هي العين التي تتدفق أياما وتسيل كخيط أخرى، لم تنقطع يوما، ماؤها ينبع من نقطة كالسحر، لايراها من يرتوون منها.
لا أحد وقف عند تلك العين، كما وقف الخطيب يخطب في الجموع، ليقول لمن يصطفون من أين تستقي عذوبة مائها و بركته، فكلما تجمع الناس حول شجر أو حجر أو بشر تجري الألسنة بما له من أثر خفي على جلب الخصب، أو شفاء مرض، أو تفكيك حصى…، أو إبطال سحر أو توكال، وقانا وواقكم الله من شره وإجرام صانعيه وطاعميه.
بقي سر العين سرا، وظل الناس يتجمعون حوله ليرتووا أو يملأوا ما وجدوه بين أيديهم من قارورات بلاستيكية أو زجاجية أو فخارية- بالنسبة لي أنا الرواي فلا أخفي عليكم عشقي لهذه الأخيرة – إلى أن اختفت إلى حين لكي تعود لا كما كانت، لقد انقلب المكان الذي آواها إلى صلب وأسمنت سميك، انطفأت التربة ومات
النبات وماتت الحركة وفي الحركة البركة..
في الجانب الأيمن من العين بنى أحدهم، كما كان يرى الراوون والمستسقون على حد سواء في الرؤية، قد يكون إبن تلك الأرض أو أحد خلفه أو عابر سبيل-من يدري؟!- مايشبه داران أو حانوتان، تظلهما شجرة التين وأشجار مثمرة أخرى، لست متأكدا من نوعها وأنا أكتب وأتذكر، لكن في الأغلب الأعم تحاط الحوانيت والبيوت على الطريق بأشجار مثمرة استجلابا لمزيد من الخير وتدعيما لبركة المزار الأصل التي يكمن فيه سر الأسرار.
قال المتأمل المتفلسف وهو ينزل من سيارته الرمادية:
– لم أتساءل يوما لماذا…؛ فقط أرتوي وأملأ وأمتلئ كما يرتوون ويملأون ويمتلئون. لكنني وأنا أقف بالمكان، كما وقفت منذ عقود، وقد خضع لهدم وقلب وردم، ثم استوى فتغيرت معالمه. أتساءل هل سأرتوي بنفس السحر، وقد بدا لي خيط الماء ينساب محتشما يلفه لايقين الغربة وسحاب النوستالجيا وقد استوحش المكان وما حوله واندرست الداران وذوت الأشجار المباركة.
وأضاف متناجيا:
-نجت العين، صحيح. أخذ، المكان هيئة مستحدثة كتابع للطريق، صحيح. لكن كيف ضاع سحر العين وسرها الذي كان…فرن هاتفه رنينا بأغنية من أغاني عبدالوهاب التي سكنت روحه عندما كان يجوب أزقة فاس ثم يأوي متعبا، ليلا، إلى عين قادوس يشعله الحنين إلى باب العين حيث ذكريات الخلان وهم يتنسمون ريح الحداثة، وإلى باب العنصر حيث كان يرشف كؤوس الشاي مع ما لذ وطاب من السفنج… مطلا على مرابع الطفولة: العيون الجارية من رأس الماء، كهف حنة مسعودة، سيدي أحمد الوافي وجامع بوزعافر، والباب ذا ورزا…آه من تلك العيون؟!
عبد الحي مفتاح

































































PDF 2025
