نظرات في حقوق الإنسان الإسلامية و الكونية، وبميثاق الأمم المتحدة لسنة 1948
الجمعة 29 دجتبر 2016 – 16:27:52
إنَّ المَفـاهيـمَ التي تُعطى في العصر الحديث لعدد من الكلمات التي تُشير إلى الحياة الإنسانية المعنوية و المادية و لجوانبها الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية والسياسية، قد ولدت بعد عصور وأجيال عديدة وتطورت إلى أن وصلت إلينا اليوم، مثل الفرد، والشخص، والحق، و العدل، وغير ذلك من المفاهيم، لذا.
كان من الضَروري أن نعبر عن المدلـول لهَذه المَفـاهيم خـلال عَصرنا الحاضر، وفي تُراثنا الإسلامي و العربي . فعبارة “حقوق الإنسان” التي يتداولها العديد من الناس في عصرنا الحاضر لم تظهر إلا بعد الثورة الفرنسية (1789)، وقد نجد عبارة في نصوص إسلامية تقرب منها هي (حقوق الله) و (حقوق العباد).
إلا أنه في العصر الحديث، يتم التركيز. أساسًا على العلاقة بين الإنسان و الجماعة الإنسانية : التي هو فيها ومعها أي ينظر فيها من زاويتين متكاملتين من رؤية سياسية و أخرى اجتماعية أي من منظور “المواطن و الدولة” ومن وضع الإنسان أي الفرد و المجتمع.
لذا يتحدد مفهوم ” حقوق الإنسان ” في العصر الحديث من زاويتين ، حقوقه من الدولة من جهة، وحقوقه من طرف المجتمع ككل..أما ما كان قديما حقوق الله و حقوق العباد فهذا لم يكن يتحدد لا بالدولة ولا بالمجتمع ، ويختلف معناهما بين الماضي و الحاضر… وهنا سأتعامل مع النصوص الإسلامية في هذا المضمار بالحفاظ على تاريخ لها، وكيف ترفع درجة وعينا بمضمونها ،و الوصول بها لأفاق تفكيرنا ومشاغلنا في الوقت الراهن .
حقوق الله وحقوق الناس: الفقهاء كانوا دائما يميزون بين حقوق الله و حقوق الناس .فحقوق الله : هي التي تشتمل على الإيمان بالله و الصلاة و الصوم وكل الفرائض و السنن التعبدية الأكيدة ، ومعها زكاة الفطر وعقوبات الحدود كحد السرقة و الكفارات وحد الزنا .
وحقوق الناس : مثل حق أولياء المقتول في الدية ، وكذلك حق الجروح في القصاص لقوله تعالى في كتابه الحكيم (أن النفس بالنفس والعين بالعين و الأنف بالأنف والأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص)، وحق الرجل المتعرض للمس بعرضه كالشتم واللعن، وحق كل زوجة على زوجها ، وحق الزوج على زوجته ، وكذلك حقوق الورثة.
وهذه الحقوق تخص أفراد معينين ، لكن حقوق الله هي لكل المسلمين. و الحق و الواجب في الإسلام مرتبطان ببعضهما كل الارتباط في اللغة العربية و يتلازمان و يتناوبان فيما بينهما ، ويتخصص معنى أي منهما بحرف الجر…فالفعل إذن حق له ويفيد معنى وجب له أو ثبت عليه ، والغالب ما جاء في القرآن الكريم من فعل حق جاء متعديا بحرف على ليفيد وجوب الشيء ولزومه فمثلا لقوله تعالى وتبارك ” ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا و كان حقا علينا نصر المؤمنين “من سورة الروم الآية 47” ويتوضح هذا النوع من التناوب بين ((الحق)) و ((الواجب)) ويبين أن ما يجب على طرف هو حق للطرف المقابل : أي ما يجب على الله هو حق للإنسان وما يجب على الإنسان هو حق الله ، ومن الحقوق كذلك حق الراعي وحق الرعية، هو العدل والطاعة .
فإذا كان المؤلفون في الآداب السلطانية ونصائح الملوك ( أو مرايا الأمراء ) كما يشير إلى ذلك الأوربيون و الكثير منهم كانوا فقهاء أو متكلمين الذين اهتموا ( بالحق ) و (العدل) وذلك للعلاقة بين الله و الإنسان . فكانوا يهتمون خاصة (بالحقوق) في علاقة الحاكم بالمحكوم، وكذلك على المستوى السياسي ،كما بنوا هذا الارتباط على (العدل ) و (الطاعة ) لأنهما حقان متلازمان ، لأنه على الراعي أن يكون عادلا و في المقابل ذلك على الرعية أن تمتثل و تطيع. ونجد في كتاب الله العزيز أن الأمر مطلقا و عاما في آياته العديدة كقوله تعالى و تبارك، ( إن الله يأمر بالعدل و الإحسان ) و كذلك قوله (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
ذذو يؤكد القرآن الكريم عدم التمييز بين الناس سواء بين الفقير و الغني و البعيد و القريب و يلزم أن يكون العدل بينهم لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا و إن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)، و قوله كذلك في كتابه الحكيم أيضا ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) .
فالعدل واجب و مطلوب حتى مع الخصوم و نجد كذلك أحاديث كثيرة رويت عن النبي (صلع) للإشادة بالعدل و حث الناس على الالتزام به، من ذلك أنه قال (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة و أدناهم منه مجلسا إمام عادل وأبغض الناس إلى الله و أبعدهم منه مجلسا إمام جائر ) (رواه الترمذي) . و إذا كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د.3) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948 اعتمدت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و أصدرته، و طلبت من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان ” و أن تعمل على نشره و توزيعه وقراءته و شرحه، و لاسيما في المدارس و المعاهد التعليمية الأخرى، دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم ” فلا بد أن نستحضر بعض نصوصه في هذه الدراسة لأهميته و العمل به تنفيذا لميثاقه الذي صادق عليه المغرب و دول عديدة في العالم المعاصر لأن ديباجته كذلك تؤكد حق الانسان رجالا ونساء بصفة متساوية، في الكرامة والحرية والعدل والسلام وأن يتولى القانون حماية حقوق الانسان ضد الظلم والاستبداد وأن لا يتعرض إي إنسان للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة الانسانية, وأن لكل شخص الحق في التعلم، على أن يكون التعليم في مراحله الأولى و الأساسية على الأقل بالمجان، و أن يكون التعليم الأولي إلزاميا و أن يعمم التعليم الفني و المهني، و أن ييسر الوصول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع و على أساس الكفاءة.
وقد جاء الدستور المغربي مطابقا لميثاق الأمم المتحدة، و لكن يجب أن تصان و تطبق فصوله تامة و كاملة لنكون في مستوى الدول التي تحقق الحقوق لأبنائها و بناتها دون تمييز و كل مطالبها الأساسية و المشروعة و العادلة لتصون الحقوق والمكتسبات التي نادى بها الإسلام الحنيف و العلماء و المفكرون عبر التاريخ الإنساني الطويل، إذ كيف يعقل أن يكون التعليم بوطننا غير مجاني و عمومي للجميع بجميع مستوياته، و قد نادى بذلك الوطنيون منذ مدة طويلة و الحقوقيون و الزعماء و غيرهم ممن لهم غيرة كبيرة على تقدم بلدهم و أمتهم ، وهذا لا يتأتي باكتظاظ الأقسام التعليمية و بالكم الهائل للمقررات بل بالكيف الغير المشحون بالمواد المكثفة التي تسعف العقل بتحملها و بالاستفادة منها كما تعمل الدول الراقية و المتقدمة في مقرراتها التعليمية المنظمة أحسن تنظيم كما في دول كل من أند ونسيا و اليابان و ألمانيا و غيرها، بل أضيف في الختام ما وقع بدولة مصر العربية الشقيقة خلال سنوات الأربعينيات من القرن الماضي في عهد الملك الراحل فاروق، لما طلب من عميد الأدب العربي المرحوم برحمة الله الواسعة طه حسين أن يتولى منصب وزيرا للتعليم بها، فقد اشترط أن يكون في عهده إصلاح التعليم الشامل و أن يكون مجانيا و عموميا، فقبلت مصر بذلك منه وأصبح وزيرا للتعليم و المعاريف …
كما أن هذا العميد الموقر لما طلب منه كذلك في العهد المذكور لأن يدخل إلى الجامعة من جديد بعد استقالته منها – لأنه هو من المؤسسين الأوائل لها بمصر العزيزة- وذلك بسبب اعتقال المناضل و المفكر الفذ أحمد لطفي السيد و إدخاله إلى السجن -و الذي كان مسؤولا في الحزب الوطني الوفد المصري الذي كان يترأسه الزعيم سعد زغلول -نظرا لكونه كان يدافع عن الحريات العامة بجامعة الأزهر و بالمجتمع المصري، و لما استجابت الحكومة لطلبه بإطلاق سراحه من السجن السياسي استأنف طه حسين من جديد عمله بالجامعة المصرية، في خدمة أبناء وطنه.
كما كان الشأن بالنسبة لمحرر المغرب محمد الخامس ووارث سره الحسن الثاني طيب الله ثراهما، والزعيم الهندي المهاتما غاندي الرائد في تحرير بلاده بالسلم و الزعماء الكبار أمثال علال الفاسي و محمد عبد الكريم الخطابي و غيرهم من الزعماء الأحرار الذين خلدهم تاريخ الشعوب و الأمم و ظلوا مثالا و نبراسا يحتذى في التضحيات الجسام بالغالي و النَّفيس من أجل حرية و استقلال و تقدم بلدانهم و تحريرها من الاستعمار الغاشم و الغاصبين و المستبدين.