تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الصدر الأعظم أحمد الغنمية رحمه الله، والتي أمدّنا بها حفيدة الأستاذ الأديب المرحوم عبد السلام الشرتي.
-60-
[من العلامة الفقيه الصدر أحمد الغمية إلى صديقه العلامة الفقيه القاضي محمد المرير، يسأله عن لفظ السلام المتبادل بين الناس، هل يدخل في عموم تحية الإسلام المنصوص عنها أم لا؟]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله وسلم
محبّنا الأبرّ، العلاّمة الدّرّاكة، الفقيه الألمعي الأنجد، السيّد محمد المرير رعاك الله وسدّدك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد، فقد استهداك عامي بما معناه، بل لفظه بقوله: إنّ لفظ السلام المتبادل بيننا شهير من لدن الحنيفية الإبراهيمية الخليلية، أو قبلها إلى الآن، وقد ورد في قول الله عزّ وجلّ: (وإذا حيّيتم بتحية فحيّوا بأحسن منها)، ولفظ تحيّة بصيغة النّكرة يقتضي ما يفهم منه غير التّحيّة المتعارفة الشائعة، أو هي بالأولويّة، أعني المتعارفة باندراج ذلك المفهوم في لفظ ذلك العموم، ويقرب لي هذا الفهم قوله تعالى: (فحيوا بأحسن منها)، فهل هذا اللّفظ على عمومه يخصّص بالوارد نصّاً في كيفية السلام ومعرفته، لقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم لسّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمّا سألوه عن كيفية الصلاة عليه، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ أو يؤخذ من الآية الكريمة ما هو أعمّ من اللّفظ المتعارف حتّى لا يسوغ سلام بعضنا على بعض بما يفهم منه السلام بالقرينة المفهومة من الحال، أو الأمر في ذلك توقيفي على المقرر المألوف.
فأجب حسب ما استأنسناه وعرفناه من شيمكم وواسع مدارككم، حفظ الله علينا في عافية وجودكم، وعلى المحبّة والسلام.
أحمد الغنمية وفقه الله
-61-
[من العلامة الفقيه الصدر أحمد الغمية إلى صديقه العلامة الفقيه القاضي محمد المرير، يسأله عن البقر السائبة التي شردت وتناسلت، هل يجوز بيعها من طرف المخزن والانتفاع بثمنها في المصالح العامة أم لا؟]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله وسلم
محبّنا الأرضى، العلامة الأنجد، شيخ العلوم، الفقيه السيّد محمد المرير أمّنك الله، سلام عليك ورحمة الله تعالى، عن خير سيّدنا أيّده الله.
وبعد، فالمرجو من مدارككم السّنيّة الجواب عن قضيّة؛ وهي أنّه في أيّام الهرج السالفة شردت عدّة من البقر لأناس شتّى، وآوت لغابة ساحل العرائش، وتناسلت حتّى تجاوزت المائة، ولا زالت شاردة سائبة إلى الآن، ولمّا انتشر الأمن وسادت السّكينة، أنشدها جانب الحكومة مراراً بمظانّ يرجى فيها طالب أو مستحق، فلم يلبّ الإنشاد ولا التّعريف أحد، حتّى وقع اليأس من مدّعي شيئا منها، فهل الحكم في هذه البقر أنّها لُقطة، وكونها لا زالت بالمحلّ الذي آوت إليه لا ينطبق عليها تعريف اللقطة الذي من فصوله وقوع الالتقاط فعلاً لا مجرّد الوجدان والعثور عليها أو العلم بكونها من المحلّ الذي هي به، أو يكون حكمها حكم مال ظلّ صاحبه، وتندرج في الأقسام السبعة المشتمل عليها بيتا ابن جماعة فيما هو لجانب بيت المال، وعلى ترجيحكم هذا فإن بيعت الآن حيث إن تركها شاردة سائبة لا يسوغ لما في ذلك من ضياع مال له بال، فهل بيعها وصرف ثمنها في مصالح عامّة، كبناء مسجد أو قنطرة على نهر، ممّا يكون الانتفاع به عاماً أولى وأصلح، أو يوضع الثّمن في مأمن إلى أن يمضي عليه زمان يقع به اليأس من وجود طالب، وهذا الطالب تعذّر وجوده الآن، والمطلوب في الجواب الإيجاز مع البيان التام مع كتمان هذا حتى عن …وعلى المحبّة والسلام.
في 4 ذي الحجة الحرام عام 1353هـ.
أحمد الغنمية لطف الله به
-62-
[من العلامة الفقيه الصدر أحمد الغمية إلى صديقه العلامة الفقيه القاضي محمد المرير، يخبره بإقامة شهادة لفيفية بخصوص خالة صهره الشريف محمد الوزاني من قبل أجنبي، مع وجود وي الكفاءات من القرابة]
الحمد لله
محبّنا الأبرّ، العلامة الأعزّ، الفقيه القاضي السيّد محمد المرير أمنك الله، سلام عليك ورحمة الله، عن خير سيّدنا أعزّه الله.
وبعد، فقد بلغني أنّ الشّرفاء الوزّانيّين يسعون في إقامة شهادة لفيفية بما هي عليه خالة صهرنا سيدي محمد الوزاني، وبأولوية تقديم أجنبي عليه، وإنّي لا أرضى ذلك لكون زوجته لها خالين يمكنها المفاوضة معها من غير واسطة، وإن لم يكونا فأحد زوجي أختيها أو زوج خالتها، إذ الأولان لهما أن يجعلا الأمّ واسطة بينهما وبين الزّوجة حفيدتي، والثالث جدّتها ومن توفّرت لديه هذه الجماعة، وكلّها ذوو كفاءة لهذا الأمر، كيف يعدل عنها لأجنبيّ، هذا تهوّر وعدم مبالات، وقلّة اعتناء من الشريف السّاعي في ترجيح ذلك الأجنبي على ذوي الكفاءة والأولويّة من القرابة، هدانا الله تعالى لمهيع الصواب، وألهمنا جميعاً قول الرّشاد، وعلى المحبّة والسلام.
في 16 جمادى 1 عام 1350هـ
أحمد الغنمية لطف الله به
-63-
[من العلامة الفقيه الصدر أحمد الغمية إلى صديقه العلامة الفقيه القاضي محمد المرير، يطلب منه الجواب على حكم السيد محمد اللبادي]
الحمد لله وحده
محبّنا الأبرّ الأرضى، العلامة القاضي سيدي محمد المرير، أمّنك الله، سلام عليك ورحمة الله، عن خير سيّدنا أيّده الله.
وبعد، فيصلك صحبته حكم الخليفة على السيد محمد بن أحمد اللّبّادي لتجيب بما يظهر لك فيه، أنّي أمرت بالتّوقّف حتى تبدي رأيك بما بين الحاكم والمحكوم عليه من الشحناء، وعلى المحبّة والسلام.
في 20 رمضان عام 1349هـ.
أحمد الغنمية لطف الله به
د. يونس السباح