محمد أحمد أنقار في سطور
الخميس 26 يناير 2017 – 11:33:10
محمد أحمد أنقار باحث شاب ورصين ينحت اسمه في حَقلِ النقـد الأدبي بـالمغرب، مُتسلّحــًا بكثير من الاجتهاد والأنـاة؛ وهو ما أبانَ عنه ابن مدينة الحمامة البيضاء من خلالِ المَقـالات التي ينجزها حول بعض الأعمال القصصية القصيرة والتي ينشرُها ببعض المنابر الوَطنية بين الفينة والأخرى، وأيضا من خلال القراءات التي يقدمها في ندوات وحفلات توقيع لمؤلفات بعض الكتّاب.
في الآونة الأخيرة، أصدر محمد أحمد أنقار، الذي حصل منذ أواخر سنة 2011 على شهادة الدكتوراه في الأدب المغربي والذي يعمل أستاذا للغة العربية بإحدى الثانويات التأهيلية بالدار البيضاء، الكتاب البكر الذي أنتجه حول “بلاغة التصوير في قصص مصطفى يعلى”.
حول هذا الكتاب وقضايا أخرى ذات ارتباط بالقراءة والمشهد النقدي ومساره العلمي والمهني وغيرها من الجوانب والموضوعات، يدور هذا الحوار الذي أجريناه مع محمد أحمد أنقار:
صدر لك، منذ أسابيع، مؤلف بكر حول “بلاغة التصوير في قصص مصطفى يعلى”… فما السياق الذي جاء فيه هذا الكتاب ؟ يمكن حصر سياق تأليف كتاب “بلاغة التصوير في قصص مصطفى يعلى” في مسألتين، الأولى لها ارتباط بما هو ذاتي؛ فمنذ وعيي بالقراءة واكتشافي متعتها، تزايد شغفي أكثر بالقص والحكي، موثرا إياه عن الشعر وغموضه. فكنت أنسل إلى مكتبة والدي، أنتقي منها ما يروي فضولي. ما زلت أتذكر، وأنا في المرحلة الإعدادية من مشوراي الدراسي، أول مجموعة قصصية قرأتها، هي “أنياب طويلة في وجه المدينة” للكاتب مصطفى يعلى. صحيح أني لم أكن أعي، في تلك السن المبكرة، جمالياتها ومقاصدها؛ بيد أنني أعجبت بسلاسة محكياتها، وجرأة مبدعها. بعدها بسنوات لاحقة، قرأت نصوصا سردية لتوفيق الحكيم وطه حسين ومصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران وغيرهم.
أما المسألة الثانية، فتتعلق بمسيرتي العلمية في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، حيث انشغلت بالسرد، قراءة وبحثا ودراسة خلال سنوات الإجازة بنظامها القديم (أربع سنوات). وفي نهاية مرحلة الدراسات العليا أو كان يعرف بالسلك الثالث بالكلية سالفة الذكر، قررت إنجاز بحث أكاديمي لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة عن قصص مصطفى يعلى؛ فكان هذا البحث مناسبة من أجل الاقتراب أكثر من التجربة القصصية لهذا المبدع، واكتناه أسرارها الفنية والجمالية؛ لكن بعُدّة علمية ووعي معرفي.
هل تعني أن هذا الكتاب يندرج ضمن المشروع النقدي الذي رسم حدوده الأستاذ الدكتور محمد أنقار؟ الرهان الذي حاولت تحقيقه في الكتاب يكمن في الكشف عن العلاقات المحتملة بين إشكال الصورة والتصوير، وبين جنس أدبي عصيّ ومراوغ، هو القصة القصيرة، باتخاذ إبداع مصطفى يعلى نموذجا. أثناء تحليلي للقصص ودراستها استثمرت قدر الإمكان الآليات النقدية التي أرسى معالمها الأديب الدكتور محمد أنقار، من قبيل: الصورة والتصوير والصورة المتوازنة والصورة المختلة والمكون والسمة والسمات التكوينية والتساند والتوتر وغيرها. كما أن الكتاب يضاف إلى عدد من المقالات والدراسات والكتب والأطاريح الجامعية التي انشغلت بإشكال “الصور السردية” بحثاً ونقداً في نصوص تراثية؛ المقامات والنوادر والمناقب والمنامات والرحلات والحكايات الصوفية، وفي نصوص حديثة؛ الروايات والقصص والمسرحيات.
ولا أخفيك سراً بأني لامست حرية أكثر، بل وفعالية في الغوص بين طيات القصص وسبر أغوارها الإنسانية؛ لأن المنهج الذي استندت إليه رحب في إمكاناته وفي مقاصده أيضا. وبتعبير أدق، أسعفني البحث بآليات الصورة والتصوير الابتعاد، ما أمكن، عن العناوين التقنية الجافة والصارمة؛ إذ بمجرد تأمل عناوين فصول الكتاب ومباحثه بإمكان القارئ استخلاص أن أساس عنوان الفصل، ومن ثم، إشكاله النقدي، يبتعد عن صرامة المناهج الآلية التي تتعسف على النصوص، كما يبتعد أيضا عن التحليل المدرسي الضيق. كما أن
رحابة إشكال الصورة والتصوير توافق، إلى حد بعيد، كونية الإبداع وشموليته؟ فمن المعلوم أن الإبداع يسمو بمكوناته ومقاصده؛ إذ بقدر ما ينأى عن الحصر والقيد، فهو ينحو اتجاه التخييل وسعة الأفق. وهذا ما أتاحه لنا الاشتغال ببلاغة التصوير في قصص مصطفى يعلى، بعدم تجزيء القصة الواحدة إلى بنيات مفصولة عن بعضها، وبعدم تحليل مكونات القصة كل على حدة؛ الحدث والشخصيات والمكان والزمان واللغة وغيرها، وكذلك بعدم النظر إلى الصورة القصصية بمنظار الشعر أو الرواية، لأن جمالياتها ودلالاتها، بل وبلاغتها تستمدها أساسا من خضوعها للجنس الأدبي الذي تنتمي إليه.
فعلى سبيل المثال، نعلم بأن كل قصة قصيرة تنبني على مبدأين هما التركيز والإيجاز؛ أي التصوير الجزئي للحدث أو باقي المكونات الأخرى دون الإسهاب في التفاصيل، بيد أن هذين المبدأين لا يسهمان في ضبابية الصورة القصصية أو غموضها، بل يمكن إثراؤها بعوالم حية تتدفق بتساند المكونات فيما بينها، من جهة أولى، وإسهام القارئ نفسه بمخيلته وأحاسيسه، من جهة ثانية.
إلى جانب اهتمامك النقدي والعلمي بالقصة القصيرة، تنكب على التنقيب والحفر في أدب المنامات أو الرؤى… فكيف توّلد الاهتمام بهذا الأدب؟ ثم ما القواسم المشتركة التي تجمع بين الجنسين السالفين (القصة القصيرة والمنامات) على المستوى الجمالي؟ بدأ اهتمامي بالمنامات والمرائي إبان اشتغالي على تحقيق كتاب “المرائي” ودراسته للشيخ محمد المعطي الشرقاوي (1180هـ)، أثناء تهيئ أطروحة الدكتوراه بآداب تطوان؛ فقد اكتشفت جنسا سرديا غنيا بإمكانات فنية، لا يقل شأنا عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى المعهودة والمتداولة، لم يلتفت إليه من قبل الباحثين. بيد أنه لا بد من الفصل بين الأحلام وبين نصوص المنامات.
فالأحلام، بالنظر إلى سيرورتها التاريخية، كثر الحديث عنها قديما وحديثا؛ حيث ألفت مصنفات عديدة تعرف بالأحلام وماهيتها وأصنافها وأوقاتها وأدب تعبيرها وطبقات مشاهير المعبرين. كما أن الاهتمام بهذا الصنف من التأليف نلفيه عند الفقهاء واللغويين والفلاسفة وعلماء الكلام والمتصوفة والأطباء وغيرهم.
أما نصوص المنامات، أو ما يعرف عند أهل الصلاح والولاية بالمبشرات، فهي جنس أدبي قائم الذات، له مكوناته وسماته ومقاصده. ويمكن تصنيف هذه المنامات؛ من حيث حضورها في الكتب، إلى صنفين؛ الأول تنشر بوصفها نصوصا مستقلة، منها على سبيل المثال: “مبشرات” ابن عربي، و”المرائي الحسان” لابن أبي جمرة الأندلسي، و”مرائي” الشيخ محمد المعطي، وكذلك بعض نصوص المنامات التي نشرت في فصول بعض كتب التراجم، “مناقب عمر بن عبد العزيز” لابن الجوزي مثلا. أما الصنف الثاني فنصوصه كثيرة جدا، مبثوثة في عدد كبير من كتب التاريخ والمناقب والفهارس، مثل فهرسة الشيخ أحمد بن عجيبة الأنجري. كما كانت لنا مناسبة التعمق أكثر في هذا الجنس من خلال تحليل مرائي الشيخ محمد المعطي، انطلاقا من البحث في إشكال التجنيس، باستقصاء مكامن أدبية الرؤيا بناء على ثلاثة سياقات هي: النوع والتلقي واللغة. وكذلك الحديث عن مكونات التصوير وأبعاده في المرائي، منها؛ التخييل والخارق، وأنماط التصوير الواقعي والإنساني. تتقاسم المنامات مع القصة القصيرة روابط متعددة؛ فكلاهما يندرجان ضمن مجال السرد الأدبي. ولعل أهم الحدود العامة المشتركة، الاستناد إلى راو أو رواة؛ بحيث يحرص مؤلفو المنامات على التأكد من سند الرؤيا وصحة تواترها، باستلهام سند الحديث النبوي الشريف وروايته، لذلك تستهل بعض المرائي بألفاظ من قبيل: “أخبرنا”، أو “حدثنا”. ويبدو أن هذا الحرص نابع من ماهية الرؤيا نفسها فهي جزء من أجزاء النبوة والغيب، كما ورد عن نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن الحدود الأخرى المشتركة، الاعتماد على التخييل، من حيث هو مكون تصوري متحقق في كل نص أدبي. نعلم بأن العقل البشري يبقى عاجزا تماما عن إدراك الأحوال الروحية، وبما أن الإنسان يواجه عوالم غامضة يصعب تفسيرها علميا؛ الموت والغيب والمستقبل وغيرها، فإن الرؤيا أضحت منفذا للاتصال بتلك العوالم المجهولة؛ لأن الرائي بإمكانه أن يخترق بمخيلته كل العوالم، ممكنة وغير ممكنة، معلومة أو مجهولة، تمحى فيها حدود المكان والزمان كما هي متعارف عليها في عالم المحسوسات. ومن ثم، فإن التخييل في نصوص المرائي مكون حيويّ يتماهى مع باقي المكونات الأخرى؛ الحدث والشخصيات والفضاء واللغة. ومن الطرائف المأثورة في منامات بعض الصالحين، أنه يُرى بعد مماته في المنام، ويُسأل ماذا فعل الله بك؟ فيجيب: غفر الله لي بفعل كذا. فمثل هذه المنامات تمتاز بقصرها ولغتها المكثفة، بيد أنها تحفل بدلالات أرحب، منها؛ قلق الإنسان من الموت وانشغاله بما بعده.
ما زال الأدب المغربي القديم يحتاج إلى النبش والتنقيب… فما التصور الذي تراه مواتيا وملائما، باعتبارك باحثا شابا متخصصا في هذا الأدب، للتمكن من الكشف عن الذخائر التي يحفل الخزانة المغربية؟ من نافلة القول إن الأدب المغربي القديم، بأجناسه المتباينة، لا يزال في حاجة إلى من يعرف بذخائره؛ فقسم كبير منه حبيس رفوف الخزانات العامة والخاصة. صحيح أن عددا من الكتاب والباحثين المغاربة، وبعض وحدات البحث والتكوين الأكاديمية في الجامعات المغربية وهيئات أخرى انكبت، منذ سنوات، في تحقيق نصوص عديدة وفي نشرها، سواء تعلق مجالها بالرحلات أم بالتاريخ أم بالفقه أم بالأدب أم بالتصوف؛ لكنها تبقى جهودا فردية، ذات نتائج محدودة، لا ترقى إلى ما يصبو إليه الباحث في الأدب المغربي من تحقيق تراكم خصب. وإن ما يثير الأسف هو أن عددا من الرسائل العلمية والأطاريح الجامعية التي انشغلت بتحقيق نصوص مغربية مهمة لم تعرف طريقها نحو النشر؛ لأسباب متشعبة، لها صلة بالإشكالات المزمنة التي يعرفها الشأن الثقافي والبحث العلمي بالمغرب.
وتصوري من أجل تحقيق الغاية المنشودة يكمن في ضرورة إعادة إحياء وحدات البحث والتكوين الخاصة بتحقيق مخطوطات التراث المغربي داخل الجامعات المغربية، ومدها بكل الإمكانات اللازمة، ومن ضمنها توفير أساتذة أكفاء مؤهلين علميا ومعرفيا وأخلاقيا، ليقوموا بمهامهم خير قيام؛ لكن برؤية حديثة وإستراتيجية علمية دقيقة؛ بمعنى، لا بد من الإجابة عن أسئلة من قبيل: عن أيّ مخطوط نتحدث؟ ما الإضافة التي يمكن أن يضيفها، ونحن نعيش في زمن التكنولوجيا الذكية والعوالم الافتراضية؟ ما العدة العلمية التي بها نحقق المخطوط؟ هل نقتصر على ما هو معتاد ومتعارف عليه، من التعريف بنسخ المخطوط وصاحبه ومقابلة النسخ فيما بينها؟ هل بإمكاننا استثمار مختلف المناهج العلمية والنقدية لدراسة متون المخطوط ونصوصه؟ هذه أسئلة وغيرها كثيرا ما تشغل تفكيري.
تشتغل، منذ سنوات، في حقل التدريس؛ وهو ما يتيح لك فرصا مستمرة للاحتكاك، عن قرب، بالتلاميذ والمتعلمين والاطلاع على الميولات والاختيارات والمهارات الذي ينجذبون إليها… فكيف تقيّم تعاطي هذه الفئة العمرية، خلال المرحلة الراهنة، مع القراءة والكتاب؟ تعد فئة المتعلمين والمتعلمات جزءا من بنية المجتمع. وكما هو معلوم أن فعل القراءة والاهتمام بالكتاب، للأسف الشديد، لا يندرج ضمن أولويات الأسر المغربية وانشغالاتها. ومن ثم، فإن انعكاس ذلك وارد بحدة على التلاميذ، حيث نلمس أثناء مزاولتنا للمهنة تعثرات لا حصر لها في قراءة النصوص، فما بالك بفهمها، وفي مرحلة لاحقة تفكيك بنياتها، وتأويل عباراتها. ولعل الوزارة الوصية على القطاع انتبهت إلى مثل هاته الصعوبات، فأَوْلَت أهمية للقراءة وتعلم مبادئها في المراحل الأولية من مسيرة المتعلم والمتعلمة، بتشجيع التلاميذ على الاهتمام بقراءة الكتب ومطالعتها، والإسهام في الإقبال، مثلا، على برنامج “تحدي القراءة” المنظم على صعيد عدد من البلدان العربية، باختيار فئة من المتعلمين والمتعلمات ذوي كفاءة في القراءة ودراية بها، قصد المشاركة في نهائيات ذلك البرنامج، المقام في دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أن ثمة تجربة رائدة داخل المديرية الإقليمية للوزارة بسيدي البرنوصي بالدار البيضاء، بشراكة مع جمعية “الشريف الإدريسي لدعم التمدرس”، تتمثل في تنظيم مسابقة “فن الخطابة باللغة العربية”، وقد وصلت إلى دورتها الرابعة خلال هذا الموسم؛ بحيث تجرى إقصائيات داخل كل مؤسسات المديرية، لاختيار المرشحين والمرشحات يمثلون مدارسهم في النهائيات شهر يونيو. وقد استخلصنا من هذه التجربة أن عددا من التلاميذ والتلميذات لهم إمكانات هائلة وقدرات إبداعية، تحتاج فحسب، إلى الالتفات إليها والعناية بها. بيد أننا لا يجب أن نغفل أهمية باقي المؤسسات الأخرى التي لها تأثيرها في مسيرة المتعلمين، منها الأسرة. فإذا كان البيت خاليا من وجود مكتبة، أو أن طقوس القراءة فيه غائبة تماما، فمن المتوقع، أن نلفي نفورا من الأبناء عن كل ما له صلة بالكتاب..
التحقت، منذ سنة 2011، بالدار البيضاء للعمل بإحدى المؤسسات التعليمية بها.. ومنذ ذلك التاريخ وإلى حدود اليوم، تقيم بهذه المدينة… فما هي الإضافة التي أكسبتها لتجربتك الإنسانية والثقافية والمعرفية هذه الإقامة؟ كل إنسان يمر، في حياته، من تجارب سارة أو مريرة؛ لكن، حسب وجهة نظري، ثمة سؤال يلح نفسه هو: ما السبل التي من خلالها تستفيد من تلك التجارب الإنسانية؟ انتقلت من مدينة هادئة ووديعة؛ تطوان، إلى مدينة صاخبة، دائمة الحركة، ليلها مثل نهارها، كما يقال؛ الدار البيضاء. تجربتي المتواضعة بهذه المدينة يمكن حصرها فيما يلي: انفتاحي على أنماط أخرى من التقاليد والعادات وسبل العيش، تشترك وفي الآن نفسه تختلف عما ألفته في مدينتي. كما أن تعرفي على عدد من مثقفي المدينة، من شعراء ومسرحيين ونقاد وصحفيين، أمكنني الاحتكاك أكثر بالشأن الثقافي والاطلاع على بعض خفاياه ودسائسه. على العموم، يمكن أن أُقَيِّمَ مقامي في الدار البيضاء، بوجهه الإيجابي، هي تجربة غنية بعلاقاتها الإنسانية التي نسجتها مع أهلها، أو الوافدين إليها.
تشرف، رفقة زملاء آخرين يعملون في قطاع التربية والتكوين، على إصدار مجلة دورية ثقافية فكرية محكمة “فكر العربية”.. فكيف نبع التفكير في هذه المبادرة، التي وصلت إلى حد الآن (يناير 2017) عددها الثالث الموجود في المكتبات والأكشاك؟ هذا نتاج إيجابي آخر لمقامي في الدار البيضاء. بدأت فكرة تأسيس مجلة “فكر العربية” إثر النقاش مع صديقي د. عمر الرويضي، رئيس تحريرها، عن ضيق آفاق النشر بالمجلات العلمية، على قلتها، بالمغرب. فما فتئ أن بادر د. الرويضي إلى خوض مغامرة تأسيس مجلة علمية فكرية وثقافية محكمة، تصبح مرجعا يحال إليه، بمعية ثلة من الباحثين والمثقفين؛ مدير النشر ذ. يوسف الصاديقي، وأعضاء هيئة التحرير؛ ذ. حسن منير، ود. محمد أحمد أنقار، ود. عبد المجيد شكير، وذ. علي بعروب. فتوالت الاجتماعات للحسم في خط تحرير المجلة، وأبوابها ومحاورها وشكلها، وما أعقبه من الاتصال والتواصل مع عدد من الأساتذة الباحثين والكتاب، داخل المغرب وخارجه، الذين شكلوا لجنتها العلمية والاستشارية. بعدها بدأنا بتذليل مختلف الصعاب، المرتبطة بجمع مواد المجلة وتصنيفها وتصحيحها وبعثها إلى اللجنة العلمية، قصد الحسم في شأنها. بالإضافة إلى تجاوز العائق المادي، بتوفير السيولة المالية لطبع العدد ونشره. وبفضل الله وقوته، وبفضل تضافر جهود كل أسرة تحرير المجلة، والدعم الذي حظينا به من قبل عدد من الكتاب والمبدعين، تخطينا كل المعيقات، فنشرنا العدد الأول بداية السنة الماضية (يناير 2016م)، فلقي قبولا من قبل القارئ واستحسانه. والآن نشرنا العدد الثالث، بعد أن حصلت المجلة على دعم وزارة الثقافة. نتمنى أن نكون عند حسن ظن القارئ، وأن نكون عند مستوى تطلعاته، ونسهم بنصيب ولو يسير بالنهوض بالشأن الثقافي ببلدنا. مع أمل الاستمرارية والرقي نحو الأفضل.
انخرطت، رفقة باحثين آخرين، في تأسيس “المركز المغربي للبحث العلمي وتحقيق التراث”.. فما هي الرهانات التي وضعها الفريق على هذه التجربة العلمية ؟ يسعى المركز “المغربي للبحث العلمي وتحقيق التراث” إلى تحقيق أهدافه النبيلة بكل الوسائل المتاحة قانونا؛ وذلك من خلال القيام بعدد من الأنشطة العلمية والثقافية والفكرية والاجتماعية الموجهة إلى كافة عناصر المجتمع خدمة للصالح العام. ويشمل نشاط المركز المجالات الآتية: العمل على تأصيل أساليب البحث العلمي وتطويره، وإغناء مضامينه في خدمة التراث المغربي؛ وجمع المخطوطات المغربية والعربية من مختلف المكتبات العامّة والخاصّة، الوطنيّة والدّوليّة، وترميمها وتصنيفها وتحقيقها ودراستها علميا والعمل على نشرها قدر المستطاع؛ والبحث في التراث الشفهي المغربي وتوثيقه وتدوينه ونشر؛ والإسهام في التكوين العلمي لفائدة الطّلبة الباحثين المشتغلين في دراسة التّراث المغربي وتحقيقه، والإسهام في الرقي بالثقافة المغربية وحماية تراثها وتاريخها؛ وإرساء دعائم ثقافية وفكرية متوازنة؛ وربط علاقات التعاون والشراكة مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية داخل التراب الوطني وخارجه ومع مختلف الإدارات العمومية بقصد تحقيق أهداف المركز؛ والتنسيق والتعاون مع الجمعيات والمراكز الثقافية ذات الاهتمام المشترك جهويا ووطنيا ودوليا، والقيام بالرحلات العلمية والثقافية؛ وإعداد وانجاز مشاريع تنموية وثقافية وفكرية واجتماعية؛ ونشر الإنتاج العلمي والفكري والثقافي لمركز البحث؛ وتكريم أعلام ومؤسسات أسهمت في خدمة التّراث المغربي؛ وعقد ندوات فكرية، وتنظيم لقاءات ثقافية، وأيام دراسية علمية للإسهام في التنمية الثقافية والفكرية والبشرية؛ وتنظيم زيارات ميدانية علمية لمؤسسات ومكتبات عامّة وخاصّة؛ وتكوين المكتبات، وإصدار الكتب، والمجلات، والنشرات العلمية والفكرية والثقافية.
يصدر لكم تأليف مشترك يضم باقة من الدراسات التي حررها باحثون من خريجي وحدة البحث والتكوين “الأدب العربي في المغرب على عهد الدولة العلوية”… ألتمس منك أن تقرب القارئ من هذه التجربة، باعتبارك من المسهمين في مواده.. هذه التجربة العلمية لها ارتباط بأنشطة المركز المغربي السابق ذكره؛ فمن بين أهدافه نشر دراسات علمية عن التراث المغربي. لذلك، سعى الإخوة، أعضاء المركز، في افتتاح أنشطته العلمية والثقافية لهذا الموسم، إلى تأليف كتاب مشترك يضم عددا من الدراسات النقدية لنصوص تراثية مغربية، منها؛ الرسائل والمناقب والمنامات والشروح الأدبية. الغاية منها ليس التعريف بما تزخر به المكتبة المغربية من ذخائر، فحسب، بل محاولة الإجابة عن جملة من الإشكالات النقدية، من قبيل التجنيس، وعلاقة الأدب بحقول معرفية أخرى، مثل التصوف والتاريخ، بالإضافة إلى إثارة المكامن الفنية والجمالية المضمرة والثاوية فيها. فضلا عن ذلك، إن الكتاب الجماعي هو نتاج وفائنا لأستاذنا الراحل د. عبد الله المرابط الترغي وإخلاصنا له، الذي لم يدخر جهدا في تعليمنا أصول تحقيق المخطوط وقراءته، بل وعشقنا لتراثنا المغربي واعتزازنا به.
في ختام هذا اللقاء، أطلب منك التعليق في كلمات مركزة ومختصرة على الأسماء التالية: الراحل د. عبد الله المرابط الترغي، ود. محمد أنقار، ود. محمد مفتاح.. الرّاحلُ د. عبد الله المرابط الترغي؛ حبب إليّ التراث المغربي. أستاذ في علم تحقيق المخطوط، تغمده الله الفقيد بواسع الرحمة والمغفرة والرضوان. د. محمد أنقار؛ منه تعلمت أصول الكتابة العلمية الدقيقة والمتأنية، وكيفية الغوص في النصوص بروية وعمق؛ هو الأب الروحي. حفظه الله وبارك في عمره. د. محمد مفتاح؛ أستاذي الذي تعلمتُ منه الكثير، وما زلت. أستاذ محقق وموسوعي، من الباحثين والمحققين القلة الذين ورثوا العلم عن جيل رواد الأدب المغربي. حفظه الله وبارك في عمره.