الولادة والنشأة (محمد الصباغ)
كانت تطوان مسرحا للحركات الجهادية التي تصب في مصب واحد هو الدفاع عن حوزة الوطن عامة وتطوان خاصة ، وفي هذه الظرفية الزمنية والتي تعد من أهم الظروف الحاسمة وهو تاريخ له أكثر من دلالة تسير التحولات التي عرفتها المغربية والمنطقة الخليفية خاصة ولد محمد الصباغ في إحدى العشيات لكي ينمو هذا الطفل ويترعرع ويفتح عينيه على تشكلات أدبية متفاوتة في مجال الأدب المعرفة في مسيرة هذا البرعم الندي وهو كون ولادته كانت في بيته عالم وورث العلم والثقافة والفقه الأدب والأخلاق أبا عن جد(1)”كل هذه الأسباب شكلت إرهاصات وتأثيرات في بلورة وتنشئة هذا الطفل تنشئة صحيحة ومتينة كتن لها أكثر من معنى على مسيرته الحياتية والدراسية” (2) وفي هذا السياق يظهر أن اختيار محمد كان يسير في هذا المنحى، فقد اختار الوالد له هذا الاسم الشريف السعيد، والذي كان يحمله هو نفسه، وفي هذا الاختيار أكثر من دلالة مما يخص توجيه الابن توجيها يطمح إلى تسلق العلا والرفعة حتى يظل غسن العائلة مخضرا يانعا وغضا طريا(3).
لم يخب أمل الأب إنّ ابنه شرف اسمه ورفعه في العلي والمطلوب.
طريقة تمدرسه وتعليمه ومؤثراته
“تأثر أديبنا بأبيه شأنه شأن كل الأبناء إذ كان والده متشبعا بالثقافة الدينية الكاملة، كما كان متمسكا بالعلوم الفقهية والشرعية، إذ عبر هذا التعليم لدى ابنه تقلد الأب عدة مناصب ما بين القضاء والإمامة والتدريس ولهذا كان يعد الأدب هو المدرسة الأولى التي تربى فيها الصبي فحفظ القرآن الكريم وتلقى جل علومه بتأثير من والده الفقيه ثم تلت هذه المرحلة مرحلة أخرى وهي تعلمه جملة من الدروس الدينية عبر شرحها وتفسيرها من طرف الأب العالم بتفسير الأحاديث والعلوم الشرعية .” (4)
كل هذه الأسباب شكلت لأديبنا منبعا ثرا سينتقي منه الرفيع من الجديد والقديم من معانيه المعرفة التي ستجعل منه رجلا متمكنا لكل أنواع المعرفة، زيادة على ذلك أن أديبنا تشبع بقوامة الصوفية الذي أخذها عن واده، فلهذا كانت كتاباته تعبق من ثناياها عبق الصوفية كما كان أديبنا عاشقا كل العشق للقرآن الكريم يقول:
“القرآن الكريم هو رفيقه وظله يقضي بصحبته أروع اللحظات وأحلاها وهو يرى أن جمالية لغة القرآن الكريم وإشراقا ته المجازية والتصويرية البليغة والأخاذة لا مثيل لها على الإطلاق في كل تشكيلات المعرفية والأدبية ويرى أن من لم يطلع على القرآن الكريم إطلاعا عميقا وعاشقا لم يستطيع التوغل في استخراج واستجلاء جماليات فنية للغتنا العربية “.(5)
ولا شك في أن لغة القرآن الكريم وأساليبه البليغة والكثيفة بالبلاغة المجازية المتسامقة وبناءه القصصي المحكم، خير تأثير نفسية أديبنا وطبعها طابعا خاصا، حيث أصبح مفتونا بجمالية هذا الكتاب المقدس ويعتبره راق وتصويره القرآني وبإشراقاته الأسلوبية الخلاقة بل أصبح مهوسا بهذا الفضاء القرآني البديع فغذا هو زاده الأوفر الذي ينضب في كل مراحل مسيرته الحياتية.
اجتاز أديبنا مرحلة الكتاب والتتلمذ عل يد أبيه ثم التحاقه المدارس الحرة التي أنشأها المواطنون في عهد الاستعمار ونبغ فيها نبوغا قويا إذ كانت المرحلة مؤثرة تلقاها خلال مراحل تعليمه الابتدائي والثانوي بها.(6)
يظهر أن الفقيه محمد الصباغ الوالد كان يحمل في أعماقه روحا ثورية أصيلة لذالك قرر أن يسجل ابنه في المدارس الشعبية الحارة حتى يتسنى لهذا الابن النمو والترعرع داخل فضاء مفعم بالحس الوطني وبالالتحام بقضايا بالأمة وتطلعات مختلف الفئات الاجتماعية، فكانت الجمعية الخيرة أفضل مثال التجسيد هذه الصورة المشرقة، وكانت هذه المدارس من أنشأت بمبادرة من مجموعة من الوطنيين.(7)
كان لوجود هذه المدارس شأن كبير في تنشئة الوعي المعرفي والفكري والسياسي في جل التلاميذ، فعلى هذه المدارس الشعبية الحرة أن تعمق الهوية السياسية والفكرية في التلاميذ وتعرفهم بماضي أجدادهم وسالف حضاراتهم وتربيهم على حب الوطن ومقدسات البلاد، وكان هؤلاء التلاميذ المتخرجين أن يبثوا الوعي بدورهم فيمن حولهم من أبناء الطبقة الشعبية المحتكة بهم.(8)
في هذا التعليم وجد الأديب نفسه منفتحا بمناهجه على المناهج العصرية الحديثة والطرق العلمية الجديدة .
كان محمد الصباغ من الثمرات التي أينعت قبل الأوان ثمرة هذه المدارس في رحابها استمد المعرفة وجني الثمار العلم الصحيح فكانت المشعل لقلمه الحاد يسطع شذاه في الأفق العالي.(9)
مؤثرات محمد الصباغ:
تأثر محمد الصباغ بمجموعة من الأدباء شأنه شأن كل الأدباء ونسج علاقات وطيدة معهم وتأثره هذا كان عاكسا للصورة في كتاباته، وهذه المؤثرات هي:
مؤثرات عربية:
تأثر محمد الصباغ بأدباء المهجر الشمالي ومن أبرزهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، كما تأثر بأدباء لبنان غير المهجريين رغم اختلاف التوجهات الأدبية بينه وبينهم مثل : بول سلامة وسعيد عقل وغيرهما.
مؤثرات إسبانية:
كان التأثير الإسباني حاضرا بقوة، تجلى في كتاباته .كان يتقن الإسبانية ويترجم منها، كما احتك بالإسبان وربط معهم صلاتٍ خاصّه الشعراء الذين تأثر بهم
‘ خوان رامون خيمينث ‘ و ‘بيثِنْتيي ألِكْسَنْدِري.(10)
كان لهذه التأثيرات دورٌ كبيرٌ في حياة محمد الصباغ برز في كتاباته، بالإضافة إلى أن محمد الصباغ كان يتواصل معهم، ويطلع على إنتاجاتهم ويتبادل معهم أجواء الحياة الثقافية كما ترجم إلى الإسبانية نماذج من الإبداع المغربي نشره في مجلة كتامة ومجلة المعتمد.(11).
1ـ أحمد هاشم الريسوني، إبداعية الكتابة دراسة في التحديث الشعري عند محمد الصباغ ص/101.
2ـ أحمد هاشم الريسوني، المرجع نفسه.ص 102.
3ـنفسه ص100.
4ـ نفسه ص 103.
5ـ قال هذه القولة في جلسة حميمية خاصة جمعت الكاتب محمد الصباغ بأستاذنا الفاضل أحمد هاشم الريسوني وأخبره بأنه عاشق للغة القرآن وهو رفيق ظله.
6ـ محمد الصباغ منتخبات من أدبه ص 426.
7ـ أحمد هاشم الريسوني مرجع سابق ص 101
8ـ عبد العلي الودغيري، قراءات في أدب الصباغ م س ص 110
9ـ مرجع نفسه ص 66 بتصرف.
10ـ أحمد هاشم الريسوني،إبذاعية الكتابة دراسة في التحديث الشعري عند محمد الصباغ /ص100
11ـ مرجع نفسه، ص 100 بتصرف.
هاجر حَسُّون