدينة البرتغالية كل من توفرت لديه إمكانية الانفاق عليهم هناك، حيث بلغ العدد أكثر من خمسمائة شخص، ولم يبدأ تراجع المرض إلا بدخول شهر ماي، وسبب الانتشار بأصيلا أن الطلائع البرتغالية كانت تتحرك قي دائرة بعيدة عن المدينة، وأن الصيادين اعتادوا الالتحاق بالمرتفعات من أجل القنص وجلب اللحم، أو للبحث عن الجمار وعن نباتات أخرى كانوا يستعينون بها على مواجهة الجوع، وكان من بين هؤلاء من تجاوز تعليمات ” الكوند ” من منع المغيرين الرتغالين من مغادرة أصيلا خوفا من العدوى ، إلا انهم قصدو – في يناير أول شهور الطاعون – مدخل ” بني ومراس ” من اجل الأسرى او الاستيلاء عللا بعض المواشي، وقد عاقبهم ” الكوند ” ومنعهم من دخول أصيلا والمبيت خارجها لمدة رغم أنهم ادعوا أن جبل حبيب وبني ومراس خاليان منه، وفي يوم عيد ” سان يوحنا ” احتفلوا بدهاب الطاعون ونظموا ألعابا اعتادوا تنظيمها خلال دلك اليوم، وفي اليوم الثالث من الاحتفال شاء القدر أن يعتقل عبد الملك الحلاق ” أنطونيو ليطاو ” الذي خرج للحراسة، والدي أبلى البلاء الحسن في مقاومة الوباء حيث أنجاه الله منه رغم عيشه بين أكثر من ألف ومأتين قضوا بالوباء في أصيلا، وبين عدد مماثل من المصابين، لكنه مات به في الاسر بين المسلمين لدى المولى ابراهيم بشفشاون حيث حمله عبد الملك الى هناك.[21]
[1] – joão de mealho
[2] – حوليات أصيلا ( 1508 – 1535 م ) ( مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي )، برناردو رودرﯾﮝس B. Rodrigues، تعريب الدكتور : أحمد بوشرب / دار الثقافة، الطبعة الأولى 2007 م، ص : 275 – 276
[3] – كان الحراس أو الاسرى المسلمون خطرا حقيقيا على المسلمين، فحسب مؤلف الحوليات أن « المعلومات التي كان الاسرى يزودننا بها صحيحة في الغالب، إما لانها كانت تنتزع منهم بالقوة، وإما لانهم كانوا يتقربون بها منا » ص 277، وبناء على تلك المعلومات كان يقترح الكوند أو قواد أصيلا الهجوم على جهة ما.
[4] – حوليات أصيلا، 256
[5] – benamaçuar
[6] – حوليات أصيلا، 277
[7] – نفسه، 279
[8] – نفسه، 322
[9] – نفسه، 322
[10] – مما يدل على ان عبد الملك يعرف المنطقة جيدا، ولم يقف المؤلف على من يعرف أصيلا جيدا كمحاربي جبل الحبيب عموما.
[11] حوليات أصيلا، 322 – 322
[12] – hiunes
[13] – mates، وأظنه ” المعطي ” أو ” عبد المعطي ”
[14] – hurraix
[15] – لربما أعداد القتلى وليس أسماءهم، ليعرف من المقتول منهم ممن أسروا وممن تسنى لهم الفرار وسيلتحقون حتما ﻛ ” معطى ” و ” حريش ” الدين توجها مباشرة ودون توقف الى بني ومراس.
[16] – حوليات أصيلا، 222 – 223
[17] – نفسه، 322 – 323
[18] – نفسه، 327
[19] – أي أن الثمن كان متقاربا، لأن الفنيقة كانت تعادل في البرتغال 4 ” الكير “.
[20] – نفسه، 327
[21] – نفسه، 327 – 331
محمد أخديم