صفحات عن مقاومة القائد الجبلحبيبي الشهيد عبد الملك الخمليشي للاحتلال البرتغالي
من خلال شهادة البرتغالي برناردو رودرﻳغس (3/4)
بعدما سطرنا في المقالين السابقين – عبر جريدة الشمال الغراء المشكورة – صفحات عن عبد الملك الخمليشي أشهر قائد مقاومة بجبل الحبيب عهد الدولة الوطاسية في القرن السادس عشر الميلادي سنوات ( 1519 – 1525 م )، نتم اليوم خط بعض منجزاته الحربية ضد أصيلا المحتلة ونستكمل الوقوف على شيء من مقاوماته العسكرية في وجه المحتل البرتغالي، وإلا كما قال صاحب ” حوليات أصيلا “ برناردو رودرﻳكس « سيكون من الممل تدوين كل أعمال «عبد المالك» ومنجزاته، كما يتعذر علي تذكرها جميعا بعد مرور أربعين سنة على وقوعها، وعليه سأكتفي بذكر بعض المنجزات المهمة التي حققها، حسب ترتيبها الزمني»1.
فبعد أن ﺫكرت – ولا زلت – بعض أعمال القائد الفارس عبد الملك2« أعتقد أنه يتعين علي الآن أن أتحدث عن صفاته وأن أشير – ولو باختصار – الى شجاعته الكبرى وجرأته وكرمه وما قاله المولى إبراهيم في حقه قبل تتمة الحديث عن منجزاته ليكون أبلغ في التشويق للوقوف أكثر عليها.
- من صفات الفارس الداهية عبد الملك وشجاعته الكبرى وجرأته وكرمه وما قاله المولى إبراهيم في حقه :
إن رئيس المحاربين والفرسان بجبل الحبيب المقدم والفارس المغوار عبد الملك، الذي لم يكن يعرف للراحة طريقا، ولم يتوان عن إزعاج وإقلاق راحة سكان الثغور الاربعة، أصيلا وطنجة والقصر الصغير وسبتة، باستهدافها بعدة غارات، واختطاف عدد من الحراس والمكلفين بالمراقبة فيها، وأسر كل من كان يخاطر بالابتعاد وحيدا عن المدن المذكورة، أو أولائك الدين كان يأتي ليلا الى باب البحر لانتظارهم إدا ما تغدر عليه أسرهم خلال النهار، وقد أسر عددا من المستخدمين الدين كانوا يعودون متأخرين، وغنم كثيرا من الثيران والمواشي التي كانت تبيت خارج المدينة، وكان رجلا داهية، شديد الحيطة والحذر، أفشل محاولات «الكوند» العديدة لإلقاء القبض عليه، ونجا من كل الشراك التي نصبها له، لقد كان في أغلب الأحيان يرى رجالنا وهم يتربصون به، ويكشف مخططاتهم، ويعرف الاماكن التي كانوا يتوقعون القبض عليه، لا ينطبق على محاربي جبل حبيب المثل الشائع بيننا القائل : «بأن قبعة واحدة لا تسع رأسين»، فقد كان جل المشاركين في مجموعته من المقدمين العارفين معرفة جيدة ميداني طنجة وأصيلا، ومع دلك كانوا يتشاورون فيما بينهم، ولا يختلفون أبدا، ويوافقون على كل رأي سديد ويسارعون إلى تنفيذه، وقد اعتدنا كلما قتلنا أحدا منهم أو أسرناه أن نلقبه بالمقدم، وعلى الرغم من أن علي بن يعيش3 ومحمد يونس وعلي حراش4 والأطرش5 كانوا جميعهم مقدمين من جبل حبيب، فإنهم كانوا جميعا يأتمرون بأوامر عبد الملك، ويعترفون بشجاعته وجرأته، على الرغم من قصر قامته، وجسمه النحيف»6، «ولم يتوان «الكوند» في البحث عن جميع الطرق والوسائل الحربية لاعتقاله، غير أنه لم يتمكن من دلك، وكان يفلت كل مرة من بين يديه»7.
ومن جهة رغم ما كان حصل عليه عبد الملك من هبات عينية ونقدية من الملك محمد البرتغالي ومن المولى إبراهيم وباقي القواد، ورغم نصيبه من الأسرى، فقد كان ينفق كل شيء في المآدب وجلسات الخمر التي كان يستدعي إليها جميع الاسرى المسيحيين الحاضرين، لدلك بقي بيته متواضعا، ولم تجد زوجته بعد وفاته ما تفتدي به نفسها بعد أسرها الى أن دفع عنها المولى إبراهيم مائة وخمسين «كروزادو».
- غارات برتغالي أصيلا على جبل الحبيب زمن قيادة عبد الملك الخلميشي عليه سنة (928 هـ – 1522 م) :
بعد التحاق الموريسكي «أنطونيو فلكاو»8 بأصيلا قرر «الكوند» الهجوم على جبل حبيب وبني ومراس9، وغنم فيها ما بين ثمانين ومائة رأس من البقر، وأسر ثلاثة أشخاص، كما قاموا بغارات الأخرى استهدفت جبل الحبيب، في غياب قائدع عبد الملك الخمليشي الموجود بشفشاون لدى المولى إبراهيم، واستغل أصيلا فرصة غيابه ﻓ «خرج» أرتور رودريكش « صحبة خمسة وعشرين خيالا وكمنوا أسفل قرية «المايدة» بمكان يشرف على القليعة، وعلى أرض مزروعة بالشعير شرع أصحابها في حصادها، وبما أن أحدا لم يلتحق بدلك الحقل فقد انتقل «أرتور رودريكش» ومرافقوه لجهة قرية «الريحانة» حيث صادفوا أشخاصا منهمكين في تدرية الفول، فقتلوا واحدا منهم وأسروا رجلين وامرأتين، وكان أحدهما أخا الموريسكي «يوحنا بريتو» المقيم في أصيلا، والدي يعمل مراقبا في البادية، بينما كان الرجل الثاني شابا، وكان أخا الفتاتين الاسيرتين الفاتنتي الجمال اللتين لم تدخل امرأة في مستوى جمالهما الى أصيلا مند مدة طويلة، وقد كانتا من الريحانة من جبل حبيب، المعروف بجمال نسائه، وبياض بشرتهن الناصع، وقد داع صيت تلك الغارة كثيرا بسبب جمال الأختين اللتين اشتراهما القبطان لترافقا زوجته، ودفع مقابلهما أكثر مما عرضه المشاركون في المزايدة، واشترى صهري «باولو مجولو» أخاهما، غير أنه سرعان ما افتدى نفسه، وقد بدلت جهود كبيرة لتحرير الفتاتين، بيد أن زوجة القبطان رفضت التخلي عنهما، ونقلتهما معها الى البرتغال، حيث تنصرتا، وهما الآن متزوجتان.
ولم تمر الا مدة قصيرة حتى «استأذن أفونصو بريكا و اشتفاو فرنانديش القبطان في مواجهة الجهة نفسها من جبل حبيب، ورافقهما ما يناهز عشرين خيالا قصدوا «تشموش»10 بأعلى القليعة [ بجبل الحبيب ]، حيث شاهدوا ما بين عشرة واثني عشر شخصا يدرسون الشعير وهم راكبون خيلهم، وهو نفس المكان الدي سبق ﻟ «أرتور رودريكش» أن كمن فيه قبل أن يأسر الأختين، كان سكان جبل الحبيب قد زرعوا دلك الشعير في يوم واحد من مزبلة إحدى القرى المهجورة الموجودة أسفل المايدة، وعادوا لحصادها في يوم آخر، لقد كانوا يدرسون المحصول وهم راكبون خيلهم بعد أن عبروا الى الضفة الأخرى للنهر، ولم يكن بإمكانهم الانسحاب بسهولة، ولما شاهدهم «أفونصو بريكا» استغرب لباسهم، واعتقد بسبب بعد المسافة أنهم غرباء عن المنطقة، فخاف وأرسل بعد استشارة مرافقيه مبعوثا الى القبطان الذي كان يصطاد ﺑ «بيدريكال» لإخباره، وليطلب منه إما مدهم بالمساعدة وإما المجيء بنفسه، وقد رفض القبطان الاستجابة لطلبه لانصرام أغلب اليوم، واكتفى بإرسال شخص إلى المدينة ليأمر المدفعيين بإطلاق أربع أو خمس طلقات لينسحب الموجودون خارج المدينة، فتم دلك فعلا.
ومن طرائف تلك الايام نفسها أن جاء إلى أصيلا « رجل من جبل حبيب يسمى «عياد»11، كان وقت شروعي في كتابة هده المذكرات أسيرا بمدينة شنترين لدى «دون فرناندو مشكرانياش «ابن» دون منويل مشكرنياش « قبطان أصيلا السابق، ودخل أصيلا من باب البحر، كان شابا قوي البنية، ضخم الجسم، يحمل في يديه رمحا وترسا، ويتقدمه بقرتان وثوران وحماران يحملان شمعا، ولما أدخل على «الكوند» قال له : سيدي دون يوحنا « لقد جئت لتحرير عمي12 أسير «سيماو دا فونسيكا» مقابل هدا الشمع وهده الابقار، أما بالنسبة لما بقي من مبلغ الفدية، فإني أتطوع للبقاء في الأسر عوضا عنه الى أن يلتحق بقريته ويأتي به، كما أني على يقين من أن سيده سيفضلني عليه، فأنا شاب وبإمكاني أن أخدمه أحسن من عمي العجوز». ورد عليه «الكوند «بأنه سيكلم» سيماو دا فونيسكا « وسيقدر مبلغ ما حمله معه، وأنه لن يستجيب لطلبه ويضع له الأصفاد إلا بعد مجيء القافلة من الجبل أو من القصر الكبير ليشهد المسلمون على أنه تطوع من تلقاء نفسه للبقاء في الأسر عوض عمه، فوافق، وقدرت قيمة الشمع بأربعة قناطير، ثم تسلم «سيماو دا فونيسكا» الشاب وما أتى به، ولما دخلت قافلة أصيلا وضع نفسه بمحضر أعضائها في الأسر بينما التحق عمه ببيته وعاد بعد أيام قليلة لتحرير ابن أخيه وقد أمضينا عدة أيام في الحديث عن هدا الموضوع داخل المدينة، واستغربنا التزام دلك البدوي، وقدرنا تصرفه، وقد أصبح هدا الشخص من قطاع الطرق، ومن أكبر اللصوص إلى أن قضى نحبه13. 14
- من غارات عبد الملك الخمليشي المنظمة على أصيلا المحتلة سنة «928 هـ – 1522م»:
والآن أستكمل ما كنا بصدد ذكره في المقالين السابقين عن منجزات عبد الملك بأصيلا، فبعد أن حلت سنة اثين وعشرين في زمن الفاقة والعوز، وانتهت في فترة من الرخاء والوفرة، إلا أن خلال سنتي المجاعة والطاعون هاتين «لم تتوقف الحروب بين الطرفين، رغم هدوء نسبي تخلله بعض حالات الاستنفار، خصوصا تلك التي تسبب فيها محاربو جبل حبيب»15، وقد تمكن عبد الملك من أسر مراقبين في إحدى غاراته خلال الفترة المذكورة16.
وذات يوم كان واقفا مع مجموعته في مكان بالقرب من عين القصب ينتظر أن تحرك برتغاليين ليهاجمهما، ولما شاهدوهما يقصدان الطريق حاولوا سبقهما إليه، غير أنهم لم يتمكنوا من دلك ليقظة الرجلين وانتباههما اليهم، فقد ركضا في اتجاه رفيقيهما واستنفراهما وقصدا الطريق، ولما وجدا المسلمين أمامهما اخترقاهم بعد أن أسقطا اثنين منهم، مات أحدهم حالا، رغم الضربات بالعصي التي أمطروهما بها لكي يأسروهما حيين، واقتفى المهاجمون أثرهما الى أن وصلا الى «بالييكال» ومعبر الحجارة طمعا في استرجاع فرس القتيل الذي استوليا عليه17 «وأما عن رفيقيهما» فما كادا يتخلصان مما جمعاه من كلاء حتى التحق المسلمون بهما وهاجموهما في سهل المعبر المسمى باسم عبد الملك ثم بمعبر الحمام، حيث اعتقلوا احدهما، ولما علموا عن طريقه بوجود محاربي طنجة في أصيلا أشاروا الى مرافقيهم وانسحبوا، وقد فقدوا خلال دلك اليوم واحدا منهم وفرسا، بينما أسروا واحدا منا وغنموا فرسه، وبسبب غارته تخلى قبطان أصيلا وضيفه قبطان طنجة «دون دورات»18 عن غارة مشتركة لهما لبادية الغراف.
هوامش :
(1) حوليات أصيلا، ( 1508 – 1535 ) مملكة فاس، من خلال شهادة برتغالي، تعريب الدكتور أحمد بوشرب، دار الثقافة، الطبعة الأولى 2007، ص 255
(2) amelix
(3) alé benaix
(4) hurrax alé
(5) matres
(6) حوليات أصيلا، ص، 333 – 334
(7) نفسه، 254 – 255
(8) اعتبر « الكوند « التحاق « أنطونيو فلكاو « فاتحة خير، بعد أن أسر فيها سابقا واشتراه أحدهم في أصيلا ونقله الى الربتغال، ومن ثم فر الى غرناطة أولا، ثم ايطاليا، قبل أن يخدم الاتراك، وفي الاخير عاد الى مسقط رأسه «بني ومراس»، ثم قدم أصيلا خلال الوباء. ص : 334
(9) كان من عادة « الكوند « أنه كلما تنصر مسلم والتحق بأصيلا أن لا يثق فيهم، وان يبعثهم مع رجاله في غارات لقراهم إد يسعى الى توريطهم مع دويهم، وحرمانهم من إمكانية العودة الى قراهم، حتى إدا ما أثبتوا ولائهم قربهم اليه كثيرا وزوجه ، وهدا في الاغلب كان يجعل كل قرية ادا ما علمت بتنصر احد افرادها والتحاقه بأصيلا ان يتأهبوا عما قريب لأغارة ما حيث يكون المتنصر واحدا فيها ليطلعهم على تفاصيل القرية
(10) tesmuz، وقد ترجمه أحمد بوشارب « تشميس « في حوليا أصيلا، ص 485
(11) aiadomarteres، وسماه المؤلف في نهاية الفصل : عياش «aias»
(12) alcemateres
(13) ذكر المؤلف في بداية هدا الفصل أن هدا الشاب كان في الأسر في البرتغال لما شرع في تحرير مذكراته، وعاد في نهاية الفصل نفسه ليقول بأنه قضى نحبه وأنه من قطاع الطرق، مما يؤكد مرة أخرى أن المذكرات بقيت في مستوى المسودة التي لم تنقح .
(14) حوليات أصيلا، ص 593 – 594
(15) نفسه، ص 333 – 334
(16) فارس cavaleiro : لم يكن معنى الفارس خلال القرون الوسطى لأوروبا يقتصر على الخيال فقط، بل كان يعني فئة اجتماعية تعيش من الجندية، تخصها أدبيات الفترة بسلوك معين، من قبيل الشجاعة والكرم والوفاء… فقد كان الفرسان يضعون انفسهم في خدمة النبلاء ورؤساء الجماعات العسكرية ومجالس البلديات…
(17) حوليات أصيلا، ص 538
(18) كان قبطان طنجة « دون دورات « قد قرر زيارة لاصيلا لتهنئة الكوند الجديد لما علم بوصوله، وخرج برا الى أن وصل الى وادي تهدارت، فبعث لاصيلا طلبا بالقوارب التي تمكنهم من العبور، وأظنه خوفا من مغيري جبل الحبيب، لكن « عاد دون دورات الى طنجة في اليوم التالي عن طريق معبر الفريخ »، حوليات أصيلا، ص 539
محمد أخديم