تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الصدر الأعظم أحمد الغنمية رحمه الله، والتي أمدّنا بها حفيدة الأستاذ الأديب المرحوم عبد السلام الشرتي.
[من الصدر الأعظم أحمد الغنمية إلى محلّ ولَده السيد محمد الزّكاري، بخصوص شراء الأمَتين تحت نظر وخبرة السيّد أحمد الكراسي]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
محلّ الولَد البارّ الأرضى، الفقيه الألمعي الأمضى، سيدي مَحمد الزّكّاري حفظك الله، وسلامٌ عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد، فلمّا صدر عنّي جوابك بحصول الغَناء عن الأَمَتين الخ ووضع الكتاب بصندوق البريد، رُجّح شراؤهما أو إحداهما، وقد وقع اختيار توجيه حامله المعلّم السيّد أحمد الكراسي لمشاهدتهما وانتقاء ما يوافق نظره منهما، فبالفضل منك خذ بيده في لقاء سيّدهما ليباشر معه شراء ما يوافق اختياره منهما، وأبذل له من مُساعدتك كلّ ما يفضي به للحصول على المُراد، بارك الله فيك، وجزاك عنّا خيراً، وسلّم منّي على الوالد والإخوة، ومنّا عليكم الولَد.
دامت لكم المسرّات، وتوالت عليكم المبرّات، وعلى المحبّة والسلام.
في 4 ذي الحجة عام 1345هـ.
أحمد الغنمية لطف الله به
-87-
[من الصدر الأعظم أحمد الغنمية إلى محلّ ولَده السيد محمد الزّكاري، يطمئنّ عليه، ويستحثّه على تنفيذ وصيّة أوصاه بها]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
محلّ الولَد ونخبة أحبّائنا، الأبرّ الأرضى، الفقيه الأنجد الأمضى، سيّدي محمد الزّكاري، لازالتَ في كنف الباري، وسلامٌ عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد، فمن مقتضيات هذا الوجيز الاستعلام عن سَني أحوالكم، لازالت جارية طبق آمالكم. ثمّ إعلامكم بأنّي لم أزل متشوّفاً لما كنت طلبته منك في أوائل رجب المتّصل، غير شاك في اهتمامك بالمطلب، ولا متوهّماً فيك تقاعساً عن السّعي وراء ذلك الأرَب، غير أنّ التّذكير مما يستحسن في استنهاض الهمّة، وتنسيط القريحة، خشية أن ترى من سكوتي انحرافاً عن ذلك الغرض، وعليه؛ فلتجدّ في طلب مرغوبنا على مقتضى ما شرطناه، بارك الله فيك، وأقرّ عينك بما يرضيك.
واعلم أنّي قد كتبت لبعض الأحبّة بفاس في مثل هذا الغرض، وأرجو أن تكون السّبقية لك في تحصيله، والله تعالى المستعان. وعجّل لي بالجواب بحسب ما يظهر لك من المخائل.
وسلّم مني على الوالد والإخوة، ومنّا عليكم الطالب أحمد أحمد الله لنا ولكم عقبى الدارين، آمين، وعلى المحبّة والسلام.
في 29 شوال الأبرك عام 1345هـ.
أحمد الغنمية لطف الله به
-88-
[من الصدر الأعظم أحمد الغنمية إلى والده السيّد عبد الكريم، يوصيه بدعواته، ويلتمس منه بركة الصالحين، ويخبره بوصول ما أوصاه به]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله وسلّم تسليماً
سيّدنا الوالد الأبرّ، الأعزّ الماجد، سيدي الحاج عبد الكريم الغنمية حفظك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله تعالى.
وبعد، فقد وصلني كتابك المؤرّخ 6 من شهر تاريخه، فحمدت الله لما منّ به عليك وتفضّل به علينا من عافيتك، نطلبه جلّ وعلى أن يديم لنا وجودك في عافية وسلامة في الدّين والدّنيا، وفيه أخبرت بورود الأمر الشّريف بتقليدك نظارة الأحباس، وفّقك الله وهداك، وأعانك وقوّاك، وجعل ذلك من الأعمال التي يرضاها ويرضى بها، إنّه برّ رحيم كريم، ونطلبه وهو الجواد الرّحيم، أن يجعل فرجاً ومخرجاً، حتّى يعفيك من هذه الخطّة كما تحبّ ونحبّ، وهو سبحانه على كلّ شيء قدير.
فلازم يا سيّدي قرع بابه، إحسانه وفضله، وتشفّع إليه بأفضل خلقه ومصطفاهن وتوسّل إليه بجاهه، فإنّه باب الله والكريم عليه، صلى الله عليه وسلّم، ولا تنسَ سيّدي سدّدك الله، ما كنت نبّهت عليه في الكتاب الذي كنت أخبرتك فيه بالتّولية، والذي يجب على العاقل أن يتلقّى أمر سيّده وخالقه، ومدبّره في سائر أنفاسه بالقبول والاستسلام، ثمّ يفزع إليه ويضرع، ويتملّق في كشف وإذهاب ما نزل به، ويتوسّط ويتوسّل إليه بمن اصطفاه واجتباه من أوليائه، وبسيّد الكونين وشفيع الثّقلين، سيّدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلّم، ثمّ بإدخال السّرور على قلوب عياله، لقوله: (ادعوني بلسان لم تعصوني به)، وإذا شاهدت منه توفيقاً لهذا، فتيقّن منه سبحانه النّجاح وبلوغ المرام، والله تعالى يشرح صدرك، ويبلّغك مناك ومرادك في الدّارين، آمين.
وإيّاك سيّدي أن تغفل عن زيارة شيخنا رضي الله عنه، وأنالنا بركته، وكذا زيارة والده نفعنا الله به، ومن الرّجال الكِرام على الله، الذي لا ينبغي لصاحب توفيق أن يترك زيارته والتوسّل إلى الله، سيدي عبد الله الحاج البقالي رضي الله عنه، ونفعنا ببركته.
وسامحني واطلب من الله العفو، فإنّ مثلي لا يسوغ له تذكير مثلك ولا وعظه، إلاّ أنّ الشّفقة عليك، واشتغال البال بأمرك، يحملاني على ذلك، والله لا يريني فيك ما يكدّر شعرة منك، وإن سألت عن هذه النواحي، فسالمة في عافية، والخارج من المرسى لازال ضعيفاً لرخص أسعار الحبوب، والصوف بيد النصارى، والداخل للبلد كثير جدًّا، والتّجّار مبالغون في الشّراء، ونسمع أنّ الوسق في هذه المرسى يتأخّر عن غيرها، والله تعالى يمدّنا وإيّاكم بالعافية، ولا يجعله آخر عهد بيننا آمين.
وقد وصلة البلغة على يد السيّد العربي الفاسي بارك الله في عمركم، ومن لطف الله بي وامتنانه عليّ، أن سبق كتابك المذكور كتاب الأخ، وأظنّه يصلى اليوم إن شاء الله، والمطلوب منك سيّدي أن لا تنساني من صالح دعائك، وسلّم منّي على كافّة الأهل والأخ والأحبّة، وقد كتب لي الأخ الفقيه سيّدي محمد بن الأبّار، وذكر لي ما دار بينه وبينك في شأن الخطّة، وذكر ما حمله على ذلك من الشّفقة، وأنت سيدي لا يصغ لما يتمالؤ عليه الناس من تعظيم الأمر وتهويله، فإنّ ذلك يؤثّر في الباطن، ودمتم في رعاية الله، ونطلب رضاك وصالح دعائك، والسلام.
في 10 ربيع النبوي الأنور، أعاده الله عليكم بوفور الخيرات ودوام الهناء، وتتابع المسرّات، آمين.
عبيدكم أحمد لطف الله به
إعداد: يونس السباح