في لقاء مع الأديبة كريمة دلياس، كاتبة قصص الأطفال : الكتابة للطفل مغامرةٌ كبرى لا تتأتى لأيّ كان
جريدة الشمال – حاوَرها : عبد الله بديع (الكتابة للطفل مغامرةٌ كبرى لا تتأتى لأيّ كان )
الجمعة 19 فبراير 2016 – 17:21:53
• كريمة دلياس من بين الأسماء المتخصصة في أدب الطفل التي تشارك، بدعوة من وزارة الثقافة إلى جانب أسماء كل من العربي بنجلون وحليمة حمدان والزهراء الزريق وأحمد العمراوي، في البرنامج الموجه إلى الطفل ضمن فقرة “أدباء يقرؤون” في إطار فعاليات الدورة الحالية (الـ22) للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. وتأتي هذه الدعوة بالنظر إلى الأعمال التي قدمتها دلياس لهذه الفئة العمرية، إذ سبق للوزارة ذاتها أن نشرت لهذه الأديبة والشاعرة سلسلة من القصص. التقينا كريمة دلياس بمناسبة هذا هذه التظاهرة التي تنظمها وزارة الثقافة في مثل هذا الموعد كل سنة بالدار البيضاء، وأجرينا معها الحوار التالي:
كيف تلقت كريمة دلياس هذه الدعوة؟ وما طبيعة الفقرة التي من المقرر أن تشاركي فيها؟
باعتبارها مؤسسة قوية وداعمة في الحقل الثقافي المغربي، خلقت وزارة الثقافة، في السنوات الثلاث الأخيرة، فضاء للطفل بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالبيضاء. وتحرص الوزارة، من خلال هذا الفضاء، على تقديم برامج مفيدة ومسلية للطفل عبر ورشات جديدة ومتنوعة تنمي قدراته وتطوّر مهاراته في مختلف المجالات الفنية والأدبية.
ومن خلال تجربتي السابقة في تنشيط ورشة الحكي بالدورة الـ20 من هذه التظاهرة، أحبذ هذه المبادرة الخلاقة والناجحة؛ لأنها تصالح الطفل مع الكتاب، وتشجعه على الإقبال على القراءة بحب وشغف كبيرين، خاصة أنها تخلق هذا التواصل المباشر للطفل مع الأدباء والفنانين؛ فلا تتصور درجة الفرحة في قلوب الأطفال ومدى تأثرهم بالمنشطين وتفاعلهم مع مختلف الأنشطة بحيوية وذكاء مذهلين، تبقى محفورة في وجدانهم وتترك لهم طاقة إيجابية واعدة على المدى البعيد.
وكأديبة، أتلقى الدعوة الكريمة للوزارة لي بكل فرح ومحبة للمشاركة أيضا بورشة حكي هذه الدورة، إلى جانب فنانين وأدباء مميزين.
كيف نبع لدى كريمة دلياس التفكير في التوجه إلى حقل الكتابة للطفل؟ ومتى بدأ اشتغالك ضمن هذا الميدان؟
تعدّ السلسلة القصصية للأطفال “الصعود إلى القمة” الصادرة عن وزارة الثقافة لهذا العام (وتتضمن سلسلة قصص الأطفال: الفيل والنملة/ مغامرات السنجاب سنجو/ أمانة ذئب/ الطائر الحر/ دهشان ودحشان/ الفأرة المغرورة/ تاج السلام) هي باكورتي الأولى، خضت بها مضمار الكتابة للطفل سنة 2008.
تعلم أن بداخل كل واحد منا طفلا قابعا في أعماقه؛ إما أن يبقيه مسجونا فيه أو يحرره من قيوده. وقد أطلقت سراح هذه الطفلة المشاغبة التي لم تكبر بعد، ويدفعها الفضول إلى اكتشاف عوالمها الطفولية التي بقيت محفورة في الذاكرة والوجدان، وكذلك اكتشاف عوالم الطفل وعلاقته بالأشياء والوجود، من خلال استثمار كل هذه الروافد من ترسبات الذاكرة والمحكيات المأخوذة من التراث الشعبي العربي والعالمي ومن الواقع المعاش، وإضفاء عليها جانب من خيال الكاتب لإخراجها بحلة جديدة تساير العصر الحديث.
وقد جاء هذا الاختيار عن طواعية ومسؤولية لتقديم الجديد والممتع للطفل ترسخ في روحه القيم الجميلة والسلوكيات العالية. كما أراهن شخصيا على الطفل المثقف والمبدع الذي سوف يحمل مشعل الغد. ولإعداد وتنشئة هذا الجيل الجديد من الأطفال المبدعين والمثقفين، يجب أن نفترش لهم أرضية خصبة للخيال تكون ركيزة أساسية لهم ورافعة قوية وداعمة للقراءة، تفتح لهم آفاقا جديدة للحلم والإبداع. إن الكاتب كالزارع والفلاح والأطفال كالأشجار يجب أن نغرسها في تربة خصبة ونسقيها من ماء الحياة حتى تعانق بشموخها عنان السماء وتعطي ثمارها في عشرين سنة على الأقل. قد لا يعيش الزارع هذه المدة؛ لكن يأمل أن يضمن لأبنائه ووطنه غدا أفضل.
كل هذه الأسباب تجعلني أختار الكتابة للطفل بعزيمة وقوة المؤمن بالتغيير من الجذور وبعمق الحياة الراقية في عالم أجمل.
لكن ألا ترين أن النظرة إلى الكتابة للطفل في أوساط الساحة الأدبية المغربية ما زالت مشوبة ببعض الازدراء والانتقاص؟
يجب ألا نسقط في خطأ تعميم فكرة أن الكتابة للطفل تشوبها نظرات الازدراء والانتقاص. شخصيا، أنا ضد هذه الفكرة الرائجة؛ لأنها في الأساس فكرة مغلوطة، ولأنني ناقشت عددا من الكتّاب الذين حاولوا الكتابة للطفل أو أبدوا رغبتهم في خوض هذا المضمار؛ لكنهم وجدوا صعوبة في الوصول إلى تفكير الطفل وتلبية ميولاته الإبداعية. إنها مغامرة كبرى لا تتأتى لأيّ كان.
ماذا عن الحضور النسائي ضمن الكتابة الموجهة إلى الأطفال في المغرب؟
الكتابة للطفل غير قابلة للتصنيف من ناحية مقاربة النوع، وإلا ستفقد الكتابة رونقها وهدفها الجميل إذا قبلناها كسلعة خاضعة لمقياس سوق العرض والطلب. إذا توفرت في الكاتب، سواء كان رجلا أو امرأة، شروط الكتابة للطفل مع احترام ذكائه وذوقه فهذا جيد.
شخصيا، لست مطلعة على جميع الأعمال الخاصة بأدباء الطفل المغاربة؛ لأنني أعلم أن غالبية الكتب لا يتم نشرها على نطاق واسع، والكتب التي أجدها في المكتبات وأسواق بيع الكتب تكون في معظمها نمطية ومكرورة لا تأتي بالجديد. ولا تصل الأعمال الجيدة بالشكل المطلوب إلى الطفل القارئ. هذه مفارقة عجيبة لا أجد لها أي تفسير. ويبقى السؤال مطروحا هنا: كيف السبيل لضمان كتاب جيد لقارئ جيد في كل نقط البيع بالمغرب؟
يفرض الأدب الموجه إلى هذه الفئة العمرية الحساسة على الكاتب الخضوع إلى جملة من القيود والضوابط واستحضارها؛ أهمها اللغة والأسلوب والموضوع… فكيف تعالج كريمة دلياس هذه الجوانب؟
ينبغي ألا نضع، منذ البداية، حواجز من أجل الكتابة للطفل، لأن هذه الحواجز تكون عائقا حقيقيا أمام الإبداع؛ بل يجب، أولا، إيجاد أفكار ومواضيع مناسبة للكتابة حسب الفئة العمرية للطفل. ومن ثم، يجب اختيار الأسلوب المناسب للكتابة؛ وهي عملية مهمة للغاية، لأنه يمكن أن تجلب الطفل أو تنفره من القراءة. ويأتي بعد ذلك تطويع اللغة، لتكون منسجمة مع الأفكار والأسلوب المتخذ؛ وهي تداريب تدريجية يجب أن يخوضها المبدع الشاب، حتى يصقل عمله الإبداعي بتفان وحب كبيرين.
من خلال تجربتك في ميدان الكتابة للطفل.. فما مقومات نجاح العمل الموجه إلى الطفل، سواء أكان شعرا أم قصة؟
من شروط ومقومات نجاح العمل الموجه إلى الطفل هو أولا أن تحترم ذكاءه، وتضع بين نصب عينيك أن الطفل متلق جيد وقارئ ذكي ومشاغب يستعمل حواسه الخمس لإدراك المضمون، ولا يعطل عقله الخصب في التحليق بأجنحة الخيال إلى مضمون النص، وتوقع منه أيّ سؤال يطرحه عليك، قد يفاجئك في أغلب الأحيان بأسئلة قوية نافذة إلى العمق. كما يجب احترام مقومات الكتابة لكل نوع أدبي، سواء أكان شعرا أو قصة أو مسرحا أو سيناريو..
ويجب كذلك أن تكون الكتابة متجددة في مياهها، عميقة في بواطنها وأن لا تكون نمطية ومقلدة للغير.
إلى جانب الكتابة للطفل وبموازاة معها، تشارك كريمة دلياس في ورشات الحكي… فكيف تقيّمين هذه التجربة؟
أنا جد سعيدة بتجربتي في تنشيط ورشات الحكي للأطفال عبر المؤسسات التعليمية والثقافية. وقد عشت أرقى اللحظات معهم، لأنني اكتشفت ذكاءهم المذهل وتجاوبهم الجميل مع شخوص الحكاية، وسرعة بديهتهم في إبداء الرأي وإعطاء الأمثلة الشعبية حول مغزى النص. وفي بعض الأحيان، يأخذهم الخيال الواسع إلى استباق الأحداث وتخيل تتمة الحكاية بشكل عفوي وجميل.
بكل صراحة، أعجز عن وصف هذا الشعور الإنساني المتدفق من أعينهم، تكفيني فقط الابتسامة المرسومة على شفاههم وتعابير الشكر والامتنان التي يبدونها نحوي في آخر كل ورشة.
ولكن تجربتي الأولى لم تكن عبر الكتابة وورشات القراءة المباشرة للطفل، بدأت الانفتاح على الأنشطة الثقافية في قلب الثانوية الإعدادية التي كنت أدرس بها، وانخرطت في تجربة خاصة مع تلامذتي وتلامذة المؤسسة في ورشة الرسم لمدة ثلاث سنوات متتابعة.
ولا أخفي سرا إذا قلت لك إن هذا العمل الفني كان نابعا من إحساسي بضرورة خلق متنفس جميل للأطفال يمتص السوداوية التي طغت على قلوبهم وتفتح مخيلتهم على التفكير في طرق إيجابية تنسيهم قساوة العيش على الهامش وبعض الحرمان الذي يرتسم على ملامحهم البريئة.
وقد أدهشتني التجربة مع أطفال موهوبين رائعين ما زلت أحتفظ بأعمالهم، بعضهم أخفق في الدراسة لأسباب اجتماعية محضة؛ لكنهم أبانوا كلهم عن حس فني راق وحنكة عالية في الرسم. وحز في نفسي جدا ضياع هذه الطاقات اليانعة لتعصرها الحياة في دوامة بائسة جدا، لعدم وجود من يحتضن موهبتهم الخامة.
وأؤكد لك أننا نستطيع أن نضخ دماء جديدة في شرايين الإبداع باحتضان أبناء المدارس إبداعيا وخلق لهم ورشات ومسابقات على المستوى الجهوي والوطني تخصص لها ميزانية خاصة من الدولة والمجتمع المدني لكي نسهم جميعا في بناء مغرب ثقافي معاصر يليق بعبقرية أجياله.
تركّزين في أعمالك المنجزة، إلى حد الآن، على نمط واحد ومحدد من أنماط القصة الطفولية: القصة الحيوانية.. فهل هذا التركيز نابعٌ من وعي مسبق وتخطيط مدروس؟
سؤالك جميل ومهم انبسطت لطرحه لما له من أهمية في الاختيار والتوجيه. لماذا القصة الحيوانية؟ سأذكرك بقصة الغراب مع قابيل الذي قتل أخاه هابيل وهي مذكورة في القرآن الكريم، الغراب هو أول حيوان يلقن الإنسان على وجه البسيطة درسا مهما ألا وهو كيف يكرم الميت بدفنه، حيث ندم قابيل على قتل أخيه هابيل وقال باستشهاد من القرآن “يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين”.
أعتبر الحيوانات مدرسة للإنسان، ومنها أتعلم دروس الحياة، ولك أن تشاهد حياة البراري للحيوانات عبر القنوات الفضائية لتستخلص الدروس الجميلة والعبر الجمة. إنها مثال في الإنسانية الراقية التي فقدها الإنسان ومثال في الوفاء والإيثار والتعايش والتسامح. على الأقل لا يأكل الحيوان حيوانا من نفس فصيلته، وهناك حيوانات تعطي دروسا في الأمومة وتتبنى حيوانات صغارا مختلفة عنها شكلا ومضمونا في أسلوب الحياة ونمط العيش.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحيوان يبقى هو الأقرب إلى ذهن الطفل، ويتعامل معه بسهولة وحب وعفوية. ومن ثم، يسهل تمرير الرسائل عبره لكي تشبع خياله وفضوله، وتغذي فكره الفتي.
يُضمّن بعض الكُتّاب العرب والمغاربة في القصص التي يقدّمونها للأطفال الحكايات الغريبة المستوحاة من التراث الأجنبي… ألا ترين أن هذا النمط من القصص لم يعد يغري الكثير من الأطفال في الوقت الراهن؟ ثم ألا ترين أنه يشحن عقول الأطفال بالفكر الخرافي عوض تنمية الخيال وإذكاء شعلة الذكاء لديهم؟
الفكر الخرافي هو نوع من الخيال تربينا عليه جيلا بعد جيل، وهو ليس منهلا من التراث الأجنبي فقط، لدينا أيضا فكر خرافي عربي وأمازيغي. بل كل مجتمع له فكر خرافي وهي تدخل في الثقافة المحلية والموروث الشعبي الذي كان في زمن ولى، هذه المكونات المختلفة ومتعددة الروافد كانت في زمن سابق تحكيها الجدات للأحفاد. هذا لا يعيب الكاتب في استخدامه، لكن أعيب طريقة توظيفه لهذا المعجم الخرافي. الكاتب الذكي هو الذي يستثمر هذه الروافد ويعرف كيف يوظفها توظيفا سليما وهادفا يرقى بها إلى مستوى تطلعات الطفل المعاصر لجيل الحداثة ويضفي عليها بصمته الخاصة.
وأنا معك في الرأي إذا كنت تقصد بسؤالك أنه ليس هناك تطوير في الكتابة للطفل يحترم ذكاءه وعقله النجيب، توقظ فيه جذوة الفضول والإبداع. وهذا ما أشرت إليه في جوابي عن سؤالك السابق، ويعتبره الكاتب في هذه الحالة الطفل الحلقة الأضعف، يمكن أن يمرر له أي شيء من أجل التسويق لأهداف تجارية محضة، لا تمت صلة بالإبداع الراقي والهدف النبيل.
يعمد بعض كتّاب أدب الطفل في المغرب، ومنهم كريمة دلياس- كما يسجل القارئ المتتبع لأعمالك الموجهة إلى الطفل، إلى تلافي شكل النصوص شكلا تاما… ألا ترين أن هذا الغياب يعيق استيعاب النص من لدن الطفل المغربي، بحكم / بالنظر إلى صعوبة اللغة العربية على هذا المستوى؟ أو بتعبير آخر: ألا يؤثر هذا الغياب على درجة تلقي الطفل للعمل الأدبي واستيعابه؟
بالنسبة إلى سلسلتي القصصية للأطفال “الصعود إلى القمة” فهي موجهة إلى الفئة العمرية ما بين 8 و12 سنة. قد تكون بعض الصعوبات في القراءة بالنسبة إلى المستويين الثاني والثالث ابتدائي؛ لكن ابتداء من المستوى الرابع ابتدائي يجد الطفل سهولة في القراءة والاستيعاب، لأن النصوص مكتوبة بلغة بسيطة وواضحة على الرغم من غياب الشكل. اعتمدت على شكل بعض الكلمات فقط. لكن أخذت على عاتقي في الأعمال المقبلة شكل النصوص لتكون مقروءة أكثر.
تحرصين على تطعيم قصصك بكلمات وألفاظ فصيحة وذات درجة لغوية عالية لا تتوافق مع طبيعة فكر هذه الفئة العمرية (من قبيل: جوهر الأشياء/ الهديل/ النعيق/ كآبة/ لا يعكر صفوها/ كشّرت عن أنيابها/ عيناه جاحظتان/ الوارفة الظلال…، على سبيل المثال).. فما الغاية المتوخاة من وراء هذا التوظيف؟ ثم ألا تخشين الوقوع في الغموض؟
لا أرى غموضا في توظيف هاته الكلمات؛ لأنها موجهة إلى الفئة العمرية المتوسطة. وقد حاولت أن أبسط ما أمكنني الكتابة لتكون سلسة وسهلة؛ لكن التبسيط بالنسبة إلي لا يعني أن نفرغ اللغة من حمولتها الفكرية وأن نفقر النصوص لتصبح ركيكة للغاية، وإلا لن نخرج من قالب التعليم التربوي الممنهج. لذلك، حاولت أن أطعم القصة بمرادفات يمكن أن تزيد من المخزون المعرفي للطفل، وتحثه على فضول البحث والسؤال. القصص التي كتبت يقرأها الآباء لأولادهم ابتداء من سن الثالثة يحكونها لهم سمعيا كما أخبروني مستأنسين بالصور.
وقد تابعني عدد لا بأس به من الأطفال دون سن الخامسة في ورشات الحكي ووجدت تجاوبا جميلا من طرفهم. المهم هو وسيلة التواصل لإبلاغ المضمون. كما كنا في طفولتنا نقرأ قصصا متنوعة مصاحبين بالمنجد، نشرح كل كلمة لم نستطع استيعابها، بهذه الطريقة وبمجهود فردي وتحفيز ذاتي محض كونا لغة لا بأس بها.
وعموما، سأصاحب القصص المستقبلية بشرح لبعض الكلمات الجديدة في آخر كل صفحة، لأنني انتبهت إلى ذلك بعد صدور العمل.
من خلال اطلاعك على تجارب الرواد في أدب الطفل في المغرب، فما هي التجربة التي نالت إعجابك؟
لا أقتصر على القراءة المحلية، وأنفتح منذ صغري على القراءة المتنوعة لكتاب من جميع الأجناس ولا أحب التحيز لكتاب دون غيرهم، قد تعجبني بعض النصوص لبعض الكتاب وتترك أثارها في روحي، وهذا لا يعطيني الحق لكي أختار كاتبا دون غيره. لكن إذا أردت أن تعرف الكاتب الذي حفر عميقا في وجداني ووشم مخيلتي الطفولية بمداد من ذهب وأبهرني بأسلوبه الجميل والذكي فهو ابن المقفع، كان دائما يترك أسئلة قلقة عالقة بذهني كلما قرأت له قصة.
يختار عددٌ محدود من الكتّاب المتخصصين في أدب الطفل، سواء في المغرب أو خارجه، الشعر وسيلة للتواصل مع هذه الفئة العمرية في وقت يفضّل فيه كثيرون منهم الكتابة القصصية والنثرية؛. ما المبررات التي تقف وراء هذه الظاهرة في نظرك؟ ألا تفكر كريمة دلياس، باعتبارها شاعرة، في إخراج أعمال شعرية خاصة بالطفل؟
كل كاتب له حق اختيار أسلوب الكتابة شعرا أو حكيا حسب ميوله الشخصي. أعتقد شخصيا أن الطفل يميل أكثر إلى الحكاية. قد ينفر الطفل من الشعر، لكنه لا ينفر من القصة. إنها تمثل عالم خياله، فيها يجد ضالته، يتابع شخوص الحكاية بسهولة واستيعاب أكثر لما تمتلك من سحر التشويق والمتعة. والشعر يتطلب مستوى عاليا من الإدراك، هذه الميزة لا تكون عند كل الأطفال. وشخصيا إذا كنت سأجرب الشعر، أحبذ كتابته على شكل قصة مصورة، هكذا تكون المتعة والإفادة مزدوجة.
يسجل المهتمون اختفاء المجلات الموجهة إلى الطفل وفشلها في تحقيق الاستمرارية داخل سوق النشر بالمغرب، مع العلم أن مجلات مشرقية تحقق نجاحا متواصلا داخل هذه السوق.. فكيف ترين هذه المفارقة؟ وما الإستراتيجية التي ترينها– في نظرك- كفيلة لضمان نجاح منبر إعلامي مغربي خاص بالطفل، على غرار المجلات النسائية والرياضية…؟
المجلات المشرقية الخاصة بالطفل لها ما لها وعليها ما عليها. ليست كلها ذات مضمون جيد يرقى إلى مستوى ذكاء الطفل وتطلعاته المستقبلية، ولديهم ميزانية خاصة للترويج في الأسواق العربية، قد تحقق انتشارا واسعا؛ لكن لا أعرف مستوى نجاحها في المبيعات ووصولها إلى القارئ الصغير. هنا، تكمن المشكلة الحقيقية التي تتمثل في ضحالة نسبة المقروئية؛ لأن الشعوب العربية لا تقرأ، ولا تشجع على القراءة في البيت والمدرسة وفي المرافق الحياتية المختلفة. كما أن هناك أسبابا أخرى مرتبطة بالوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة التي يختارها الطفل للترفيه عن نفسه تنافس الكتاب والمجلة. لو كان الآباء والمربون يهدون كتبا لأطفالهم في مناسبات أعيادهم الشخصية وفي مناسبات أخرى مختلفة ويتركون لهم فرصة اختيار كتبهم بأنفسهم حسب ميولاتهم الشخصية، لتربى لدينا جيل قوي وعبقري يتنافس على القراءة والإبداع. إن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف نربي في فلذات أكبادنا بذرة شغف القراءة منذ الصغر؟
وفي غياب إعلام لترويج الكتب والمجلات عبر الوسائط السمعية البصرية وفي القنوات الفضائية خاصة بالطفل، يبقى الكتاب رهين الرفوف يعتقله الغبار في الأقبية المظلمة وعلى الرصيف..