كتاب لابد من قراءته في الزمن الانتخابي.
الخميس 06 أكتوبر 2016 – 17:38:46
· كتاب ” الأحزاب السياسية المغربية (1934-2014)” وضعه مؤلفه ذ. محمد أديب السلاوي، من أجل هذه اللحظة المشحونة بالصراعات الحزبية، حيث يؤسس المغرب لمرحلة جديدة من حياته السياسية.
· إنه قراءة تاريخية للأحزاب المغربية، من الضروري لكافة الناخبين والمنتخبين الاطلاع عليها والتمعن في تفاصيلها، من أجل إنارة طريق المعرفة أمامهم.
· في العرض التــالي، يقدم لنا الدكتور الجلالي الكدية مضامين هذا الكتاب في قراءة أكـــاديمية هــادئة وهادفـــة.
*******
الأحزاب السياسية المغربية : نافذة واسعة على أفكارها وصراعاتها :
بعد معايشة الأحداث و الاحتكاك المباشر بالأحزاب السياسية المغربية، و بعد التأمل الطويل في مساراتها، بعد التنقيب العميق و القراءة المتأنية لعدد هائل من الكتب و المجلات و الصحف، كما تشهد على ذلك البيبليوغرافيا التي اعتمدها، قرر المفكر محمد أديب السلاوي أن يمنح كتاب “الأحزاب السياسية المغربية” شهادة الازدياد. إنه المولود الجديد الذي سيترك لا محالة بصمة عميقة على المشهد الثقافي و السياسي المغربي، و سيصبح مرجعا لا غنى عنه لكل مهتم بالشأن الحزبي و السياسي في المغرب.
هذا الكتاب يؤرخ لفترة طويلة، حوالي ثمانية عقود من الزمن، أي منذ ولادة أول حزب سياسي مغربي إلى يومنا هذا. محمد أديب السلاوي – الشاهد على عصره و صاحب الفكر الموسوعي – سبق له أن أصدر كتابا بعنوان “المشهد الحزبي في المغرب، قوة الانشطار” قبل عشر سنوات، كما ألف كتبا عديدة في مجالات مختلفة و لازال في جعبته الكثير. و نظرا لمرونة هذا الكاتب في منهجيته المتجددة دوما، فإنه في كل كتاب يختار مقاربة جديدة لملائمة مضمونه، و في كل مرة يفاجئ قارئه بما يكشف عنه من أسرار في موضوع دراسته. في هذا الكتاب أسرار قلما نجدها في كتب أخرى تناولت نفس الموضوع أي الأحزاب السياسية المغربية، سواء بعيون مغربية أو بعيون أجنبية. قد يشترك معها في المعطيات و الوقائع، غير أنه يختلف في الأسلوب و طريقة العلاج و المعالجة. إنه كتاب فريد من نوعه نظرا للموقع الذي يحتله الكاتب تجاه القضايا الوطنية و انطلاقا من الرؤية التي توجهه.
و أخيرًا يفتح محمد أديب السلاوي نافذة واسعة على الحياة الحزبية في بلادنا ليكشف لأول مرة عن خباياها و أسرارها و عن حياة أصحابها و عن أوراقهم السرية التي لم تعد في خزاناتهم الخاصة بعد اليوم. هكذا سيرى القارئ، الخاص و العام، الوجه الحقيقي للذين كانوا يديرون شؤونه الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها. فماذا كان يظهر للجمهور؟ النتائج، و كانت سلبية في معظم الأوقات. و كما يقول المؤلف نفسه: “ما يلمسه الشعب هو بؤس البلاد و العباد… و حالة القهر الحضاري و الثقافي و الاجتماعي الذي يعم البلاد و العباد أيضا.” كان الشعب يعيش هذه الحالة، و لكنه يجهل الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تلك النتائج. و هذه الأسباب التي كنا في حاجة ماسة لمعرفتها هي التي يميط اللثام عنها هذا الكتاب. ما كانت تخفيه الأحزاب و ما كان يروج في دواليبها كان محرما على الشعب. أليست من السخرية اللاذعة و المفارقة الصارخة أن يظل هذا الشعب ممنوعا من معرفة الحقيقة و هو الهدف الأسمى الذي من أجله تأسست هذه الأحزاب و بيدها مصيره؟ ألم يكن من المفروض أن تخدم مصالحه لا مصالحها الشخصية؟ فأي ديموقراطية هذه إذا كان هذا الشعب مغيبا عن العملية الحزبية برمتها؟.
إن القضايا المعالجة في هذا الكتاب شائكة و جد معقدة لأنها محاسبة للذات الحزبية السياسية المغربية، و بالتالي كان لابد لمن قرر الخوض في هذا الموضوع أن يتسلح بأدوات علمية و أخلاقية من أجل الإقناع و الاقتناع، و من هذه الأدوات: الموضوعية، النزاهة و الحياد. من هنا كان لابد من استدعاء المقاربة التاريخية البحتة، و المقاربات السياسية و الفلسفية و الاجتماعية و الأنتروبلوجية و الاقتصادية و الثقافية و الإعلامية للإحاطة بالموضوع من كل جانب لكي تكون شاهدة على ما يقول. هكذا يُخضع الدارس اللبق و المسؤول الأحزاب السياسية و أصحابها إلى التشريح الدقيق لكي يشخص أمراضها و نقائصها. و بالتالي يمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة مختبر علمي يفحص و يحلل جسد الأحزاب السياسية المغربية بأدوات علمية لا تترك مجالا للشك للتعبير عن المسكوت عنه بدون حرج و لا خوف .
و ذلك من أجل تعرية واقع الأحزاب السياسية المغربية و ليس بهدف نشر الفضائح، بل من أجل الحقيقة أولا و أخيرا. بشفافية و وضوح و رغبة في إصلاح ما يمكن إصلاحه، يباشر الباحث عمله معززا بروح وطنية عالية مدفوعا بالغيرة على هذا الوطن العزيز و على مقدساته. و بروية يمهد الكاتب الطريق لتحليله بإضاءات واقعية، بكرونولوجية الأحزاب، بنشأتها و عرض المعلومات الكافية عن مؤسسيها، عن ركائزها و ظروف ولادتها، عن صراعاتها، عن إنجازاتها و إخفاقاتها. تلك، إذن، هي المعطيات الحقيقية التي يبني عليها المحقق عمله كي يكون منطقيا، نزيها و مقنعا. و بناء على هذه المعطيات ينطلق محمد أديب السلاوي في التحليل و التفكيك و إعادة البناء لكي يقدم الصورة الكاملة للمشهد الحزبي في المغرب.
دائما في حُـدود الموضوعية و الأمانة العلمية يبرز الكاتب تلك الجوانب الخفية، تلك الزوايا المظلمة للأحزاب فيسلط الضوء عليها ليصبح الغابر ظاهرا للعيان، فيأتي تعليقه معززا بالمعطيات التاريخية، بآراء الخبراء و الباحثين الأكاديميين و بالحجج القاطعة دون مجاملة أو نفاق أو تمييز بين هذا الحزب أو ذاك. لقد ظلت تلك المناطق الخفية محرمة على من يهمهم الأمر أولا و أخيرا، و هم أبناء الشعب، و لوقت طويل.
لكن التــّاريخ لا يَـرحم، فطالَ الزمن أم قصر ستظهر الحقيقة. ذلك، و كما يقول الكاتب “لأن تاريخ المغرب ستبقى على شاهدة قبره كثيرة من علامات الاستفهام التي تبحث عن أجوبة لا تحابي أحدا، و إنما تقول الحقيقة كاملة دون محاباة أو خوف أو نفاق، للبحث عن الحقيقة الراقدة في الذاكرة السياسية لبلادنا.”
أجل، لقد انعكست مشاكل الأحزاب و تصرفات أصحابها على الواقع المغربي الذي عاش سلسلة من الأزمات في جل الميادين، فكان الغموض سيد الموقف. أوكلت مسؤولية إدارة شؤون البلاد إلى من يقود الأحزاب السياسية و أيضا إلى السلطة، لكن النتيجة لم تكن كما كان يتوخاها أو يطمح إليها الشعب. ما دفع الباحث محمد أديب السلاوي إلى الخوض في هذا الموضوع ليس وصف أو سرد الأحداث كما بدت للعيان، بل كان همه هو استنطاقها و تحليل الأسباب التي أدت إلى الأزمات المتتالية بكل صدق و أمانة.
و من بين تلك الأسباب المتعددة التي يعرضها في هذا الكتاب و ما يمكن اعتبارها أم الأسباب التي تفرخت عنها جل المعضلات هي غياب المبادئ الأخلاقية، إذ بدونها لا يمكن للسياسة أن تستقيم، كما يؤكد الكاتب نفسه على ذلك، مضيفا: “أن الفضائح المالية و الاقتصادية و السياسية تطفو على واجهة المشهد الوطني المغربي” و “هو ما يعطي الدليل القاطع على أن إدارة الشأن العام…قد تعرضت إلى انتهاكات أخلاقية من طرف الفاعلية السياسية.”
ما يتَميَّز به “محمد أديب السلاوي” في هذا الكتاب ليس كونه ينطق بلغة الوقائع فقط بل، و على الخصوص، لأنه يتبنى منظورا مزدوجا و ذو حدين: ينظر من الداخل و من الخارج إلى تلك الظواهر معززا بروح الغيرة على هذا الوطن. من هنا يستمد كتاب “الأحزاب السياسية المغربية” فرادته و جدته و اختلافه عن الكتب الأخرى التي تناولت نفس الموضوع، خصوصا منها تلك التي ألفها الأجانب. قد تستهوينا مقولة “كما يرانا الآخرون” في موضوعيتها البحتة، لأن الرؤية من الخارج قد تبرز لنا ما لا نراه بحكم العادة، و لكن ما ينقصها هو روح الغيرة على البلاد و على تراثها و دينها و ماضيها المجيد، و هي روح لا تنبض إلا في عروق مواطن غيور يحمل هم الوطن منذ ولادته و الذي تشرب المواطنة الحقة من آبائه و أجداده. و إذا ما وجدت هذه الرؤية المزدوجة: من الداخل (معايشة الأحداث روحا و عقلا)، و من الخارج بمعنى اتخاذ مسافة بيننا و بين الموضوع المدروس، أي الرؤية المسلحة بالنزاهة و الحياد و الموضوعية، فهذا لعمري ما يميز محمد أديب السلاوي و ما يجعل من كتابه حول الأحزاب السياسية المغربية وثيقة تاريخية و سياسية فريدة من نوعها.
في هذا السيـاق، و بعد تشخيص إشكالية الأحزاب في بلادنــا، سؤال جوهري يفرض نفسه، و طبيعي أن يتوقعه القارئ، و هو: هل من مخرج لهذه الإشكالية؟.
و هذا نلاحظ أن مؤلف هذا الكتاب لا يتوقف أو يكتفي بالتحليل و التشخيص لما أصاب الأحزاب السياسية من علل، بل من منظور مفكر واقعي صارم و ذي رؤية مستقبلية و روح متفائلة، يؤمن بأن لكل مشكل حل، فيرى أن الإصلاح ممكن و أن الأمل في تحقيق الديمقراطية ليس مستحيلا.
و هكذا تـأتـي الإضاءة السابعة والأخيرة التي عنونها ب “الحزب السياسي المغربي… و الإصلاح الممكن” حيث يلخص التطورات الجديدة في الحقل الحزبي، و يشدد خصوصا على أهمية وضع قانون جديد لتأسيس و تنظيم الأحزاب السياسية و الآمال المعقودة عليه في عهد جلالة الملك الشاب محمد السادس نصره الله. يقول محمد أديب السلاوي :
“إن جلالة الملك الشاب أكد في أكثر من مناسبة امتلاكه لمشروع واسع و عميق لبناء دولة ديمقراطية عصرية تقوم على العدل و المساواة و توفير الكرامة و المواطنة الكاملة، لذلك ترى العديد من الفعاليات السياسية و الفكرية بالمغرب اليوم، أن قانون تأسيس و تنظيم الأحزاب السياسية، قد جاء في وقته تماما حيث أصبحت مجالات الممارسة السياسية من المواضيع الحساسة، لما تلعبه هذه ‘الممارسة’ من أدوار في التنمية الشاملة و المستدامة، و في ضمان المشاركة و إقرار العمل الديمقراطي و بلورة حقوق المواطنة، حيث أوكل إليها الدستور مهمة نبيلة، تتعلق بتنظيم المواطنين و تمثيلهم، في تدبير الشأن العام، و هي مهمة في منتهى الخطورة و الحساسية، بدونها تصبح الديمقراطية بلا معنى، و تصبح الأحزاب يتحكم فيها أشخاص، قد لا تكون لهم أية علاقة بالسياسة و ثقافتها أو بالسلطة و الحكم و الديمقراطية.”