أهم ما يُقرأ في ليالي النبوي “المَوْلدية”، وهي تُذكّر المؤمنين بمولد الرسول، وما رافقه من أنوار وإشراقات إلهية.
وسأقتطف لكم من دفتر “إسعاف الراغب الشائق، بخبر خير الأنبياء وسيد الخلائق” لمحمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، تغمده الله برحمته، فقرة أجمَع قُراء “المولدية” على تلاوتها، وهي تمثل اللحظة التي وُلد فيها الرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم.
“ولما أراد الله تعالي إبراز هذا السر المصُون، الساري في الظهور والبطون، ألهَم عبد المطلب، فخطب آمنة لولده عبد الله، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش، فتزوجها وبنى بها، فحلمت به عليه السلام، ولم تحمل بسواه من الأنام.
وروى أبو نُعيم في الحيلة، من حديث ابن عباس قال: كانت آمنة تُحدث وتقول: أتاني آت في المنام، وقال لي: يا آمنة، إنكِ قد حملت بخير العالمين، فإذا ولدته فسميه محمدا، واكتمي شأنك.
قالت: ثم أخذني ما يأخذُ النساء من الطلق، ولم يعلم بي أحد، لا ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل، وعبد المطلب في طوافه، فسمعتُ وجبة وأمراً عظيما هالني، ثم رأيت كأن جناح طائر أبيض، قد مسح على فؤادي، فذهب عني الرعب، وكل وجع أجده، ثم التفتُّ، فإذا أنا بشَربة بيضاء، ظننتُها لبنا، وكنت عطشى فشربتها، فإذا هي أحلى من العسل، وأصابني نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا، كأنهن من بنات عبد مناف يُحدقن بي، فبينما أنا أتعجب وأقول: واغوثاه، من أين علمن بي؟ قال في غير هذه الرواية، فقلن لي: نحن آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وهؤلاء من الحور العين. واشتد بي الأمر، وإني أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم، وأهول مما تقدم، فبينما أنا كذلك، إذ بديباج أبيض، قد مُد بين السماء والأرض، وإذا بقائل يقول: خُذاه عن أعين الناس. قالت: ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء، بأيديهم أباريق من فضة، ثم نظرت، فإذا أنا بقطعة من الطير قد أقلبت، حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزّمرّد، وأجنحتها من الياقوت، فكشف الله عن بصري، فرأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات: علما بالمشرق، وعلما بالمغرب، وعلما على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض، فوضعتُ سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وشرف وكرّم، ومجّد وعظّم”.
الدفتر الذي نقلتُ منه هذه الفقرة يشتمل على 37 صفحة، وهو مكتوب بخط الفقيه الذاكر محمد بن محمد ابن الهاشمي رحمه الله، وأتم كتابته في متم مارس 1966.
مصطفى حجاج