مواجهات وغازات واعتقالات ودموع بالريف في الذكرى 96 لحرب أنوال المجيدة 1921 – 1926
الجمعة 28 يوليوز 2017 – 16:26:48
*الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب لأنه لا يتوقف حتى النصر
* لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية، وكل ما سواها باطل وليس في قضية الحرية حل وسط .
*الحرية حق مشاع لبني الإنسان وغاصبها مجرم* أقوال مشهودة للأمير محمد عبد الكريم الخطابي.. خاض أهل الريف حروبا عديدة ضد الغزاة الإسبان قبل أنوال، كان أشهرها المعارك التي قادها الشريف محمد أمزيان الإدريسي ما بين 1909 و 1912، بهدف قطع الطريق على الجيوش الاسبانية وإفشال خططها في مد خط سكة حديد وبناء جسور وقناطر بين مليلية و أزنغان، بهدف الاستيلاء على مناجم الحديد بمنطقة “أفراووكسان”. ومن أشهر معارك الشريف محمد أمزيان ورجاله التي تكبد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد معركة سيدي موسى ومعركة وادي الذيب ببني أنصار, وموقعة جبل نزروف و سلوان ومعركة سيدي ادريس.، حيث أن الريف تحول إلى مقبرة للجنود الأسبان الأمر الذي أثار غضب طبقات واسعة من الشعب الإسباني وتسبب في قلاقل اجتماعية خاصة في منطقة كاطالونيا. وبعد أن استشهد الشريف أمزيان داخل مسجد بكدية حامد ببني سيدال، تسلمت مشعل المقاومة أسرة آل الخطابي المجاهذة، حيث أفلح محمد بن عبد الكريم الخطابي في توحيد قبائل الريف المتخاصمة والمتناحرة أحيانا.
وأمام فشل المفوضات بين الأسبان ومحمد عبد الكريم الخطابي :
ـــ الذي درسَ بجامعة القرويين ومارس الصحافة والقضاء بمليلية قبل أن يعود إلى مسقط رأسه بأجدير
ـــ وأمام لا مبالاة السلطات المركزية وسلبية موقفها من ثورته على الغزاة الأسبان، بل وعدائها الظاهر لثورة الخطابي الذي وصف بـ “الفتان”، قرر زعيم الريف إحداث “إمارة ” جهادية لمواجهة المرحلة حيث جمع حوله قبائل اكزناية وبيني ورياغل وبين توزين وتمسمان، بوجه خاص، وأسس جيشا من أهل القبائل لحماية أنفسهم وممتلكاتهم، والتصدي لتغلغل الوجود الاسباني بمباركة من الاستعمار الفرنسي الذي وطد احتلاله لوسط المغرب بعدَ أن أخضعَ السُلطان عبد الحفيظ لإرادته ونَجحَ في أن ينتزع منه طابعه “الشريف” على وثيقة “الحماية” في 30 مارس 1912.
تحَرُكــات الأمير “محمد بن عبد الكريم الخطابي” سواء على المستوى المدني أو العسكري، أثارت غيظ الجنرال سيلفيستري الذي قرر غزو المنطقة في تحد سافر للأمير ورجاله الذين استصغر شأنهم واستهان بعددهم وعتادهم، واستخف بقدرتهم على مواجهة جنوده. وفي سنة 1921، اقتحم الجنرال الأراضي الريفية، انطلاقا من مليلية الخاضعة للوجود الاسباني منذ 17 شتنبر 1497 واقترب من ظهر أبران ولكن المجاهدين تصدوا لجنوده وألحقوا به وهم هزيمة نكراء حيث إنهم تسللوا إلى حامية ظهر أبران وقتلوا جميع من كانوا بداخلها من جنود وضباط ، إلا من تمكن من الهرب، ولكن المجاهدين لحقوا بهم في أنوال وأبادوهم جميعا.
و بـالـرَّغم من التعليمات المركزية بعدم التوغل في أراضي الريف الثائرة، فإن الجنرال سيلفيستري غامر بالتوجه مباشرة إلى أنوال حيث نشبت معركة طاحنة بين المجاهدين وقوات العدو دامت خمسة أيام شارك فيها أزيد من 25 ألف جندي إسباني من خيرة جنود اسبانيا النظامية المدربة والمسلحة تسلحا قويا وحديثــًا. في مساء يوم 20 يوليوز 1921، حل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بأنوال على رأس كتيبة من حوالي 1500 مجاهد. اشتعلت حرب ضروس صباح اليوم الموالي بين الجنود الأسبان والمجاهدين الريفيين، انتهت باندحار جنود العدو وانتحار الجنرال سيلفيستري وعدد من الضباط ، من مختلف الرتب، بعد أن أحكم الأمير قبضته على الموقع ومنع الإمدادات حول مركز “إغرين” كما منع جنود العدو من التزود بمياه “عين عبد الرحمن” بوادي الحمام، بين اغربن وأنوال.
إلى ذلك، كبد المجاهدون الريفيون العدو الإسباني خسائر فادحة في العتاد والأرواح في مناطق أخرى من أرض الريف خاصة في الدريوش وجبل العروي وسلوان. وقد غنم المجاهدون في معركة أنوال فوق المائتي مدفع وأزيد من 20 ألف بندقية، وعددا كبيرا من القذائف وملايين الخراطيش وسيارات وشاحنات عسكرية وأدوية وتجهيزات حربية متنوعة. ووقع تحت الأسر لدي المجاهدين فوق 700 جندي وضابط إسباني كما سقط في أرض المعارك حوالي 20 الفا من جنود العدو ما بين قتيل وجريح.
لقد كان لانتصار الأمير عبد الكريم الخطابي على دولة كبرى ــ آنذاك ـــ مسندة بقوة فرنسية أرض ـ جوية، وقوات أخرى أوروبية، في معركة أنوال المجيدة، صدى واسعا في العالم أجمع، خاصة في العالم العربي والإسلامي التواقة شعوبه إلى الإنعتاق من ربـق الاستعمار والعبودية . كما أن الإعلام الأوروبي، خاصة في اسبانيا وفرنسا وألمانيا وفي أمريكا اللاتينية، نقل أخبار انتصار ثورة أهل الريف على الغزاة الأسبان حيث بدأت شعوب العالم تنظر إلى الأمير محمد عبد الكريم الخطابي بمنتهى التقدير والإعجاب وتضعه في مصاف كبار أبطال العالم ومن أكبر حماة حرية الشعوب وأعظم زعماء المقاومة ضد الاستعمار والمستعمرين الأوروبيين. معركة أنوال كانت لها انعكاسات خطيرة ، سياسيا وعسكريا على أسبانيا وفرنسا، خاصةـ وهما البلدان المتورطان في مؤامرة احتلال المغرب، قبل وبعد مؤتمر الجزيرة الخضراء (1906) حيث تم اقتسام أرض المغرب بين الدولتين ففازت الأولى بشمال وجنوب البلاد وفضلت الثانية وسط المغرب الغني بأراضيه الفلاحية وما تختزنه تربته من نفيس المعادن.
وحتى تتمكن الدولتان المستعمرتان للمغرب من بسط نفوذهما، بأمان، على سائر تراب “الإيالة الشريفة، قررتا إحداث “تحالف مقدس” على طريقتهما ، بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل القضاء على ثورة الريف، خصوصا وأن مقاتلي الأمير الخطابي بدأوا يقتربون من فاس عبر الشاون التي تحولت إلى حامية إدارية وعسكرية من حاميات الجيش الريفي، و يهددون عاصمة المغرب التي كان يوجد بها السلطان الذي كانت أوامره لا تتعدى أسوار المدينة العتيقة بينما الأمر كله بيد المقيم العام الفرنسي بالمغرب لويس هوبير غونسالف ليوطي (1912 – 1925).
وهكذا شن “التحالف المقدس” الإسباني الفرنسي هجوما عنيفا كاسحا، برا وبحرا وجوا على مواقع الثوار الريفيين مستعملا أحدث الأسلحة التقليدية منها والسامة، ـــ المحرمة دوليا ـــ لينتهي الأمير محمد عبد الكريم الخطابي إلى الاستسلام، يوم 26 ماي 1926، حماية لأرواح وممتلكات أهل الريف ولتتوقف عجلة التاريخ بخصوص الثورة الريفية والجمهورية الاتحادية الريفية التي كانت، باتفاق المجاهدين أنفسهم، وعلى رأسهم الأمير الخطابي، إمارة جهادية لتحرير الوطن المغربي، كل الوطن المغربي أمام انتكاسة السلطات المركزية “الوطنية” وانحسار دورها الشرعي في الدفاع عن حوزة البلاد،” وفق شروط البيعة”، بعد أن قبلت بعقد “الحماية” المزدوجة وتساهلت في حماية سيادة الوطن واستقلاله. السلطات الفرنسية عاملت الأمير محمد عبد الكريم الخطابي بالاحترام الواجب لــ “عدو كبير” وقائد وطني رفيع المستوى، وقررت نفيه وأسرته وبعض رفاقه إلى جزيرة “لا ريونيون” التي تقع في المحيط الهندي شرق جزيرة مدغشقر (وكانت تسمى في السابق “جزيرة آل بوربون” وهم ملوك فرنسا وإسبانيا). وظل الأمير تحت الإقامة الجبرية في هذه الجزيرة ما بين 1926 و 1947 حيث قررت باريس نقله عبر البحر، إلى فرنسا لتسهل مراقبته ويكون قريبا من مراكز القرار في الحكومة الفرنسية. وحين علم الوطنيون المغاربة الموجودون آنذاك ببلاد الكنانة بحتمية مرور الباخرة التي تقل الأمير وحاشيته بقنال السويس، عمدوا إلى ترتيب خطة إنزاله بأرض مصر بتواطؤ السلطات المصرية ورعاية الملك فاروق رحمه الله، خاصة، الذي منحه اللجوء السياسي وفوت على فرنسا فرصة الظفر بالأمير فوق الأراضي المصرية .
وظل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في مصر، قائدا للنضال المغربي والمغاربي حيث أنه أسس، سنة بعد استقراره بمصر، لجنة تحرير المغرب العربي و أكد رحمه الله في المادة الأولى للميثاق المغاربي الذي وقع عليه زعماء المغرب الكبير، أن “المغرب العربي جزء لا يتجزأ من بلاد العروبة” كما أن الأمير ظل ملهما للثورات المغاربية والعربية والعالمية من أجل الحرية والاستقلال إلى أن وافاه الأجل المحتوم في 6 فبراير 1963 ودفن بالقاهرة حيث لم تنجح إلى الآن الجهود المبذولة من أجل نقل رفاته الطاهرة إلى بلده، المغرب.