يحتفل العالم، يومه السبت فاتح أكتوبر، بعيد المسنين الذي هومناسبة لتسليط الضوء على قدرة المسنات والمسنين بجميع بقاع العالم على التحدي والصمود في عصريشهد تفاوتات كبيرة، بيئية واجتماعية واقتصادية، فضلا عن التحسيس بضرورة الالتفات، بل الاعتناء بهذه الشريحة الواسعة التي خبرت الحياة في شتى مناحيها، غير أنها بقيت مهمشة، دون الاستفادة من تجاربها وإسهاماتها المتنوعة في العديد من البلدان..
والحق أقول إن الاحتفال بعيد المسنين يبقى مجرد فرصة للاستهلاك السياسي والإعلامي عندنا، بينما ظروفهم مزرية، واضحة للعيان، من خلال ثيابهم وسحناتهم وحركاتهم..نظراتهم الشاردة، وسط غيوم أرذل العمروعزلتهم القاتلة، خلف هوامش الحياة..لافرق إن كان لديهم أبناء أوأقارب أوكانوا “مقطوعين من شجرة”، وفق التعبير الدارجي.ويكفي أن منهم من أودعهم أبناؤهم بدورالعجزة، ليتم الاستنتاج بأن صورة المسنين قاتمة لدينا، تستعصي على تمثيل البهرجة الخادعة في يوم عيد..جراحهم !؟
وفي هذا الصدد، بينت نتائج دراسة حول وضعية الأشخاص المسنين، أعدتها في وقت سابق وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بالمغرب، بشراكة مع المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن هناك تحولات جذرية في البنية الاجتماعية، أصبحت تطغى فيها القيم الفردية على مفهوم الأسرة الموسعة.كما أظهرت الدراسة ذاتها تراجع دورالأسرة على مستوى رعاية كبار السن، مقابل تزايد أعباء الوسط الأسري وبالتالي صعوبة الملاءمة بين رعاية الأبناء والآباء ومتطلبات الحياة اليومية وإكراهاتها التي لاتنتهي ..
أخذا بعين الاعتبارلهذه المعضلة، فقد تمت صياغة البرنامج الوطني المندمج للنهوض بأوضاع الأشخاص المسنين (2021ـ2030) الذي يهدف في مجمله إلى تثمين الرأسمال البشري بمختلف فئاته خاصة فئة المسنين وإدماج حاجياتهم وأولوياتهم في مسارالتنمية، لكن كم من برامج تتعلق بمجالات وشؤون شتى، صيغت هنا ونوقشت هناك وصودق عليها هنالك، ثم مع مرورفترات معينة، يتضح أن الأمورليست على ما يرام، خاصة في ظل تبعات الجائحة، أمورا يروي عنها المسنون والمتضررون والمحرومون من بني وطني حكايات حزينة وساخطة على أوضاعهم التي لاينفع معها “ماكياج” الخطاب الرسمي.. أوشطحات الساسة على خشبة تدبيرالشأن العام، لأن الواقع اليومي للمسنين والمتضررين المفترضين واقع مكشوف، لايمكن القفزعليه، لاسيما أن له حدا فاصلا بين الصدق والكذب.. بين الحقيقة والخيال..
يكفي كذلك ما يشير إليه باحثون مغاربة في علم النفس والمعالجة النفسانية، كوننا صرنا نتعامل مع المسن كشخص هش يجب الاعتناء به ووضعناه محل الوصاية، بدلا من اعتباره خزانا للتجارب والخبرات، مثلما كنا نعتبره ونتعامل معه في زمن مضى .طبعا وهذه الوضعية انعكست على نفسية المسن الذي وجد نفسه يعيش في دوامة وأزمة هوية، تدفع به إلى طرح مجموعة من الأسئلة في خلده، ماذا يمكن لي أن أفعل في هذه الأوقات ؟ هل لي مصداقية في تجاربي وأفكاري لدى الجيل الحالي ؟ أتراني أوفق بين قناعاتي وقناعات هذا العصر.؟ وغيرها من الأسئلة التي تتزاحم في ذهن المسن، فلا تجد ترحيبا بها أوقل إجابة شافية عنها.. وكل عيد والمسنون “يستمتعون”بالخطب الرنانة..
محمد إمغران