إعداد: يونس السباح
تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج رحمهما الله، والتي أمدّنا بها الدّيبلوماسي الأديب التّهامي أفيلال.
[11]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يعرب له عن عواطفه، وقد تضمّنت أخباراً متفرّقة عن اللبّادي وشؤون الزاوية، وما يتعلّق بذلك من صحيح الفراسة…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
والسّلام التّامّ ورحمة الله وبركاته على الدّوام بلا انقضاء ولا انصرام، على الشّيخ البرَكة والأستاذ الإمام أبي عبد الله سيدي الحاج محمد سكيرج.
وبعد، فقد عاودتنا الرّياح الغربية والأمطار الغزيرة في شدّة وقسوة بعد أن جفّ وجه الأرض في الجملة، وأوشكت على صلاحيتها للفلاحة، ومولانا يفعل في ملكه ما يشاء. وقد كنت عازماً على الطّلوع يومه كما أخبرناكم بالأمس، ولكن سرعان ما انسدّت طريق المواصلة للرّاجل فأحرى غيره.
وقبيل الزّوال حضرتنا شريفتنا لل فاطمة نزل بها بالسيّارة سيدي محمد مغارة الذي باتت عنده بطريق الاتّفاق والصّدفة، وقد سرّتنا زيارتها وطرنا بها فرَحاً، لأنّها من الحبيب وإلى الحبيب، وقد أفادتنا عن حالتكم الصّحّيّة ما زادنا يقينا واطمئناناً على مصيركم والحمد لله.
وقد وصلتني الرّسائل المتعلّقة بصاحب فاس، وبغيره، وقد كدتُ أن أرقص لنبإ طلوعكم للصالة العليا، ولرفع مجبرة الكسر عن الصّدر بعد جثومه عليه أزيد من شهر، واغتسالكم وتنظفكم من أدران أيّام المَرَض، جعلها الله في كفّة الحسنات، ورفع لكم بها المقامات.
سيّدي: زادنا في الطّين بلّة قطع الإنارة الكهربائية بالأرياح والأمطار، وكثرة البرد الذي تضاءل في هذا المساء، وإنّي الآن في أسوأ الحالات من تراكم العوامل الثلاثة، لذلك لم أجد ما أتوسّع به عليكم في الحديث كالعادة رغم وجود مولاتنا الشّريفة معنا، وقد كنتُ أعلم من حديثكم عن مقام فاس إنّه ذو شخصية يعلم ما يقال له، ويعلم ما يجيب به، وقد تبيّن أنّه لا شيء، وضاع ما كتبتم وما هوّلتم به، وصحّت فراستي فيه بأنّه سياسي لا رجل روحي يدبّ عن الروحيات، وقل لي بفضلك أيّ معنى لطلبه من اللبّادي الذي أضاع الزّاوية أن يوافق على شيء أو لا يوافق، والفرض أنّ للصقلي النظر العام على زوايا هذه الناحية، واللبادي أحد المقدّمين الذين إلى نظره التّلكّأ في الأمور ليس من شأن الرجال، وتصرّف الرجل هذا غير مستساغ أصلا، فليترك الزاوية للإهمال والتفريط حتى يأتي من يضمّها إلى المصالح العصرية في يوم الأيّام، وعلى مودّتكم والسلام.
في الثلاثاء 1 جمادى 2 عام 1377هـ.
سيّدي: وصلتني مع الشّريفة ما نفحتموني به من كرمكم الحاتمي، وإنّي كلاً وبعضاً ألسن شاكرة ممنونة لكم، عوّضكم الله خيراً ووقاكم من كلّ سُوء سرّاً وجهراً، امّا الخرق فقد كنت اشد الحاجة إليها، وأما الخرقة البيضاء فأشتهيها لسيّدنا الأخ يخيطها جلاّبة أو سلهاماً للتّصدّر لرياسة حفلة العرس السّعيد الذي سأكون أبا عبد الله بجانبه بمثلها، وهي عندي مخيطة، يسّر الله. صحّ به وبأصله.
صفيّكم البشير.
ومن الطّريف الظّريف، أنّ الشّمع قد نفذ الآن، والساعة 8 فلا ندري كيف نقضي الليلة.
[12]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج وقد تضمّنت ألواناً من المفاهكات، وأحاديث الطّهو وما يصلح وما لا يصلح]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
أستاذي العزيز، الشيخ العارف العلامة الكبير، أبا رشيد سيدي الحاج محمد سكيرج، رعاكم الله وحفظكم، وسلامه تعالى عليكم ورحمته وتحياته وبركاته.
وبعد، ففي مساء أمس الأربعاء قبضتُ كتابكم وسررت به سروراً باطنياً وروحياً لا تستطيع لغة الكلام الإبانة عنه، شاركني فيه كلّ من في الدّار، حيثُ لم يكن منتظراً أن يصل في هذا الأمد القريب من يوم سفركم، وإذا لم يكن مفيداً الفائدة المرجوّة المنتظَرة عن الحالة التي وصلتم عليها بالتّحقيق والتّكييف، والوصف والتّعريف بطريق التّعبير. فقد كان مفيدها من شاهد حال كتابتكم الممتعة المستفيضة بروح من النّشاط وسموّ الفكرة مع التّنازل إلى سبب ذلك الانحراف من ناحية الطّبّ، وإنّما قد حمدنا الله لنا ولكم على ما حفّ به ذلك النازل المفاجئ من خفيّ لطفه، وكرم إحسانه وعطفه. وقد جاءنا نبأكم كناسخ لحادثة ضحى يوم الإثنين، وماحٍ لما أحدثه في نفوسنا من تضجّر وتروّع، وقد كثر تساؤل السّادة وأنا أقرأ فقرة أمس، […] وقت مجيء سيّدنا الفقيه وصالحة المؤمنين، بعدما علموا سلامة الحالة من تمرغي في الضّحك المتعالي، وكان جوابي أنّه قريب، رجاء أن يكون كذلك إن شاء الله، وقد كنتم سيّدي في هذه المرّة أطبّاء، حيث تعرّضتم لسبب تلكم الرّوعة، وهو الجمع بين المتضادّين الحلو والحامض، مع المخزية الكرموص التي شأنها في الهراء منصوص. إنّي لا أحبّ الحريرة إذا لم تكن على أساس فرقة اللحم، وإذا قبلتها بالدّقيق فقط فسبب الملعونة التين التي يضرب ضرطتها المخرج -عافاكم- ضرب السّكّين، وتبلل بملابس الآكل المسكين، والتي تواتي التّين هي حريرة الدقيق والسّمن واليسير من الروز، لا حريرة الخمرة والجبن، فهذه جرت عادتنا أن تشرب بالمسمنة، وتستعمل كثيراً في الأعراس، أو […] تمهيداً للفطور الثّقيل. على أنّ مذهبي أن أجمع في الأكل إذا كانت لديّ شهيّة قويّة على الأكل بين ما أحلّ الطّبّ جمعه، وبين ما حرّمه، عملاً بقول الشاعر:
كُلْ ما تشاء وتصطفي==ودع الطيب وما نرى
وأين للطّبيب أن يعرف مضادّة الحلو للحامض، هل عرف هذا لمّا كان في عالم الأرحام؟ أو أوحت به إليه أضغاث أحلام؟ أو نزل عليه ذلك جبريل عليه السلام؟
ويعجبني في هذا قول الشاعر الحكيم:
أنت أكل الخبز لا تعرفه==كيف يجري منك أم كيف تبول
هذه الأنفاس هل تحصرها==……….
وتذكّروا العهد الذي يسأل عنه الله، وإنّي في الإفطار…ويعود عليكم سلام ربّة الدّار ومتاعها الشريفة الصالحة وأنجالها، وعلى مودّتكم والسلام.
في 25 محرم الحرام 1377هـ.
البشير أفيلال لطف الله به