شاعر وقصيدة
جريدة الشمال – بقلم: عبد القادر الغزاوي ( شاعر )
الإثنين 15 ينــاير 2018 – 11:59:42
طبيب الشعراء وشاعر الأطباء
الشاعر : ولد الشاعر إبراهيم ناجي يوم 3 ديسمبر سنة 1898 بمدينة القاهرة بمصر، وتوفي يوم 25 مارس سنة 1953 م، نتيجة إصابته بالسكتة القلبية في عيادته بين مرضاه وزبناء عيادته. وعاش في بيت ثقافة وفكر، حيث كان أبوه يتوفر على مكتبة تضم مجموعة من الكتب المتنوعة، تتعلق بالأدب العربي ولأدب الغربي . حيث ساعده وشجعه على حب المطالعة والبحث والاطلاع والاستفادة، فكان اهتمامه بالأدب العربي والشعر العربيين اهتماما كبيرا، وخاصة فطاحل الشعر العربي القديم، وكذلك اطلع على الأدب والشعر الغربيين. وبعد إتمام دراسته الابتدائية والثانوية إلتحق بكلية الطب سنة 1916 حيث تخرج فيها طبيبا سنة 1923. لكن حبه وميله إلى الأدب والشعر سيطر عليه وغلب عليه الجانب الشعري وتفتحت موهبته الشعرية مبكرا ونظم الشعر وهو طفل صغير. حيث يقول في كلمة له بديوانه ليالي القاهرة (( الشعر عندي هو النافذة التي أطل منها على الحياة ..
وأشرف منها على الأبد .. هو الهواء الذي أتنفسه .. وهو البلسم داويت به جراح نفسي عندما عز الأساة هذا هو شعري .. )) .
وقد انضم إلى جماعة أبو للو الشعرية بمصر ليكون بجانب مؤسسها الشاعر أحمد زكي أبي شادي ( 1892 ـ 1955م )، هذه الجماعة التي كان خطها الأدبي يميل إلى التجديد في الشعر والتخلص من قيود الشعر القديم . وكان لها مجلة أدبية تهتم بالشعر تحمل الإسم نفسه، و ( مدرسة «أبولو» التي اتبعت، في شكل عام، أسلوب كتابة شعرية رومانسية وكانت حلقة الوصل بين الكلاسيكية الجديدة (شوقي، حافظ، مطران) وبين الحداثة الشعرية كما تجلت أواسط الأربعينات). (منقول). ويعد الشاعر إبراهيم ناجي من الشعراء الرومانسيين العرب المعاصرين المجددين ، يقول شوقي ضيف في كتابه فصول في الشعر ونقده ( فشعره بث لأحاسيسه وأحزانه وأشواقه الهائمة، وهو شعر نفس ظامئة إلى الحب دون أن تنعم به، إذ يصيبها دائما الإخفاق فيه ). وقد عاش بين عالم الطب وحدائق الشعر. وترك الشاعر تراثا فكريا يتجلى في دواوين أشعاره و كتب النقد والترجمة بالإضافة إلى العديد من المقالات التي كان ينشرها.
قصيدة الأطلال: قصيدة طويلة تحتوي على ما يزيد 130 بيتا، وتعتبر من أجمل قصائد الشعر العربي الرومانسي. تحكي قصة حب عاثر لم تدم. جاء في مقدمة قصيدة الأطلال بديوانه الشائق ليالي القاهرة الصفحة 45 (( هذه قصة حب عاثر التقيا وتحابا ثم انتهت القصة بأنها هي صارت أطلال جسد ، وصار هو أطلال روح ، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت )). وقد غنت أم كلثوم بعض أبيات منها من تلحين رياض السنباطي وذلك سنة 1967، فنالت شهرة كبيرة وانتشارا واسعا وإعجاب الجميع فكانت حسب رأي بعض عشاقها (( أجمل أغنية في تاريخ الغناء العربي )). مع الإشارة إلى أن المطربة أم كلثوم اختارت بعض أبيات من قصيدة الوداع وأضافتها إلى أغنية الأطلال، ابتداء من البيت ( هل رأى الحب سكارى مثلنا … ) بالإضافة إلى بعض التغييرات التي أحددتها بكلمات قصيدة الأطلال، لا داعي إلى ذكرها في هذا المقال .
يَـا فُؤَادِي لَا تَسَلْ أَيْنَ ٱلْهَوَى …….كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِنِي وَٱشْرَبْ عَلَى أَطْلَالِــهِ ……. وَٱرْوِ عَنِّي طَالَمَا ٱلدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ ٱلْحُبُّ أَمْسَى خَبَــرًار ……. وَحَدِيثًا مِنْ أَحَادِيثِ ٱلْجَـــوَى
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أَغْرَيْتِنِـــــي ……. بِفَمٍ عَذْبِ ٱلْمُنَادَاةِ رَقِيـــــــقْ
وَيَدٍ تَمْتَدُّ نَحْوِي كَيَــــــــــــــدٍ ……. مِنْ خِلَالِ ٱلْمَوْجِ مُدَّتْ لِغَرِيقْ
وَبَرِيقٍ يَظْمَأُ ٱلسَّارِي لَــــــــهُ ……. أَيْنَ فِي عَيْنَيْكِ ذَيَّاكَ ٱلْبَرِيـقْ
يَا حَبِيبًا زُرْتُ يَوْمًا أَيْكَـــــــــهُ ……. طَائِرَ ٱلشَّوْقِ أُغَنِّي أَلَمِــــــــي
لَكَ إِبْطَاءُ ٱلْمُذِلِّ ٱلْمُنْعِـــــــــــمِ ……. وَتَجَنِّي ٱلْقَادِرِ ٱلْمُحْتَكِــــــــــمِ
وَحَنِينِي لَكَ يَكْوِي أَضْلُعِــــــي ……. وَٱلثَّوَانِي جَمَرَاتٌ فِي دَمِــــــــي
أَعْطِنِي حُرِّيَّتِي أَطْلِقْ يَدَيَّــــــار …….إِنَّنِي أَعْطَيْتُ مَا ٱسْتَبْقَيْتُ شَيَّا
آهِ مِنْ قَيْدِكَ أَدْمَى مِعْصَمِـــي ……. لِمَ أُبْقِيهِ وَمَا أَبْقَى عَلَيَّـــــــــا
مَع ٱحْتِفَاظِي بِعُهُودٍ لَمْ تَصُنْهَا ……. وَإِلاَمَ ٱلْأَسْرُ وَٱلدُّنْيَا لَدَيَّـــــــا
أَيْنَ مِنْ عَيْنِي حَبِيبٌ سَاحِـــــرٌ ……. فِيـهِ عِـــزٌّ وَجَــــــلَالٌ وَحَيَـــــــــــاءْ
وَاثِقُ ٱلْخُطْوَةِ يَمْشِي مَلَكًـــــــا ……. ظَالِمُ ٱلْحُسْنِ شَجىِ ٱلْكِبْرِيَـــاءْ
عَبِقُ ٱلسِّحْرِ كَأَنْفَاسِ ٱلرُّبَـــــى ……. سَاهِمُ ٱلطَّرْفِ كَأَحْلَامِ ٱلْمَسَـاءْ
مختارات من شعره :
1) قصيدة الوداع يقول في مطلعها :
حان حرماني و نادانـي النذيــر ……. ما الذي أعددتُ لي قبل المسيـر؟
زمنـي ضـاع و مـا أنصفتنــــي ……. زاديَ الأول كـالـزاد الأخـيــــــــر
ريُّ عمري من أكاذيـب المُنـــى ……. و طعامي من عفـافٍ و ضميــــر
حان حرماني فدعني يـا حبيبـي ……. هذه الجنة ليسـت مـن نصيبـــــي
و أنـا إلفـك فـي ظـل الصبـــــــا ……. و الشباب الغضِّ و العمر القشيبِ
أنـزل الربـوةَ ضيفـاً عـابـــــــرا ……. ثم أمضي عنك كالطيـر الغريــــبِ
لِمَ يـا هاجِـرُ أصبحـتَ رحيمــــا ……. و الحنان الجـمُّ و الرقـةُ فيمــــــا؟
لِمَ تسقينيَ مـن شهـدِ الرضـــــا ……. و تلاقينـي عطوفـاً و كريمــــــــا؟
كلُّ شيء صار مُـرَّاً فـي فمــــي ……. بعدما أصبحـتُ بالدنيـا عليمــــــا
آه مَـن يأخـذ عمـري كـلَّـــــــــهُ ……. و يُعيدُ الطفلَ و الجهلَ القديمـــــا؟
هل رأى الحـب سكـارى مثلنـــا ……. كـم بنينـا مـن خيـالٍ حولنـــــــــــا
و مشينـا فـي طريـقٍ مقمــــــــرٍ ……. تثـبُ الفرحـةُ فـيـهِ قبلـنــــــــــــــا
و تطلَّعـنـا إلــى أنـجـمِــــــــــــهِ ……. فتهـاويـنَ و أصبـحْـنَ لـنــــــــــــا
و ضحكنا ضحـكَ طفليـنِ معــــاً ……. و عَـدَوْنـا فسَبَقْـنـا ظـلَّـنـــــــــــــــا
و انتبهنـا بعدمـا زال الرحيــــق ……. و أفقنـا. ليـت أنَّـا لا نفـيـــــــــــــق
2) قصيدة أُغنية في هيكل الحب يقول في مطلعها :
كم تجرّعنا هوانـــــــــــــا ……. ولقينا في هوانـــــا
وبلونا نار حـــــــــــــــــب ……. لَم نذقْ فيها أمانــا
وإِذا حلَّ الهوى هيـــــــــــــــهات تدري كيف كانـــا
فإِذا ما ملك الأنفـــــــــــس ……. أصلاها عونــــــــــا
فهو نصلٌ مستقــــــــــــــرٌّ ……. ولهيب لا يدانـــي !
يا حبيبي هدأ الليـــــــــــــل ……. ولم يسهر سوانـــا
لا الدجى ضمَّد جرحينــــــا ……. ولا الصبح شفانــا
لا الهوى رقّ على الشاكـي ……. ولا قاسيه لانـــــــا
قد غدونا غرضِ الرامــــي ……. كما شاء رمانــــــا
وافِنيْ بالله نطــــــــــــــرقْ ……. هيكل الحب كلانـــا
ساعة نبكي على الكــــأس ……. ونشكو من سقانـا!
3) قصيدة العودة يقول في مطلعها :
هذه الكعبةُ كنّا طائفيهــــــــا ……. والمصلّين صباحاً ومســــاءَ
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها ……. كيف بالله رجعنا غربـــــــاء
دار أحلامي وحبي لقيتنــــــا ……. في جمود مثلما تلقى الجديـد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنــا ……. يضحك النور إلينا من بعيـــد
رفرف القلبُ بجنبي كالذبيـحْ ……. وأنا أهتف : ياقلب اتَّئِــــــــدْ
فيجيب الدمع والماضي الجريح ……. لم عدنا ليت أنا لم نعـــــــــد
لمَ عُدْنَا؟أولَمْ نَطو الغَــــــرَامْ ……. وفَرَغْنَا مِن حنينٍ وألَـــــــــم
ورضينا بسكون وســــــلام ……. وانتهينا لفراغ كالعـــــــــدم
أيها الوكر إذًا طارَ الأليــــفْ ……. لا يَرَى الآخرُ معنىً للسمــاءْ
المراجع :
ـ إبراهيم ناجي ديوان ليالي القاهرة
ـ إبراهيم ناجي ديوان وراء الغمام
ـ صالح جودت كتاب ناجي حياته وشعره . الطبعة سنة 1977
ـ طه حسين حديث الأربعاء الجزء 3 . الطبعة 8 الصفحة 150
ـ شوقي ضيف كتاب الأدب العربي المعاصر في مصر . الطبعة 4 . 1971 الصفحة 154
ـ شوقي ضيف كتاب فصول في الشعر ونقده . السنة 1971 الصفحة 296
ـ محمد مندور كتاب الشعر المصري بعد شوقي . الجزء الثاني السنة 1969 الصفحة 81 ..