1 / كنت في الآونة الأخيرة مشدودا مندهشا وأنا أراجع مشروع كتاب جديد لأحد أعمدة الأدب المغربي عزيزي المرحوم سيدي عبد الله المرابط الترغي في موضوع : ” الحركة النقدية والبلاغية في المغرب : 1082 ـ 1139 ه ” وهو مشروع يشكل خمس أطروحته الفريدة حول الحركة الأدبية على عهد السلطان مولاي اسماعيل العلوي
يتجاوز مشروع سيدي عبد الله رحمه الله أربعمائة صفحة ، بسط فيها مجال الكتابة النقدية والبلاغية ؛ واقفا مستوقفا عند :
- مجال الكتابة النقدية والبلاغية : أصنافها ( مصنفات نقدية خالصة ، مصنفات أدبية ذات صبغة نقدية ، كتابة بلاغية ، مساءلات وأجوبة )
- أشكال الممارسة النقدية والكتابة البلاغية :
( المخاصمات ’ عمليات : التوجيه والتصحيح والتأليف )
- مظاهر الكتابة النقدية والبلاغية : ( المفاهيم ، القضايا )
- الاتجاهات النقدية والبلاغية : ( الاتجاه العقلي ، الاتجاه الفني )
2 / كان سيدي عبد الله رحمه الله أستاذا لا يشق له غبار في آليات القراءة ؛ وهي عنده علوم النحو واللغة والعروض ، وكان رحمه الله يعد آليات القراءة أساس الأساس في تكوين طلبة الاجازة والماستر .. وله كل الفضل في ادراجها وتبسيط أصنافها وممارساتها ومفاهيمها وأجرأتها في سلكي الاجازة والماستر..
3 / ما زلت محتفظا ببعض وريقات سيدي عبد الله كتب فيها اجابات عن استفسارات، دون معرفة السائل أو المصدر ، فأنقلها لهذا الحيز قصد الاطلاع ولكل غاية مفيدة ، ولعل هذا المنزع السقراطي مبتدع ترغي في التواصل الديداكتيكي عنده :
س / ما البلاغة ؟
ج / كلام كل متحدث بقول أو منشئ لخطاب ذي تأثير في نفس المخاطب ، أو قل : كل معنى أو فكرة موصلة بأسلوب قوي ؛ حديثا أو كتابة ( شعرا أو نثرا )، أومطابقة الكلام لمقتضى الحال ؛
حال المخاطب :
ـ مستواه الفكري والثقافي ..
ـ وضعه النفسي ..
مقام الخطاب :
ـ سلامة الأداء..
ـ تجنب الغموض والتعقيد..
س / ما أساس علم البلاغة ؟
ج / البلاغة علم وفن ، قسمها البلاغيون الى علوم بيان ومعان وبديع
س / كيف نشأ علم البلاغة ؟
ج / نشأ بعد الخلاف الذي دار حول طبيعة اعجاز القرآن ؛ فطائفة قالت باعجاز أسلوبه..وطائفة قالت باعجاز مضمونه.. وعبد القاهر الجرجاني هو واضع نظرية علم البيان في كتابيه ” أسرار البلاغة ” و” دلائل الاعجاز” ، وجاء بعده السكاكي فجمع كل الآراء والملاحظات الدقيقة لهذا العلم في كتابه ” مفتاح العلوم ” مع دفاعه على فكرة ضرورة توفية خواص التركيب حقها..ثم جاء القزويني فميز بين أمرين : بلاغة الكلام.. وبلاغة المتكلم
وقسم معنى مقتضى الحال بمقام المخاطب ( بكسر الطاء )
ومقام المخاطب ( بفتح الطاء )، وقسم البلاغة الى بيان ومعان وبديع..وأما المؤلفون في هذا العلم بعد الثالوث المذكور فمجرد شراح..
س / ما علاقة البلاغة بالذوق ؟
ج / البلاغة صورة مشرقة منبنية على الذوق ، وكان العلامة ابن خلدون من أوائل المتحدثين عنه ؛ حيث قال في مقدمته: ” اعلم أن لفظة الذوق يتداولها المعتنون بفنون البيان العربي ؛ ومعناه حصول ملكة البلاغة للسان ؛ والبلاغة مطابقة الكلام للمعنى من وجوهه بخواص تقع للتراكيب في افادة ذلك ؛ فملكة البلاغة في اللسان تهدي الى جودة النظم وحسن التركيب ؛ والذوق هو الذي يدرك الحسن والجودة ، وهي ملكة لا تحصل بمعرفة القوانين ، وانما تفيد العلم باللغة ولا تفيد حصول الملكة.. واستعير لهذه الملكة عندما تترسخ وتستقر اسم الذوق الذي اصطلح عليه أهل صناعة البيان..” والذوق كما شرح التهانوي : ” قوة ادراكية ، لها اختصاص بادراك لطائف الكلام ومحاسنه الخفية
هكذا كان المرحوم يبسط في دروسه وحواراته وتوجيهاته ليهيئ الطالب والباحث ويستدرجه من بسيط الى مركب فمعقد .. رحم الله المعلم سيدي عبد الله رحمة واسعة.
د. عبد اللطيف شهبون