وفاء رسول الله (ص) لزوجته خديجة الطّاهرة
الخميس 03 نوفمبر 2016 – 16:47:56
الحديث يمنح مجالا للتّعريف باالسّيّدة الفاضلة، ألا هي خديجة بنت خويلد، زوج سيد الأولين والآخرين ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك أم المؤمنين، لقد كانت من أعرَق بُيوت قريش نسبا وحسبا وشرفا، لقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة. يلتقي نسبها بنسب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجد الخامس، وهي أول امرأة تزوَّجها، وأول من أسلم بإجماع المسلمين. وقبل لقاء حبيب الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت خديجة ـ رضي الله عنها وأرضاها، امرأة ذات مال وتجارة رابحة، لقد كانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثهم إلى الشام بها، ومرت الأيام فوصل إلى مسامعها ذكر « محمد ابن عبد الله» كريم الأخلاق، الصادق الأمين، لقد كان قليل أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات، فماكان لها أن أرسلت إليه وعرضت عليه الخروج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار.
فقبل منها ذلك، وخرج في مالها ومعه غلامها “ميسرة”. فربح من المال ضعف ما كان يربح أو أكثر.
لقد أخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه وصفاته التي وجدها فيه أثناء الرحلة، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والسيدة خديجة يومئذ بنت أربعين سنة.
بقي معاً حتى توفاها الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهي في الخامسة والستين، وكان عمره في الخمسين، وهذه هي أطول فترة أمضاها النّبي مع هذه الزوجة الطاهرة من بين زوجاته جميعا، وهي أقرب زوجاته إليه، فلم يتزوج عليها غيرها طوال حياتها، وكانت أو ولده الذكور والإناث إلاّ إبراهيم، فإنه كان من ماريّة القبطة رضي الله عنها، فكان له منها : القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. لقد تميزت حياتها بنصرة رسول الله، وهذه السّمة من أهم السمات التي تميز شخص السيدة خذيجة رضي الله عنها وأرضاها. تلك المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكل ما ملكت للّه ولرسوله، يكفي في ذلك أنها آمنت بالرّسول ﷺ وآزرته ونصرته في أصعب اللحظات التي قلما تجد فيها نصيراً أو مؤازرًا أو معينًا.
ثم هي -رضي الله عنها- تنتقل مع رسول الله ﷺ من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار، فلم يزدها ذلك إلا حبًّا لمحمد وحبًّا لدين محمد ﷺ ، وتحديًا وإصرارًا على الوقوف بجانبه، والتفاني في تحقيق أهدافه. وكانت وفاتها رضي الله عنها وأرضاها قبل الهجرة بثلاث سنين، وقبل معراج الرّسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولها من العمر خمسة وستون سنة.
إنّ الرّسـول ـ صلى اللّه عليه وسلّم ـ هو المثل الأعلى في الوفاء، لقد ضرب أحسن المثال في الوفاء لأهله وأصحابه وزوجاته، من ذلك وفاؤه لزوجته خديجة رضي الله عنها وأرضاها، إن هذا واضح في مجموعة من الأحاديث، من ذلك «كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة قطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة»، قال النبوي «في هذا دليل لحسن العهد وحفظ الود، مع رعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب»، ومن وفائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها أنه كان يصل صديقتها بعد وفاتها ويحسن إليهن،عند ماجاءت جثامة المزنية لتزور النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن استقبالها، كما بالغ في الترحيب بها، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ » فـقال: «يا عائشة إنها كانت تاتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان»، وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان النّبي عليه السلام إذا أتى بشيء يقول اذهبوا به إلى فلانة، إنها كانت خديجة وتحبها»، رواه الحاكم، من وفائه عدم زواجه عليها بعد موتها ووبعد فترة طويلة : «عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم ما غرت على امرأة ماغرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها»، قالت: «تزوجني بعدها بثلاث سنين وأمره ربه سبحانه أوجبريل عليه السلام أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب» رواه البخاري.
من فوائد الحديث أن الدّاعية الناجح يتسع صدره لما يصدر من المدعو مما يضايق أو يدعو إلى الغضب فلا يقابل هذا الضيق أو الضجر بمثله وإنما يصبر عليه ويحتويه ويعامله بالإحسان وذلك واضح في صبر النّبي صلى الله عليه وسلم على غيرة عائشة وسعة صدره معها عندما مكانت تغضب من ذكره صلى الله عليه وسلم، خديجة