22ـ في أعماق لَـيْلٍ
(تخييلٌ بلا مناسبة)
…….
كان يهيئُ نفسه لحدَث لا يستطيع استبعاده، أو حتى تأجيله، بينا كان علمُه بما سوف يأتيه يزداد رسوخاً، وأن خروجه الهادئ لن يتم ما لم تدمر كل اسباب الحياة فيه، ولكي تتم سعادته المقبلة بكل ذلك، عليه ألا يسبق الفرح، فحتى يسهل انسحابه مما يطوقه به هؤلاء الذين أكثروا من وقوفهم قريباً من أريكته حين يكون جالساً ، أو من رؤيته إياهم وهم يجلسون ملتفين حول فراشه، ناظرين إليه في إشفاق خفي، ولكنه يعلم في قرارة نفسه أنهم إنما يؤدون بعض طقوس مندوبة، وذلك كان يلح عليه ، فيقنع نفسه بالتمسك بمزيد من الاكتئاب غير الظاهر، بينا يعد نفسه لفرح يعلم بيقين أنه سيكون على غير مثال سابق، حتى وهو يتخلى عن الاستيقاظ في الصباح التالي، إلى رؤية ما يشبه شمساً ضوؤها لا يصدرعن نار شموس زمانه الهارب ، تلقي بسحر مباهجها بين يديه ومن خلفه ،وتحت خطواته ومن فوقه، بينا هو يغادر عالماً ضاق عن حقٍّ بكلِّ ما كان يضج به من جوْرٍ متعدِّد الوجوه، وأشكال تلف لا تتوقف، وأفظع تلك الوجوه أن تقضي إرادة مجهولة أن يكون الفناء مآل كل حيٍّ فيه، ولهذا استعجل الذهاب ممتلئاً بمزيد من الكآبة والتعاطف مع كل من لا يزال يكرهُ على مزيد من الإقامة فيه، مؤمناُ أن من خلق أحلام الطفل لم ينصف كل حالم حين ينفيه بعد مدة قد تطول أو تقصر ، إلى مهاوٍ فاغرة في أعماق ليل، على طريق مدلهم الظلام، مكفهرِّ الآفاق، لا صوت فيها يدعو ، ولا رُؤَى يكشفها دليلٌ..
ـــــــــــــــــــــــــــ
23ـ معاشرة
امتدَّتْ يدُه نحوها، فجاءَهُ صوتُها:
ـ كُفَّ عن مضايقتي.
فصدم ذلك من كان يمكن أن يسترق السمع إليهما ، وهما غارقان في عشهما الزوجي، في ليلة قارسة البرد، لا دفءَ يُرجى فيها أعذبَ من دفء حبٍّ أصبح يحس أنه بات شبيهَ سرابٍ في صحراء ليله. وتصوَّر نفسه وقد جأر نادباً حبَّه الذي كان، وهي تُعلن الآن فركَها إياه ،أنه لن يصدِّقه أحدٌ، كما أن أحدً لا يمكنه أن يلومها أيضاً، وفي ذلك جحيم مأساته: تلك التي يراها الناس نعيمه الداخلي….
ثم جعلها دُبُرَ أذنه، مستقوياً بمن أمره أن اهجُروهن في المضاجع ، ومرَّتْ ليلةٌ أخرى ازداد بردُها بنكرانها أنها لم يسبق أن قالت شيئا يعبر عن تضايقها منه، فأصر على عقابها بالهجر، وإن كان يضمر أنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا.
ومع ساعت الصباح الأولى أحس دفء يدها ، فتخلَّص بسرعة منها، وهو يعلن أنه لن يعود إلى ما تدعوه إليه لمستُها الحانية، منسحباً إلى شؤون يومه ، لكن مع ضحى اليوم نفسه، كان يسألها مستغيثا عن أي نوع من البامبرز يستطيع أن يرد به رجلٌ كبيرٌ سائلاً لم يتوقف بين أعضائه السفلى، لتقول متشفيةً:
ـ ذاك ما كنت تريد.
أحمد بنميمون