لا أحد ينكر كم الفنون التي أبدعت فيها المرأة المغربية عبر تاريخها الطويل ببراعة منقطعة النظير، وتشهد بذالك فنون الحياكة والنسيج والتطريز والنقش والزخرفة والخزف وفنون الرسم والتشكيل بشكل خاص وغيرها كثير من الفنون التي تؤكد الحضور الدائم لصيغة المؤنث في المشهد الجمالي المغربي .
لكن رغم كل هذا التراكم الفني الذي تحقق إلى اليوم إلا أنه ظل مغمورا ، ولم تلتفت إليه بالقدر اللازم أقلام الصحافة والكتاب ومؤرخي الفن والنقاد والمتخصصين ،إلا من منشور صادر عن نقابة الأدباء والباحثين المغاربة:
” التشكيل المغربي بصيغة المؤنث ” للناقد والباحث الفني “محمد أديب السلاوي “، وهو كتاب ينبش في ذاكرة المغرب ويستخلص إبداعات التشكيل النسائي المغربي مابين الأصالة والمعاصرة.
على هذه الخلفية وبمناسبة ” موسم أصيلة الثقافي الدولي الثالث والأربعين(الدورة الخريفية ) كان لا بد من نقل بصمة الفنانة الزيلاشية في هذا القطاع ، إذ هي شريكة للفنان الزيلاشي ومنافسته بلا منازع، فقد احتلا معا مكانة هامة في طليعة التجارب التشكيلية العربية المفتوحة على الحداثة الإبداعية .
في مرسم الفنانة التشكيلية كوثر الشريكي كان لي لقاء يبعث على الراحة والطاقة الإيجابية بين أحضان الألوان ، وبراعم المستقبل ، ورثة هذا الفن الجميل .
س ˸ من هي كوثر الشريكي ؟
ج ˸ فنانة تشكيلية خريجة مدرسة الفنون الجميلة بتطوان ،عضو في مؤسسة منتدى أصيلة المؤسس من طرف السيد محمد بنعيسى وزير الثقافة المغربية الأسبق سنة 1997 كمشروع ثقافي فني ومركز إشعاع فكري وفني عالمي.
مشرفة على ورشة الطفل خلال موسم أصيلة الثقافي.
س ˸ باعتبارك مؤطرة لورشة الرسم الخاصة بالأطفال في قصر الثقافة بأصيلة منذ سنوات ، حدثينا ما الذي يجعل الرسم أكثر الفنون الجذابة استهواء للطفل؟
ج ˸ أصيلة جوهرة الشمال المغربي التي ترصع ضفة المحيط الأطلسي مدينة جميلة أولا بمواقعها الجغرافي ومآثرها التاريخية ،ومدينة الحواري القيمة المزخرفة بأروع الجداريات لكبار الفنانين المشهورين وطنيا ، فأطفالها يتغذون على الذوق الرفيع في فضاءات المدينة قبل الالتحاق بالورشة ،وكلهم(ن) شغف لمغازلة الألوان والتعلم لتحقيق حلم يراود معظمهم ،وقد ساهمنا في تحقيق هذا الحلم وخرجنا بهم لرسم جدرايات خاصة بهم تحمل أسماءهم ، يفتخرون بها طول السنة .
س ˸ كيف يمكن اكتشاف موهبة الرسم عند الصغار؟
ج ˸ بحبه للألوان وتعامله معها حرفيا، إذ يجيد التنسيق فيما بينها ، يركز على لوحته بكل هدوء واهتمام ، ولا يبرح مكانه حتى آخر دقيقة من انتهاء الورشة، إضافة إلى مواظبته على الحضور اليومي بنشاط.
س ˸ قد يخطط الطفل لوحة عشوائية من أول وهلة ، لكنها تحمل مشاعره وأفكاره اللاواعية، فهل يمكن اعتبار هذه اللوحة تجريدية؟
ج ˸ من سن ثلاث سنوات إلى خمس سنوات لايخطط الطفل للوحة، بل يرسم بعفوية فتكون لوحته تجريدية 100% لأنها تحمل مشاعره الجميلة و النقية المعبرة عن برائته.
س ˸ حدثينا عما تحركه الألوان ودلالاتها من ذوق وجمالية في نفوس الأطفال.
ج ˸ بالتعامل مع الألوان تعاملا فنيا دقيقا ،وهذه مهمتي كمؤطرة، ففي هذه السن يكتسب الطفل المهارات الفنية ويستفيد منها طوال حياته ، ويتأثر بها في اختيار لباسه وكلماته عند الحديث مع الآخرين ،وفي تعامله مع أصدقائه وحفاظه على الممتلكات العامة،التي يغلب عليها طابع الجمال والذوق الرفيع.
س : الرسم عند الطفل فن قائم بذاته، وقد اتفق علماء النفس على أن له عظيم الأثر على شخصيته ونشأته ونموه النفسي ، فكيف يمكن أن نجعل من رسومات الأطفال رسائل محبة وسلام لكل العالم؟
ج : الطفل في الورشة يحاكي الألوان ، يتعلم رمزيتها، وعندما يرسم في رسوماته أعمق مما نتخيل ،فهي لغته التي يعبر بها عن نفسه وعن علاقاته بكل من يحيط وما يحيط به ، وهي تعبيرات فنية ذات رسائل مشفرة، ولعل كتاب : ” الدكتورة منال عبد الفتاح الهنيدي” مدخل إلى سيكولوجية رسوم الأطفال ” يمكن ان يسهل على المهتمين معرفة هذه الرسائل.