إعداد: يونس السباح
تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج رحمهما الله، والتي أمدّنا بها الدّيبلوماسي الأديب التّهامي أفيلال.
[22]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يلحّ عليه في زيارته، مستعملاً لطائف الأدب، ومستملحات الأدب]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
صديقي العزيز، وخلّي الوفيّ، العلاّمة الكبير، شيخنا أبا عبد الله سيدي الحاج محمد سكيرج رعاك الله وأبقى حُرمتَك، وأنالك في الدّارين بغيتك، وسلام على سيّدنا ورحمة الله.
إنّ نصف شهر يونيه قد انتهى، وبانتهائه تبتدئ معركة الامتحانات، وهي كما قرّرتم لي ستمتدّ إلى منتهى أشهر، وبذلك تكونون أحراراً من عمليات الدّراسة، تغدون وتروحون غدوّ ورواح سائر الأحرار في الدّنيا، ولكن داخل حدود فرضتها الظّروف، كما هو لكم معروف، وبالصّفة والنّعت والإضافة موصوف. وإنّ أبا جرّاح الذي غذّته هذه السنة الأنواء وعواصف الأجواء، ولم تترك من خيراته وبركاته إلاّ النّزر من العنب والزّيتون والتّفّاح، لواقع بإجماع الجغرافيين داخل الحدود، ولئن شككتم في شأنه فعليكم بمراجعة: (شاشية اليهودي، في إفساد ما أصلحه المكودي)، وهي حاشية جديدة طبعت بهامش: (درر اللّئالي، على نظم لَلّ يلاّلي). البستان في انتظاركم، وكلما تقدّمتم كانت الرّاحة أشمل، والنّشاط في الجسم والعقل أعمل، لأنّه بالرّغم من تغلغل الأيام في الصّيف، لا يزال الرّبيع ونظرة الرّبيع ولطافة الجوّ البديع يخيّما بذلك المنتزه، وذلكم بفضل هذه الأنداء التي تتعاهدنا مرّة مرّة، وبالرّيح الشّرقيّة التي تواتي هذه الجهة وتنعش الأزهار، وتنطق البلابل والأطيار، وإنّي لا أريد أن أضيع من وقتكم ما الامتحان إليه في حاجة، فأزيدكم من هذه العَجاجة، والله يرعاكم، وسلّم على الأهل، ومنّا عليكم الإخوان والسلام. في 27 شوال عام 1374هـ.
البشير أفيلال
[23]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يهنّيه برحلة ولده الفنان البشير سكيرج إلى الدّيار الفرنسية…وزيارة ابنه رشيد من الرباط، وفيها الإخبار بزيارة القاضي العربي التمسماني لتطوان…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
سيادة شيخنا الأستاذ العزيز الشيخ الجليل العارف، سيدي الحاج محمد سكيرج رعاكم الله وسلامه تعالى عليكم ورحمته، بوجود […] دامت بالله ومحبة رسول الله وصلته.
وبعد تقبيل يدكم، وتجديد عهدكم، فإنّي أهنّيكم برحلة سميّي الأستاذ البشير نجلكم البار للديار الإفرنسية للتخصص في الفنون التمثيلية، وإنّه لمظهر من مظاهر الله في هذا الوقت الحاضر، وما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله.
واخط مع الدّهر إذا ما خطا==واجْر مع الدّهر كما يجري
فعلى الطّائر الميمون، وباليُمن والبركة والنّجاح المضمون.
قد علمنا أنّ الإضراب عن الدّراسة قد انتهى أجله، وانحلّ معضله، وعاد الطّلبة إلى مزاولة دروسهم بكدّ واجتهاد، ونشاط كالعادة أو فوق المعتاد. وقد علمنا أنّهم قد وُعدوا بالإجابة إلى مطلبهم، والإسعاف لرغائبهم، فليهنؤوا بذلك إذا كانت حقّاً وضامنة للتّراث العربي الإسلامي الحفظَ والبقاء لا مجرّدَ مستقبَلَ هؤلاء الطّلبة المتعلّقة بالمائدة والاندماج في الأسلاك الحكومية والوظائف المعاشية.
وقد أفادني السيّد عبد السلام صاحبنا، أنّ النجل السيّد رشيد قد حضركم من الرباط في زيارة خاطفة، وأسف من عموم مصادفته لوجودنا لديكم، -وإنّا كذلك- غير أنا نفضل مصلحته الخاصّة، ونطلب الله له النجاح والخير إن شاء الله أمام، وربّنا يكون لكم عوناً، ويحفظكم من كلّ حاسد ومن كلّ شرّ ذي شرّ آمين.
وقد زارني في الأيام الأخيرة الأديب الكبير سيدي العربي التمسماني، وبمعيّته أخوه الفقيه السيد المختار، واستغرقا معي وقتاً طويلاً، وقد لامني كثيراً على الإعراض الذي بدا منّي معه لما كنت بحضرتكم، وذكر أنّه تلفن لي مرات للدّار، وفي كلّ يجاب بشكل لا يخرج معه بنتيجة، […] وقد اعتذرت له بما أقنعه ودفع عني سبب الإعراض ورفعه، كما حملني سلام الأخ سيدي عبد الله كنون على عدم إعلامه بحضوري هناكم. نعم، وهذا الملام لم أجد له دفعاً بما فهم.
وقد زارني أيضا ابن العم سيدي محمد، وما قصّر معي ومع أخته في المؤاخذة على تقصيرنا في القيام بواجبهما، ولم نجد في الحق ما نبرر به موقفنا منه، ولم نستطع أن نصرّح له بأن المسألة قلبية، وأنّ الزيارة لم نرد بها الطواف على المعارف والأصدقاء، وما كان منها فلما له بكم علاقة واتّصال ولا غير. هذا، وقد تعاهَدَنا مولانا بهذه الأمطار التي كان نزولها قويّاً وغزيراً نحو يومين كاملين، فارتوت الأرض البياض، ونمت الزروع، وانتعشت الخضر والبقول، وعلت الوجوه ابتسامة الغبطة والسرور، ونرجو الله أن يعمّ به سائر بقاع هذا القطر المغربي في هذا العهد الكريم.
وقد أعلمتني المنبهيّة أنّ عقد الزواج بين بنية سيدي أحمد السميحي وبين الشاب الرباطي قد تمّ، وقرأت له فاتحته بداركم العامرة، ففرحت بذلك غاية، وإنّي أهنّيك وسيّدتنا العالمة الصالحة بذلك، ونؤمل من الله أن تعقب تهنئتي هذه تهنأتي بعقد كريم على بنيتنا العزيزة السيدة زبيدة في القريب العاجل إن شاء الله، وقد كتبت بهذه المناسبة لسيدي أحمد بطاقة داخل رسالة حررتها للأخ عبد السلام السميحي في غرض خاص فلم يجبني قط. وسلم منا على الأنجال وربّة الدار رعاها الله وحفظها، ومنا عليكم الإخوان والسيدة على الكل، والله يرعاكم ويحفظكم بكلاءته آمين. وعلى مودتكم والسلام. في الجمعة 6 شعبان الأبرك عام 1375هـ.
أخوكم البشير أفيلال
[24]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يخبره فيها بزيارة ولده عبد الصمد له، ويحثه على السّفر من أجل راحته…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
شيخنا العزيز العلامة الجليل أبا عبد الله سيدي الحاج محمد سكيرج، السلام عليكم ورحمة الله.
وبعد، فقد طلع علينا في هذه الصبيحة نجم الولد البار عبد الصمد، متألق الطلعة، حاملاً معه ما بعثتموه من جلابة الأخ وشاي أخيك الحبيب، وإني كعادتي معك في تقبيل أياديك النّديّة، لا أجد ما أقر له إزاء كلّ هذا الفضل البالغ حدّه، والجود المتجاوز عدّه..
كنّا قد تلقّينا مكالمتك التيليفونية، فخرجنا منها على أنّك ستفيدنا من الغد عن موعد زيارتك، وانتظرنا إفادتك، ولكن عبثا، وقلنا ربّما تأخرت لمهرجان مقدم الملك، أمّا أخوك فمنذ 15 يوما وهو يلاوم بيته، لأنّ مرض الفم كما قلت لكم عاودني مرّة أخرى، واستدعيت له طبيبناً، وحلل مواد ذاتية، وأرشدني إلى استعمال عدّة أدوية لا زلت أستعملها، وبعد الانتهاء منها سيعيد نظره، وربّما يرشد لأشياء أخرى، هذا ما أخرني عنكم أيام العيد، وبعدها، وكم كنت حريصاً على الاجتماع بولدنا رشيد […] وفي هذا اليوم عزم الأخ سيدي عبد السلام على ذهابه لطنجة، فاغتنمتها السيدة ربّة الدار فرصة سانحة للاتّصال بك، ومعرفة حقيقة ما يجري، والاطّلاع على […] حضورك لديها الخ، ذكرتم في الرسالة وذكر الولد عبد الصمد عزم السيّدة الجليلة على زيارة البيضاء نزولاً على رغبة السيدة زبيدة، وإنّي لأراها […] الفرص وأجلى من النص لتحمل نفسك هادئة ساكنة مطمئنّة لدارك وأهلك الذين هم إليك في شوق لا مزيد عليه، وما عليك إلاّ أن تغلق باب الدار بمجرّد سفر الأهل بالضبة والمفتاح، وتتوكل على مولانا الفتّاح، وأتمم سيدي الموضوع مع السيّدة ربّة الدار التي ستزورك بحول الله. قد علمت أن صاحبنا عاد إلى الدار يزاول نشاطه، وما فهمت موجب مغادرته لها، كلّ تلك المدّة ثمّ عودته لها، وأخشى أن يكون بدعوة ملحة من بعض الجهات.
سيدي: ما أمسكت القلم الذي يرقم لك ما نريد أن نقوله منذ أمد طويل، لأنّي لا أقدر على مسكه ولا على التّفكير فيما نقوله لك، وكلّما كنت أشغل به نفسي هو التّأنس الخيالي بمكالمتك التيلفونية وانتظار حضورك، ومولانا ينفعنا جميعاً بمحبتكم، ويدعنا على مودتكم، بجاه سيدي الوجود صلى الله عليه وسلم، وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.
في يوم الثلاثاء. 30 ذي الحجة الحرام عام 1378هـ.
أخوكم: البشير أفيلال