مع شعراء المغرب
4ـ الشيخ محمد العياشي سكيرج : الأديب الشاعر
ـ أ ـ
يتجلى الجانب الأدبي عند سكيرج في التآليف التي أنشأها في موضوعات تتصل بالأدب وهي كثيرة ومتنوعة. ويتميز أسلوب الكتابة الأدبية عنده بحضور واضح للمحسنات البديعية من جناس وطباق وسجع ومقابلة وتورية، وهذا يدل على سعة أفق التفكير عند سكيرج ومقدار تمكنه وتحكمه في العبارات والدلالات التي تحملها تلك العبارات، من جهة، كما يطلعنا على طبيعة التعبير السائد بين أغلب أدباء الفترة، وسندرك هذا عند اطلاعنا على نماذج من رسائله الإخوانية.
وأما في ميدان الشعر، فهو على قلته معبر وإنساني، اقتصر فيه على نواح خاصة ليس فيها هجاء ولا فخر، وليس فيها تملق أو تودد زائف ولذلك كان شعره صادقا، وكثيرا ما عكس جوانب اجتماعية فاسدة في الفترة التي عاشها.
هذا من حيث المضمون، وأما من حيث الشكل فإن أكثر ما صدر عنه من شعر كان من بحر الرجز، وهو الأسلوب السائد عند الفقهاء في تلك الفترة. ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان الشعر في تلك الفترة مكملا لثقافة الفقيه أوالعالم، على حد تعبير الأستاذ عباس الجراري في كتابه ” الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه “: ” أما الاتجاه الأول وهو التقليدي، فكان ينطلق من مفهوم معين للشعر، وهو مفهوم يربط الشعر بثقافة العالم أو الفقيه، لاعتباره عنصرا مكملا لهذه الثقافة، ووسيلة لإظهار القدرة الشعرية، واعتبار دوره لا يتعدى الترويح عن النفس وتبادل العواطف مع الآخرين” [1] لأننا إذا استعرضنا نماذج مما صدر عن أدباء وشعراء تلك الفترة وأعني بها بداية القرن العشرين نجد أكثره من قبيل ما نهجه سكيرج، ” وكانت تشمل:
1 ـ موضوعات ذاتية تعتمد الغزل ووصف الطبيعة.
2 ـ إخوانيات ومطارحات ومساجلات.
3 ـ شعر المناسبات من مدح ورثاء وهجاء.
4 ـ يضاف إليها المديح النبوي الذي كان موضوعا خصبا عند شعراء هذه الفترة.”[2].
وهكذا، إذا استعرضنا موضوعات الشعر التي خاض فيها سكيرج، نجدها لم تخرج عن الرثاء والتراسل والنظم العلمي والغزل وهو قليل جدا، والإخوانيات والشعر الوطني وبعض القطع ذات الموضوعات المختلفة ومنها التهنئة بزفاف أو مناسبة اقتضتها العلاقات الاجتماعية التي كانت بينه وبين أعيان طنجة.
ويجب أن أشير إلى أن النماذج الشعرية والنثرية التي سأثبثها في هذا الموضوع، ليست مجموعة في كتاب أدبي أو ديوان شعري، وإنما هي مأخوذة من بعض رسائله المحفوظة في مكتبة عبد الله كنون ومن كتابه “رياض البهجة في أخبار طنجة”. فالعلامة سكيرج لم يأبه لجمع شعره، أو رسائله، كما فعل بالنسبة لتآليفه التي تركها مصونة، وهي وإن كانت مخطوطة اليوم فسيقيض الله لها من يخرجها الى الوجود في مستقبل الأيام.
فمن نماذجه الشعرية، قصيدة طويلة في رثاء العلامة الشيخ عبد الصمد كنون، المتوفى عام 1352هـ، 1933م، وقد جمعتهما صداقة وطيدة، بالإضافة إلى آصرة العلم، أقتطف منها قوله:
هذا كريم الأصل كنون الـــــــذي طارت مآثره على برج الأســـــــــــــد
العالم العلم الـــــــذي آ ثــــــــاره عن كل راو في الحديث لها سنــــــــــد
قد كان في أوج السعادة رافـــــلا صدرا لأهل العلم شيخا معتمــــــــــــد
بل كان أستاذ الزمان وبـــــــدره وعليه في أعصى العوائص يعتمـــــــد
أين الدروس وأين معلوماتـــــــه كم كشفه للمشكلات لها فــــــــــــــــــأد
ويختم رثاءه بقوله:
يامن يروم مسرة في دهـــــــره خذ قدرها حقا عليك من النكــــــــــــــد
وتعز في هذا المصـاب بفـقد ذا الحبر الجليل المرتضى عبد الصــــــمد
فعليه من رضوان مولى راحـم رحماته وعلى الجميع إلى الأبــــــــــــــد
لاشك أن سكيرج لم يستطع التخلص من ميولاته العلمية وهو يرثي صديقه كنون، يتجلى ذلك في قوله: (طارت مآثره على برج الأسد).
وكان سكيرج عالما ميقاتيا ، ولم يستطع التخلص من العدول عن الغريب المتروك في الاستعمال كقوله: ) كم كشفه للمشكلات لها فأد )، ومعناه أصاب في شرحها وفهمها. وأخيرا لم يستطع التخلص من عادة الفقهاء حينما يرفعون أكفهم بالدعاء للميت بالغفران، كما في البيت الأخير.
وجلي مدى انعكاس هذه الثقافة الخارجة عن الحقل الشعري على جودة التعبير، مما جعل هذه الأبيات لا ترقى إلى التعبير الحقيقي عن صدق عواطف الشاعر اتجاه صديقه الفقيد.
وعندما تقرر رسميا بالمغرب الاحتفال بعيد العرش وذلك سنة 1932، صار الاحتفال بهذا العيد الوطني مناسبة وفرصة للحركة الوطنية لإقامة الاحتفالات، وإظهار الفرح، والمناداة بالشعارات المطالبة بالحرية والاستقلال. وكان بعض الأعيان بطنجة يقيمون حفلات عيد العرش بمنازلهم، يجتمع بها الشعراء والعلماء والأعيان. فمن ذلك أمسية أقامها العلامة الأديب السيد العربي التمسماني، شارك فيها الشيخ سكيرج بقصيدة تعتبر من أوائل القصائد التي قيلت في مناسبة عيد العرش وهي كالتالي مع مقدمة قدمها بها صاحبها:
” الحمد لله، بمناسبة عيد التاج الملوكي المحمدي الموافق لثالث رمضان المعظم 1355 – 18 نونبر 1936 قلت إذ صدح لسان القلم بالقصيدة الآتية ، فتليت ليلا بدار أبي المحامد القاضي السيد العربي التمسماني بمحضره ومحضر جمع من وجهاء حضور حفلته، ولما وصلنا إلى – فليحيى ملكنا – هتف الكل بذلك بصوت عال والكل بنفس الليلة المذكورة.”، يقول:
مالي أراك بنود المجد إيوانــــا أشكرنا بعبير النشر ألوانـــــــــــــــــا
أم جا الخبير يحيي الحي ممتطيــــــا جواده ومدير الشوق حيانـــــــــــــــا
إلى أن يقول:
لأجله همست بأذن سامعهـــــــا اليوم يوم لعيد التاج وافانـــــــــــــــــا
فقام يطرب بالألحان ساجعهــــا وهام يرقص بين القوم ولهانـــــــــــا
يقول صامته بالنطق عيدكــــــم عيد سعيد به ننال مرمانـــــــــــــــــا
بشرى به معشر الإسلام إن لنـا من العناية ركنا قام بنيانـــــــــــــــــا
حق الهنا به وهو الحياة لنـــــــا حق الفخاربه عزا وسلطانــــــــــــــا
سما وحق الذي حبا بعطفتــــــه سمو عز حليف العرش مولانـــــــــا
من خصه الله بالهدى الخفي فلا تقس على فضله في الدهر إنسانـــــا
حيوا بفضلكم رايات طلعتـــــــه قولوا جميعا لنا فليحيا سلطانـــــــــــا
ويختمها قائلا:
وكلنا خدم الأعتاب يشملنـــــــا رضاكم مع من بحبكم دانــــــــــــــا
هذه القصيدة ليست في مستوى الشعر الحماسي الذي تقتضيه المناسبة، وليست فيها معاني راقية تناسب مقتضى الحال، ومع ذلك فهي بادرة طيبة من هذا الرجل الذي لم يترك مناسبة الاحتفال بعيد العرش تمر دون أن يبصمها بمشاركته، وذلك في الوقت الذي لم يخطر ببال أديب ممن حضروا حفل السيد التمسماني أن يساهم في المناسبة.
( يتبع )
[1] ـ ” الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه” عباس الجراري، ص 200.
[2] ـ نفسه ص 200.
دة. نبوية العشاب