موجة الغلاء التي اجتاحت البلاد والعباد، ذكّرتْني بدعاء كان فقيهنا السيد عبد السلام بن حمزة، يردده على مسامعنا كل مساء، فنرفع أصواتنا مرددين: آمين، آمين.
هذا الدعاء هو: “الله يهرّس مُدّ الغْلا”، ويأتي ضمن الأدعية التي نختتم بها حصصنا المسائية بكُتّاب الحي، عقب سورة من السور.
لو افترضنا أن فقيهنا هذا لازال على قيد الحياة، وواصل ترديد هذا الدعاء، فكيف سيتعامل معه أصحاب الوقت؟
هل سيُدرجونه في زمرة المحرضين على الفتنة؟ هل سيتهمونه بتهمة إفساد النشء؟ هل…؟
أسئلة كثيرة يمكن أن تصنف فقيهنا في قائمة المعارضين، لأنه يختتم حصص المسيد المسائية بدعاء فيه مسٌّ بالغلاء، ومساسٌ بالمراقبين للغلاء، وأقصد بهم أعضاء لجن المراقبة التي شُكلت -في وقت ما- للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين.
وتجدني أتساءل عن هذه اللجن، وعن الأدوار الموكولة إليها في المراقبة والمساءلة والحساب والعقاب،وهل لازالت تضطلع بهذه الأمانة، بصدق وأمانة، أو تنازلت عنها لجهات أخرى؟
كما تجدني أتساءل عن جمعيات حماية المستهلك، وما أكثرها، وعن الأدوار التي تضطلع بها في أمثال هذه المناسبة.
كنا نمني النفس ببلاغ يتيم يشعرنا بأنها لازالت حية تُرزق، وأن المناسبة، مناسبتها بامتياز.
أما كان حريا بها أن تخرج علينا ببلاغ يندد بالمتلاعبين بالأسعار؟
هذا في نظري أضعف الإيمان.
يوم اشتعل فتيل الحرب بين روسيا وأكرانيا، لم يكن أحد يتوقع أن تصل الأمور بعالمنا المتحضر منه والمتخلف، إلى هذا الحد، فيقل الزاد، وترتفع أسعار المحروقات، ويلوح شبح المجاعة، ويتهددنا الأقوياء باستعمال الأسلحة النووية، وباندلاع حرب عالمية ثالثة.
والفتنة – كما ورد في آية كريمة – أشد من القتل.
والمتحمسون للفتنة كثيرون، اعتادوا التحرك في أمثال هذه المناسبات، ليصبوا الزيت على النار، وليضيفوا إلى أرصدتهم المالية، أرصدة إضافية، على حساب القتلى والجرحى والمشردين.
كنا نعتقد جميعا أن خروجنا من نفق “كورونا” وشيك، وبأن فرج الله قريب، فإذا بهذه الحرب تخلط أوراقنا، وتُدخلنا في حسابات عسيرة، لا يعلم منتهاها إلا علام الغيوب.
فاللهم نسألك اللطف فيما جرت به المقادر.
مصطفى حجاج