قبل الخوض مباشرة في مفهوم نظريات التلقي، سأقوم أولا بإعطاء فكرة عامة وجمة عن نظريات الاتصال التي انبثقت منها هاته النظرية.
يعتبر الاتصال من بين أهم المجالات في حياتنا، فلكلمة الاتصال معان عديدة وتفسيرات متباينة، فهناك عدد من الباحثين أكدوا أن الاتصال عبارة عن علم، بينما رأى آخرون أنه فن.
يعتبر الاتصال من بين أقدم أوجه نشاط الإنسان، فهو من الظواهر المألوفة لدينا أكثر من أي شيء آخر وهذه الكلمة “الاتصال” تعني أشياء كثيرة عند عدد من الناس.
فمعنى الاتصال واضح وغامض في نفس الوقت، فالتعريف البسيط للاتصال يتجلى في كونه فن إرسال المعلومات والأفكار والمواقف من شخص لآخر.
إن الاتصال قد أضحى في نظر الإنسان كالماء والهواء فبدونه لا يعيش ولا ينمو ولا يتطور ولولا الاتصال لما وجد عالم اليوم بالشكل الذي نراه بكل ما فيه من حضارات وثقافات مع التأكيد على أن الاتصال عملية مستمرة ومتغيرة.
يعنى بكلمة الاتصال أيضا على أنه عملية اجتماعية غايتها حصول الفرد والجماعة على المعارف والمعلومات مع ضرورة الإلمام بتجارب الجماعات والأفراد.
هناك من يوضح أكثر أن الاتصال ينقسم إلى قسمين:
- وسائل اتصال قديمة عرفها الإنسان منذ القدم أي منذ بدء الحياة البسيطة، ولعل من أبرز وسائله اللغات والإشارة والأصوات ولقد كان ما يسهل عملية الاتصال في ذلك الوقت هو الجمال، الخيول، والسفن الشراعية.
- وسائل اتصال حديثة وهي بطبيعة الحال الوسائل التي ظهرت مع ظهور الطباعة والتلغراف والهاتف وبعدها التنقل إلى عصر الراديو والسينما والتلفزيون لتحذ الثورة التكنلوجية والتي قلبت الاتصال رأسا على عقب فظهرت التوابع الفضائية والاتصالات الحديثة السلكية واللاسلكية المختلفة أو ما يطلق عليها وسائل الاتصال من راديو وتلفزيون.
إذن فالاتصال هو عبارة عن عملية مشاركة الأفكار والمعلومات من خلال عملية إرسال وبث للمعني وتوجيه وتسيير له، ثم استقبال بكفاءة معينة وذلك قصد خلق استجابة معينة في وسط اجتماعي معين.
وقد اتفقت جل الأبحاث والدراسات التي تناولت الموضوع منذ ما يزيد عن نصف قرن حتى الآن، وعليه تم تقسيم الاتصال إلى أنواع أو نماذج عدة أبرزها:
الاتصال الذاتي، الشخصي والجماهيري، هذا النوع الأخير من الاتصال تجاوز اللقاء المباشر والتفاعل الاجتماعي وجها لوجه وذلك من خلال استخدام تقنية باهظة الثمن والتكلفة كالطباعة، والإذاعة المسموعة والتلفزيون، والسينما.
هذا فضلا عن منظومة الاتصالات والمعلومات عبر الأقمار الاصطناعية وشبكة الأنترنت.
وعليه يمكننا أن نقول إنه يوجد بالاتصال مدخلين أساسين ألا وهما:
- المدخل الأول: يُنظر إلى الاتصال على أنه عملية يقوم فيها (المرسل) بإرسال رسالة إلى طرف آخر ألا وهو (المستقبل) ما يؤدي إلى حدوث أثر معين على متلقي تلك الرسالة.
- المدخل الثاني: يرى على أن الاتصال يقوم على تبادل المعاني الموجودة في الرسائل، والتي من خلالها يتفاعل الأفراد من ذوي ثقافات وجنسيات مختلفة، وذلك لا محالة قصد إتاحة فرصة لتوصيل المعنى وفهم الرسالة المراد إرسالها.
أنواع الاتصال:
- الاتصال الذاتي:
هو نوع من الاتصال الذي يحدث بين الإنسان ونفسه، فعلى سبيل المثال عندما تشاهد التلفاز فإن عينك وأدنك تستقبل المعلومات وترسلها إلى الدماغ، فإذا الشيء الذي رأيته أو سمعته يبعث عن التشويق والمتعة فإن نظام الاتصال الذاتي عند الشخص يعبر لا محالة عن ذلك وبالتالي تعطيه اهتمامك.
- الاتصال الشخصي المباشر والغير المباشر:
المباشر: هو الاتصال الذي يتم بين عدد من الأشخاص، حيث يكون التواصل عن طريق كلمات وإشارات أو حركات، على سبيل المثال محادثة بين الأصدقاء في مقهى، بعبارة أخرى اتصال بدون وسيط.
غير مباشر: هو الاتصال الذي يتم بين عدد من الأشخاص بواسطة استعمال وسائل التواصل والتكنولوجيا الجديدة لإيصال الرسالة واستقبالها بسهولة مثل: مكالمة هاتفية، رسائل نصية…
- الاتصال الجماهيري:
يعني بكل بساطة حاجة الاتصال لوجود جمهور مستقبل، مثلا خطاب مصور للرئيس فهو يتوجه فيه للجمهور، فالاتصال الجماهيري يعد من بين أهم الأنواع الرئيسية للاتصال الجماهيري، فهذا الأخير يختلف لا محالة عن كل من الاتصال الذاتي والشخصي، في أنه يتطلب وسيلة جماهيرية لإرسال الرسالة التلفزيون، المذياع، أو الصحف.
عناصر عملية الاتصال:
ان النظر إلى الاتصال كعملية مشاركة، يعني أن الاتصال لا ينتهي بمجرد أن تصل الرسالة من المصدر(المرسل) إلى المتلقي (المستقبل).
كما يعني أن هناك العديد من العوامل الوسيطة بين الرسالة والمتلقي، بما يحدد تأثير الاتصال، من جهة أخرى فإن كلا من المرسل والمتلقي يتحدث عن موضوع معين أو موضوعات معينة، فيما يعرف بالرسالة أو الرسائل ويعكس هذا الحديث ليس فقط مدى معرفة كل منها بالموضوع أو الرسالة ولكن يتأثر أيضا بما لديه من قيم ومعتقدات، ما يثير لديه ردود فعل معينة تجاه ما يتلقاه من معلومات وأراء ويحدد مدى تأثيره بهذه المعلومات والآراء.
في هذا الإطار، تطورت النماذج التي تشرح وتفسر عملية الاتصال بعناصرها المختلفة، حيث ظهر في البداية النموذج الخطي أو المباشر الذي يرى أن تلك العناصر هي:
المرسل والرسالة والمستقبل، لكن الدراسات التي أجريت منذ أربعينيات القرن الماضي، بينت مدى قصور ذلك النموذج، وحطمت النظرية التي تقول أن لوسائل الإعلام تأثيرا مباشرا على الجمهور أو المتلقي.
شهد النص الأدبي في أواسط القرن الماضي، ميلاد ثلة من النظريات النقدية، التي تولي اهتماما للكاتب وظروفه كالمنهج التاريخي والاجتماعي وكذا النفسي، من جهته سطعت مناهج أخرى لكن هذه المرة اهتمت جملة وتفصيلا بسلطة النص مؤكدة على ضرورة دراسته دراسة داخلية، كما الشأن عند الشكلانيين الروس، ولدى رولان باث الذي حث على دراسة النص ولا شيء غير النص معتبرا أن المؤلف يضحي بنفسه مقابل استمرار النص، من خلال تفاعلاته البنيوية الداخلية، وكان لذلك الجدل والصراع القائم بين هذه المناهج النقدية والنظريات المعرفية المتباينة الأثر الواضح في ميلاد جمالية التلقي في النقد المعاصر “الهيرمنيوتيكا” مع مدرسة كونستونس الألمانية بقيادة هانز روبرت لياوس؛ وفولف جونج إيزر.
إن نظريات التلقي عبارة عن مناهج للقراءة والتأويل، هدفها بناء مفاهيم وإجراءات لبلورة مستويات قراءة النص ونقده إلا أنها بقيت نظرية تجريدية لم تطبق على أرض الواقع.
النقد الأدبي اعتمد في صيرورته اتجاهات نقدية انصبت على المؤلف وعلى النص، لكنهما أهملا طرفا أساسا في هذه الصيرورة النقدية ألا وهو الشخص المتلقي، باعتباره مكونا أساسا في مشهد النقد الإعلامي، حيث ظهرت نظرية معاصرة اهتمت بهذا الطرف الثالث أي “المتلقي” المكانة التي يجب أن يأخذها المتلقي.
إن نظرية التلقي التي نشأت في القرن ال 20 بألمانيا على يد كل من “هانز روبرت ياوس” و “فولفرانغ
أيزر” من جامعة كونستانس باعتبارها كمهد لهذه النظرية، إذ تمكنت من إعادة الاعتبار عن طريق مفهوم جديد للعملية الإبداعية للمتلقي في سياق منظور جديد للقراءة.
وبذلك تكون هذه النظرية حازت نوعا من السبق في رد الاعتبار للمتلقي كطرف أساس يضاف إلى عنصري المؤلف والنص في النظريات التقليدية، أي أن هناك علاقة جدلية ما بين المؤلف والنص والمتلقي.
حيث اتخذ الاهتمام بدور القارئ في دراسة النص الأدبي حيزا كبيرا ومهما في الدراسات النقدية الحديثة… فقد تم تجاوز النضرة السائدة التي كانت تنضر في العلاقة القائمة بين المبدع والقارئ على أنها علاقة منتج ومستهلك.
ودور المتلقي في هذه المنظومة طرف يعطي بعدا جماليا وأدبيا للنص الأدبي، إذ أن المنظومة بأكملها “المؤلف والنص” لن تكون مكتملة ما دامت منغلقة على نفسها بدون مساهمة الطرف الثالث الذي له مكانة في تأويل هذا النص أو في قراءة النص وتأويله ألا وهو المتلقي.
إن دور المتلقي في استقباله للنص يأخذ بعدان:
- البعد الأول يتمثل في الاستجابة مع النص اعتبارا لكونه يتناغم وطموحه في الاشباع.
- والبعد الثاني يتمثل في رفض تلك الاستجابة لكونها لا تستجيب مع متطلبات القارئ.
فالمتلقي هو المقياس الأساس في تحديد الجودة من عدمها وفق متطلباته ورغباته، إلى أن حكمه على النص يبقى حكما شخصيا مرتبط أساسا بثقافته وتكوينه، أي أن النص الذي يستجيب لرغبات المتلقي قد لا يستجيب لآخر لأن الحكم على النص يبقى حكما لا يتجاوز مفهوم المتلقي له.
أنواع نظريات التلقي:
- نظرية المنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي: حيث أن هذه الأخيرة أعطت اهتماما كبيرا للكاتب وأطروحته.
- نظرية التلقي والتأويل: وضع قواعدها العلمية الغرب، فهي تستجيب للجمهور المتلقي وللإشارة فإن تاريخ هذه النظرية يعود إلى نظرية المحاكاة عند “أرسطو” اعتبارا لكونها تشتمل على فكرة التطهير التي تقوم وتنهض على استجابة المتلقين وردود أفعالهم اتجاه الأثر الأدبي حسب رأي الناقد محمد يوب.
- نظرية سلطة النص: حيث أنها اهتمت بشكل مباشر على دراسة النص دراسة داخلية، كما هو الأمر عند “الشكلانيين الروس” وعند الكاتب “رولان بارث” الذي أكد على دراسة النص ولا شيء غير النص، وهذه النظرية تعتبر أن المؤلف بمجرد انتهائه من تأليف النص يتعرض إلى الموت من أجل حياة النص، من خلال تفاعلاته البنيوية الداخلية.
- نظرية الهيرمينيوتيكا: هي التي كان لها الأثر الواضح في ميلاد جمالية التلقي في النقد المعاصر، مع مدرسة “كونستونس الألمانية” بزعامة “هانز روبرت ياوس” و” وفولف جونج إيزر”.
سهيلة أضريف