من إيحاءات زيارة محمد الخامس الثانية لتطوان
24 – 28 شتنبر 1957
بقلم: الزبير بن الأمين
نشرنا سابقا في جريدة الشمال الأسبوعية بتاريخ السبت 17 أبريل 2021 (العدد 1094)، موضوعا عن الزيارة الأولى لجلالة المغفور له محمد الخامس لمدينة تطوان بتاريخ 09 أبريل 1956. حملت معها بشرى الاستقلال والوحدة.
وبمناسبة حلول الذكرى الخامسة والستين نتطرق في هذا العدد لزيارته الميمونة الثانية، التي تمت خلال الأيام الأخيرة من شهر شتنبر 1957. وقد وُسِمَت بالإنجازات الكبرى المتمثلة في تشييد المشاريع المختلفة التي أشرف عليها جلالته رحمه الله في مختلف فضاءات المدينة ونواحيها.
انطلقت هذه الزيارة إلى تطوان من مدينة طنجة، بعد أن أقام بها أياما سعيدة مدشنا عددا من المشاريع العامة، ومحييا صلة الرحم مع شعبه في فضاءات العديد من اللقاءات والاستقبالات والاستعراضات والاحتفالات الكبرى.
غادر جلالته مدينة البوغاز يوم الثلاثاء 24 شتنبر 1957، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، (الحسن الثاني)، ورئيس الحكومة السيد مبارك البكاي الهبيل والوزراء ومديري الدواوين الملكية، وأعضاء الحاشية، ليصل إلى مدينة تطوان في الساعة الرابعة والنصف عصرا بعد توقف قصير بالبرج لتوديع وفود قبائل أنجرة والفحص، وآخر بفندق العين الجديدة لتحية قبيلة ودراس. وعلى بعد عشر كيلومترات من الوصول إلى عاصمة الشمال، وبداية من جسر بوصفيحة، اصطف على جانبي الطريق أهالي بني يدر والحوز وبني حزمر لاستقبال العاهل الكريم.
وعند مدخل الحمامة البيضاء يتغير منظر مُقَدِّمة الموكب الملكي فتصبح له صورة أكثر بهاء وجلالا، حين تتولى فرقة الخيالة مكان أصحاب الدراجات النارية لخفر السيارات الملكية. وفي هذه اللحظة تطلق المدافع 21 طلقة إعلانا وترحيبا بقدوم صاحب الجلالة، لتستقبل المدينة عاهلها بحفاوة بالغة وابتهاج عظيم.
يسلك الموكب الشريف الطرق التالية: شارع لواضة Aguada، شارع كالفو سوطيلو، ساحة مولاي المهدي، شارع الخنرال فرانكو، ساحة الفدان. وتقف على جانبي الشوارع الهيئات الكشفية والثقافية وتلاميذ المدارس المختلفة وجماهير متعددة متعطشة للتملي بصورة جلالته والتعلق بشخصه ومؤازرة نضاله.
وبجانب المشور السعيد تُؤَدي التحيةَ لجلالته فرقةٌ من الحرس الملكي، ويُقَدِّم عامل إقليم تطوان السيد الطيب بنونة للعاهل الكريم التمر والحليب على العادة المغربية.
دامت الزيارة أربعة أيام من 24 شتنبر إلى 28 شتنبر 1957 وتشكل برنامجها من الأنشطة التالية:
الأربعاء 25 شتنبر: استقبال بالقصر الملكي وتدشين بشارع محمد الخامس:
استقبل جلالته صباحا بالقصر الملكي بتطوان في البداية عامل الإقليم وباشا المدينة وممثلي الهيئات القنصلية المعتمدين، وكذا الهيآت والمنظمات السياسية من ممثلي الأحزاب والجمعيات الجزائرية. كما استقبل أعضاءَ المجلس العلمي والبلدي ونُقَبَاء الشرفاء، بالإضافة إلى شخصيات أوربية ومغربية تُمَثِّلُ الأطباء والصيادلة ورجال القضاء، فضلا عن ضباط القوات المسلحة الملكية وممثلي الديانة اليهودية والمسيحية، وشخصيات تمثل قطاع التعليم والتهذيب ورجال المقاومة وجيش التحرير وجمعيات مختلفة…
وعند الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح الأربعاء، قام العاهل المفدى بتدشين اللوحة الرخامية الحاملة لاسمه وإزالة لوحة “شارع الخنراليسمو فرانكو”، وذلك في أجواء مفعمة بالحماس والحب والتعلق بالعرش المجيد. وقد قطع جلالة الملك المسافةَ راجلا من القصر الملكي إلى ساحة مولاي المهدي مرفوقا بالأمير مولاي الحسن (الحسن الثاني) وعدد كبير من الشخصيات الحكومية. وقرب ساحة مولاي المهدي قدَّمت له الفرقةُ الموسيقيةُ التحيةَ، وتلقى هناك أمام حضور جماهيري كثيف الهتافات والزغاريد والتصفيقات والدعوات لحفظه وتوفيقه.
هذا وقد نشرت الصحف الإسبانية الصادرة بشمال المغرب في اليوم نفسه (25 شتنبر 1957) بيانا وَزَّعَتْه القنصلية العامة الإسبانية بتطوان يعلن أن صاحب الجلالة أَذِنَ بإطلاق اسم فخامة رئيس الدولة الإسبانية الجنرال فرانكو على أحد الشوارع الهامة بتطوان، وهي التفاتة تعبر عن رغبة تمتين روابط الصداقة التي تجمع بين البلدين. كما أكد ولي العهد الأمير مولاي الحسن أن لصاحب الجلالة محمد الخامس اهتمام بحفظ اسم رئيس الدولة الإسبانية بمدينة تطوان تذكارا للموقف التضامني الذي أعرب عنه فرانكو والشعب الإسباني نحو جلالته والشعب المغربي أثناء الأيام العصيبة.
وقفنا في بحثنا على هذا الشارع الذي رخَّصت له السلطات المغربية حمل اسم الجنرال فرانكو من أجل استمرار العلاقات الطيبة بين المغرب وإسبانيا، وهو الشارع الموازي لشارع محمد الخامس يمينا، اليوم يحمل اسم شارع ولي العهد. ولعل الاقتراح المولوي نراه ينبعث من أخلاق جلالته الكريمة الدالة على حرصه مد جسور التعاون والصداقة مع الدولتين الحاميتين وفض المشاكل والنزاعات العالقة بينهما وبين وطننا على أحسن وجه.
الخميس 26 شتنبر 1957: جلالته يزور سد النخلة ويدشن المعاهد التربوية والفنية ويقوم بتوزيع الدور السكنية.
في صبيحة هذا اليوم قام صاحب الجلالة بزيارة سد النخلة الذي يبعد عن تطوان بحوالي 17 كلم في اتجاه طريق شفشاون، وتفقد مشروعه الكبير. رافقه في هذه الزيارة عدد من الشخصيات الحكومية. وبمجرد وصوله إلى السد قام مندوب الأشغال العمومية ومساعدوه فقدموا لجلالته عددا من الخرائط والرسومات والبيانات حول هذا المشروع الحيوي الذي يُخَزِّنُ الماء الشروب لساكنة تطوان والنواحي، ويسقي أيضا بعض الأراضي الفلاحية بسهل مرتيل…
وبعد عودته من هذه الزيارة تفضل جلالته بتدشين المدارس الحديثة التي بنيت بالحي المدرسي أو ما كان يطلق عليه “المدينة المدرسية la ciudad escolar” التي انطلقت الأشغال بها منذ 1954، وتم التعاون بين المغرب وإسبانيا على إكمال أشغالها. وتضم مدرسة المعلمين والمعلمات، والمدرسة الملكية، والمعهد الثانوي للبنات بجناحه الداخلي، ومدرسة الفنون الجميلة، والمعهد الموسيقي… وامتلأ الحي بتلاميذ وتلميذات المدارس مصحوبين بأساتذتهم. ووقف إلى جانب البنايات الجديدة رجال التعليم وموظفوه الكبار يتقدمهم نائب وزير التهذيب الوطني الأستاذ مَحمد عزيمان، فاستقبلوا صاحب الجلالة بالهتاف والتصفيق. ثم قام جلالته أولا بزيارة مدرسة الحضانة مرفوقا بالأميرة الصغيرة للاأمينة التي ظفرت من طرف أخواتها التلميذات الصغيرات بترحيب كبير.
|
بعد ذلك جلس جلالته وسط القاعة الكبرى للبناية الحديثة التي سبق أن وضع الحجر الأساسي لها صاحبُ السمو ولي العهد الأمير مولاي الحسن، حينما زار تطوان في 24 أكتوبر 1956. ثم قام الأستاذ محمد الفاسي وزير التهذيب فألقى كلمة شَكَر فيها صاحبَ الجلالة على تفضله بتدشين هذه المدارس، وأعلن أن تطوان ستصبح مدينة ذات قيمة علمية كبيرة. وبعد انتهاء الوزير من إلقاء كلمته وقف جلالته على هذه المنشآت الجديدة منصتا إلى الإيضاحات والبيانات المقدمة سواء من نائب التعليم أو من المهندسين المغاربة والإسبان الذين اشتغلوا في هذه الأوراش.
|
وبعد انتهاء حفل التدشين المدرسي انتقل جلالته إلى حارة مولاي الحسن لتوزيع الدور السكنية المتواضعة التي بنتها بلدية تطوان في زمن قصير. وقد استفاد من هذا المشروع حوالي 400 عائلة من العائلات الفقيرة والمحتاجة.
وامتدت الاحتفالات من الساعة العاشرة ليلا إلى منتصفه حيث احتضنت ساحة الفدان حفلة شعبية حضرتها الأميرات الجليلات وعدد غفير من نساء وسيدات المجتمع التطواني.
الجمعة 27 شتنبر 1957: خطبة الجمعة والصلاة بالمسجد الأعظم بتطوان:
في هذا اليوم قصد صاحب الجلالة المسجد الأعظم مصحوبا بصاحب السمو الملكي ولي العهد مولاي الحسن ومرفوقا برئيس الحكومة ومديري الدواوين الملكية وأعضاء الحاشية لأداء صلاة الجمعة.
وقد مر الموكب بساحة المشور (الفدان) ثم شارع الحاج أحمد الطريس (الطرافين) فالساقية الفوقية، ثم فندق النجار، وصولا إلى المسجد الأعظم.
|
|
وقد سبق لمدير التشريفات أن أعلن في بلاغ رسمي أن جلالته سيلقي خطبة الجمعة وسيؤم بالمصلين الصلاة بالجامع الكبير بمدينة تطوان جاء فيه:
«…نظرا لأهمية هذه الخطبة المولوية ولكي يستفيد منها سائر المواطنين في هذا اليوم المبارك الذي يجتمعون فيه للذكرى والاتعاظ، فإن مدير التشريفات يخبر سائر النُّظَّار بأنه تقرر إذاعة خطبة جلالته على جميع المصلين في سائر مساجد المغرب التي تقام بها صلاة الجمعة، وعليه فيجب على كل ناظر أن يتخذ الاحتياطات الفنية بأن يوفر في كل مسجد آلات البث والالتقاط وتكبير الصوت حتى يتمكن المصلون من سماع خطبة عاهل البلاد أولا، ثم يقوم كل خطيب بعد ذلك بإلقاء خطبته الخاصة والإمامة بالناس».
اكتظ جامع تطوان الكبير بالمؤمنين الذين حضروا في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة للاستماع إلى الخطبة وأداء الصلاة وراء جلالة الملك.
رَتَّلَ المُقْرِئُ الأستاذ محمد الغازي الرويفي آيات بينات من الذكر الحكيم بصوت خاشع تسوده الرهبة والجلال. ولما صعد جلالته منبر المسجد استمع لرواية الحديث الذي تلاه على مسامع المصلين السيد عبد الرحمن العلوي. وبعد انتهاء الحديث وأذان الجمعة وقف صاحب الجلالة ليقدم خطبة الجمعة التي حث فيها المصلين على التمسك بأهداب الدين الحنيف وسلوك طريق الاستقامة والرشاد حتى نستطيع المحافظة على استقلالنا وكرامتنا. وكانت الخطبة الثانية مليئة بالأدعية الصالحة لهذه الأمة ولراعيها الأمين.
خطبة صاحب الجلالة محمد الخامس بالمسجد الأعظم بتطوان:
قال فيها رحمه الله:
«… ألا وإن الاستقلال لا يدوم إلا بصالح الأعمال، وإن العز والكرامة لا يتِمَّان إلا بالإيمان والاستقامة، وهاتان هما أسس الفضائل الإسلامية وجماع الأخلاق القرآنية }إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا{.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوصني يا رسول الله، فأجابه بهذه الجملة العامرة: “قل آمنت ثم اتق” ألا وإن الاستقامة تعني التمسك بالفضيلة والأخلاق النبيلة، فما تَمَسَّكَت بهما أمة إلا نالت النجاح وبلغت درجة الفلاح وما حادت إلا أصيبت بالدمار وحَلَّ بها البوار، لأنهما مفتاح المحبة بين الناس والتعاون على الخير والتضامن في سبيل الصالح العام، والصمود أمام العقبات، والتغلب على الأنانية والأغراض الذاتية. لذلك أجمعت الديانات على الدعوة إليهما، وألحَّت عليهما. ومن ثمراتها إصلاح النفس وإصلاح الأحوال }إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{، فلنواصل العزم على تنوير بصائرنا ولْنُجَدِّدْ العزمَ على إصلاح شؤوننا، فإن ديننا في حاجة إلى بعث وإحياء، وأخلاقنا في حاجة إلى تجديد واتقاء. وإن وطننا لينادينا لإتمام تحريره وتوحيده وحماية مجده ومجد بُنَاتِه. وإننا لا نصل إلى شيء من ذلك بغير ما وصل إليه المؤمنون، وما تحلَّى به العاملون المخلصون. وإن شهداءنا الأبرار الغيورين الأحرار إنما ماتوا ليحيا الوطن عزيزا مُكَرَّما رفيعا محترما. وقد خلَّفوا لنا تراثهم الكريم، فلنواصل العمل لخير الوطن والدين. ولْنَسِر في نهج الحق المبين، ولْنُقَدِّم من الحكم أعدله، ومن النظام أفضله }إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين{. وإياكم الخروج عن الطريق، والانزلاق في المضيق. فإن الحق بين الأعلام لا يزيغ عنه إلا هالكٌ عَمِيَت عليه المسالك، أخرج الإمام مسلم عن ابن عبد الله الحلمي يقول سمعت الحذيفة ابن اليمني يقول: قلت لرسول الله إن كُنَّا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير أَفَبَعْدَ هذا الخير شيء؟ قال نعم، قلتُ هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه؟ قال قوم يسنون بغير سنني ويهدون بغير هديي تعرف منه ما تنكر. قلت هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابوهم قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا، قال نعم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، قلت فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال تنجم جماعة المسلمين وإمامهم، فاسمعوا يا أمة الإسلام قول الله تبارك وتعالى، اللهم صل على رسولك المصطفى وحبيبك المرتضى وعلى آله وسلم تسليما وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن كل المصلحين، أثبت عفوك ورضاك على أمة الإسلام، وارفع مقامها بين الأنام، وانصر ملوكهم ورؤساءهم ووحد آمالهم وأعمالهم، اللهم أنقذ إخواننا اللاجئين الفلسطينيين وَرُدَّهُم إلى أوطانهم ظافرين. اللهم أنزل سكينتك على الجزائر وتداركها بلطفك الباطن والظاهر وكن وليا لها ولسائر المستضعفين. وانشر سلامك عليها وعلى أرض الله أجمعين. اللهم احْرِصْ وطنَنَا بعين رعايتك، وارْعَ حُرِّيَتَهُ واستقلالَه بجميع رعايتك، وابذل على أهله جميع أنواع الرخاء، وادفع عنهم كل شدة وبلاء، واجمع على الحق كلمتهم، واطبع على الخير أفئدتهم، إنك أهل الفضل والخير وعلى كل شيء قدير. اللهم كما قلدتني أمر هذه الأمة وَفِّقْنِي لإعلاء شأنها وتوحيد شملها، واجعلني عند حسن ظنها وثقتها فيَّ. اللهم اجعلني دعوة جدي الحسن حين دعاك في هذا المكان بعد أن عمل على تعزيز الوحدة في كل مكان، اللهم وفِّقني للخير وأعنِّي عليه واجعلني من الشعب وإليه، اللهم اجعلني لسان صدق في الآخرين، واشدد أزري بولي عهدي في كل حين. }ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا{.
}ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار{.
}ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد{.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».
ثم نزل جلالته من المنبر وتقدم ليؤم الحاضرين بالصلاة.
|
كلمة عامل تطوان السيد الطيب بنونة وتقديم راية أندلسية كهدية لجلالة الملك.
بعد أداء فريضة الجمعة خرج أعزه الله من الجامع ونزل راجلا حتى باب السعيدة فامتطى سيارة سوداء ثم علت الهتافات والزغاريد والتصفيقات من كل جهة. وكانت الفتيات تلقي على السيارة الملكية الزهور والورود البديعة. ولما انطلق الموكب الملكي، صارت أمطار الخير تهطل، وظل الموكب على حالته يسير ببطء وجلالته يرد على تحيات آلاف الجماهير حتى وصوله إلى ساحة مولاي المهدي.
وتطبيقا لبرنامج الزيارة ألقى السيد عامل تطوان الأستاذ الطيب بنونة كلمة، وقَدَّم هدية من سكان المدينة وأعيانها لجلالته الكريمة. ولأهمية هذه الكلمة وحتى لا تظل مغمورة ويصيبها النسيان نقدمها إلى القراء:
«بسم الله الرحمان الرحيم مولانا حضرة صاحب الجلالة، إنه لشرف عظيم لهذا الخادم الوفي لعرشكم المجيد، وشخصكم المقدس الجليل، بأن يتقدم إلى مقامكم العالي بالله مع هذه النخبة من عائلات تطوان الأصيلة في المجد والمنحدرة من أصل عريق مغتنمين فرصة مقامكم السعيد بيننا وتشريفكم لهذا البلد الأمين.
ويأبى الله أن يكون وقوفنا في زمن مقدس هو ظهر الجمعة ومكان مقدس هو موقع المحراب، والمنبر من مصلى الأعياد الذي ذكر فيه اسم الله بالتهليل والتكبير أحقابا وأعواما على العهد البائد فهدم المصلى وبقي اسم الله الكبير المتعال يرن صداه في هذه الأجواء.
نعم يا مولاي يغتنم أهالي تطوان هذه الفرصة في هذا الزمن وفوق هذا المكان فيتقدمون إلى شخصكم العظيم وأنتم رمز البطولة والفداء وقائد التحرير وحامي الاستقلال، درة ثمينة هي أقدس ما تبقى من تراث الأجداد الأماجد في الأندلس. وهذا الأثر المبارك هو رمز السيادة والشرف هو راية الدولة الموحدية بالأندلس، وقد توارثتها عائلة شريف نبيلة في تطوان هي عائلة الشريف الوطني المخلص سيدي محمد الوزاني رحمه الله، توارثتها أبا عن جد، وكانت تعتبر صيانتها وحفظها بمثابة صيانة المؤمن لشرفه وعرضه ودينه، فحفظ الله الراية بما حفظ به الذكر الحكيم وصان الله آياته الكريمة المنسوجة بخيوط ذهبية في رقعها الحمراء. هذه سورة “إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر”، حتى انتقلت من يد أمراء المؤمنين وملوك الإسلام بالمغرب والأندلس بعد قرون ووصلت إلى يد أمير المؤمنين المؤيد بنصره المبين سيدي محمد الخامس أعز الله به الإسلام والمسلمين وحمى الأوطان من عدوان الظالمين. فتطوان يا مولاي التي اشتهر أهلها بخلق الأمانة يذرعون إلى الخالق سبحانه الذي وفقهم لرد الأمانة إلى أهلها بالشكر والثناء وهم جميعا يتمثلون في شخصكم العظيم الأمانة المحمدية، فأنتم الأمين الأول في هذه الأمة، وأنتم أجدر الناس بصيانة شرف الدولة وعزة الأمة. أبقاكم الله ذخرا للبلاد والإسلام، وحفظ أنجالكم الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته».
ثم قدم السيد العامل الراية الموحدية التي كان يحملها الشريف الأستاذ سيدي محمد الوزاني إلى صاحب الجلالة كما قدم لجلالته أعيان المدينة. وفي أجواء بالغة التأثر والحماس والأمطار تنهمر نزل صاحب الجلالة من سيارته وامتطى جوادا من ساحة مولاي المهدي فشارع محمد الخامس إلى قصره العامر.
وفي ليلة الجمعة وبفضاء المشور على الساعة العاشرة والنصف نُظِّم استعراض شعبي أمام صاحب الجلالة. وقد كان مصحوبا ببسمة الأمل الأميرة الصغيرة للاأمينة.
ساهمت في هذا الاستعراض مختلف المنظمات والهيئات السياسية والشعبية والتجارية بنصيب وافر في استعراض العربات. وقامت منظمة الكشفية الحسنية المغربية باستعراض بديع نال إعجاب الجماهير، ثم اختتم الحفل باستعراض فرقة من القوات المسلحة الملكية وجوقها الموسيقي.
ومن الحفلات الكبرى التي أقامتها مدينة تطوان على شرف صاحب الجلالة، حفل عشاء فاخر مساء الجمعة في رحاب بيت باشا المدينة الوجيه السيد عبد السلام الحاج بالمدينة العتيقة على الساعة التاسعة ليلا. حضره جلالته وولي العهد الأمير مولاي الحسن والوزير الأول السيد مبارك البكاي وكبار رجال الدولة وشخصيات عديدة مدنية وعسكرية.
وحفل عشاء آخر ببيت السيد بولعيش بيصة.
ونظَّم الاتحاد النسائي التطواني حفلة شيقة تكريما لصاحبات السمو الملكي الأميرات الجليلات، وذلك بقاعة بناية وزارة التهذيب الوطني حضرتها نخبة ممتازة من سيدات تطوان. واشتملت الحفلة على موسيقى وأناشيد وطنية، وزعت أثناءها الحلويات والشاي.
كما نظمت نساء تطوان الإسرائيليات بناديهن حفلة لطيفة تكريما لسمو الأميرات الجليلات.
|
عاشت مدينة تطوان خلال هذه الزيارة الملكية أياما تاريخية خالدة امتدت فيها التدشينات والحفلات والاستعراضات نهارا وليلا بحضور ملك الشعب محمد الخامس بين أحضانها معبرة عن مدى شعورها واغتباطها وسرورها العظيم بالزيارة الميمونة.