كلمة حق في سلطان جائر
الجمعة 25 مارس 2016 – 15:40:14
…هو حمزة “الأخ الأوسط” من اثنى عشر إخوة ، لأبناء إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل . من عقبه أولاد الحجوجي و أولاد النوينو و أولاد أبي معزة و أولاد بن الحرايش و أولاد الناصر و عبد الرحمان بن علي بن عمر ، و يخلف أب أولاد البقال ، و حمزة “آخر” بببقاع سوس و آخرون .
كما جاءت بها كل مراجع الأنساب الإدريسية ، مرورا بالمنهج التاريخي ، وهو من علم اليقين ( ما علمه بالسماع و الخبر و القياس و النظر ) . يرجع لقبهم ( البقالي ) إلى يخلف القادم من جنوب المغرب الأقصى ليحطَّ رحاله بمصمودة (وزان) ، قائلا : هل أنا جئت لآكل العشب أي البقل ، فبقي يأكلها إلى أنْ سمي أو لقب بالبقال . لما قضيَ على سلطان الدّولة الإدريسية في القرن الرابع الهجري ، وحتّى لا يتعرّض ما بقي منهم للتصفية و الإبادة ، لاذوا بالفرار و الاختفاء ، حيث كانت ضريبة الاغتيالات السياسية تتعقبهم ، فكان من الصعب بعدئذ على أبنائهم إثبات أنسابهم من “الدخلاء” عليهم . كانت رسالتهم إصلاحية من حسم الصراعات القبلية و السعي في الصلح بين الناس ، و الدّفــاع عن الثُغور المغربية . فينظرون إلى الغاية النظر البعيد .
لما سَلّمَ و تنازلَ أبــو “عبد الله محمد” الشيخ المأمون السعدي سنة 1019ه الموافق ل 1610للميلاد عن ميناء العرائش للإسبان النصارى في صفقة مشؤومة ، لبناء قاعدة عسكرية ( سان ميجيل ذي أولترامار) ،و لتبريرعمله الشنيع، “استأجر” و استنجد ببعض علماء فاس الذين أفتوا بإجازة ذلك . قام بتحريم هذه الصفقة الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن المعروف بالحاج الأغصاوي البقال ، من أولاد الحاج البقال ، (هو ابن خالة المأمون ) نزع و خلع البيعة التي كانت في عنقه للسلطان وهما أيضا أبناء العمومة إذ يلتقيان عند جدهم عبد الله الكامل ، والد إدريس الأول و محمد النفس الزكية جد السعديين و العلويين . فكان مآل الشيخ عند تخليه عن البيعة القتل على موقفه النبيل . تلك كانت كلمة حق في سلطان جائر .نظم الشيخ البقال رسالة قلَّ نظيرها في التاريخ المغربي .من بين أبياتها :
فإن لقيت الله وهو راضي عني لا أبالي… و قال أيضا :الموت سبيل مسلوك للمالك و المملوك…
إذا كان العـالمُ الفقيه العدل يَجهر بكلمة الحق ، ينكرون عليه أصحاب “الحل و العقد” مكانته العلمية و الفكرية ! هذا ما حدث لآل البقال ، حيث حازت هذه العائلة تعظيما و تشريفا لكثرة علمائها و فقهائها و لقيمهم التي تقوم على الهوية الإسلامية . منهم و هم كثر ، علي بن أحمد البقالي ،1111للهجرة ، أيام حكم المولى إسماعيل . أحمد بن علي البقالي الذي استشهد برصاصة دفاعا عن طنجة . تتلمذ هو أيضا على يد العلماء البقاليين الذين أخذوا شعارا : لا أستبعد و لا أعرف و لا أقول . فاحتل موقعه و مقامه العلمي داخل المنظومة المعرفية و قدرته على تخطي الحدود الزمكانية . و من بينهم كذلك علال الحاج البقالي و محمد الحاج البقالي المعروف ب”بوعراقية” و عبد الله الحاج البقالي . و من أقوالهم : لا قيمة لنا إنْ بعنا نفوسنا . و هم قد جمعوا بين العلم و “الولاية” .
في مقال للقاضي يوسف الشلي و بني عمومته بالقصر الكبير و وزان ، تقدموا بشهادة في اتّجاه إنكارهم نسب أولاد البقال لأهل البيت ، حسب علمهم و “يقينهم” . في شهر صفر من العام الهجري 1113 كانت حادثة غريبة ، و هي محاكمة لأولاد البقال ، طعنا في النسب الطاهر للعائلة البقالية ، برئاسة القاضي عبد الرحمان الزلال بتطاون . استنادا إلى تقييدات في كتاب لابن عسكر التي ضمت نزرا من أولاد البقال الذين عاشوا معهم ، لعلهم حكموا على الجماعة من خلال “سلوكهم” . أم لم يحظوا بظهائر سلطانية تثبت نسبهم .
فأتى حُكم “جائر” أصدره قـاضي الشاون ، للعجز الذي أظهرته قلّة من أولاد البقــال لعدم إثبات نسبهم . الشهادة قيلت في مدينة القصر الكبير ، بينما أولاد البقال كنوا يعيشون في أماكن متعددة من المغرب و خارج حدوده . فهذه الشهادة إنْ لم تكن باطلة فهي مشكوك في صحتها ، فلا يؤخذ بها عند الأصوليين ،لاحتوائها عناصر الاستبعاد . إلا أنَّ تقييدات بن عسكر ليست بمثابة عمل فقهي و لا علمي يعتمد عليه (فهو معيب) . و عدم ذكرهم في الدوحة الشريفة ليست حجة عليهم . و من أُغفلَ ذكره لم ولن يعتبر برهانا و سندا ضدهم . المؤرخون يجهدون أقلامهم في استقصاء الحقائق في مجتمعات يغلب عليها الجهل و الأمية . سلطان العلم في مواجهة سلطان الحكم . من صفات “التخلف” القيل و القال و الغلوُّ و النميمة ، فإذا اجتمعت هذه العلامات في مجتمع ما ، اختلطت و طغت فيه الافتراءات على الحقائق ، و تفوَّق أصحاب الرأي و الهوى في تفسير جهالتهم ، استقطبتها طبلة الأذن الأمية . فإذا نظر الفريقان من ينكر على آل البقال نسبهم و من ُيقرُّ و يعترف بهم لآل البيت ، إنْ كانت هي مسألة عرضية فردية .
و مما زادَ الطينة بلّة إنكار بعض “العلماء” لذرية حمزة بن إدريس الثاني ! بل بإجماع العلماء و الفقهاء و المؤرخين قاطبة ، و في جميع المراجع ذات الصلة أنَّ الشجرة الطيبة ل حمزة بن إدريس الثاني ، تفند و تبطل كل الافتراءات التي دفعت بها طائفة من الناس ، جاؤوا به من كتاب بن عسكر أو نحوه . فهو بطلان قطعي و غير ذي موضوع شكلا و مضمونا ، فحمزة قد خلف يقينا أولاد البقال ( كما سبق ذكر أعقابه) مما يثبت نسبهم لإدريس بن المولى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي و فاطمة بنت رسول لله – ﷺ – .
فتاريخ الفكر ينتشر بـالتّـدوين ، وهو العدل الإلهي .
و لله الأمر من قبلُ و من بعد ….