الصناع التقليديون بشفشاون يطلبون دعما ملموسا ومستمرا
جريدة الشمــال – عبد الحي مفتاح ( الحرف التقليدية )
الجمعة 09 مــارس 2018 – 17:31:40
ما لا تملك سره لا يمكن أن تنافس فيه أصحابه، قاعدة بديهية، لكن ومع ذلك فبعض الأمم غير الغربية استطاعت بذكائها ومثابرتها وحسها الوطني أوالقومي العالي ونخوتها الاستقلالية، أن تجد لها موقعا تحت شمس العصر الحديث، بل أصبحت منافسة للغرب نفسه بعد أن فكت شفرات تقدمه العلمي والتكنولوجي.
ودون شك فإن الصناعة التقليدية هي الإرث الذي يملك المغرب أسراره ومفاتيحه بل روحه، وقد حافظت على هذا الإرث مناطق ومدن وقرى وأسر ومعلمين بارزين، لكن هذا الإرث ليس حصنا محصنا من عوادي الزمن وتحولاته ومتغيراته، لذا كان من الضروري وضع سياسات ورسم استراتجيات وخطط وبرامج وطنية وجهوية ومحلية متجددة وتنزيلها التنزيل السليم والقويم والنظيف لكي يحس على الأقل من يشتغلون في هذا مجال الصناعة التقليدية، كبارا وصغارا، أنهم غير منسيين، وأن ما يقومون به له قيمة مادية ثم حضارية.
شفشاون كباقي المدن العتيقة التي استقطبت مهاجرين أندلسيين واستقبلتهم بحضنها الدافئ، وكانت–ولازالت- مدينة التسامح بين مختلف الديانات والأقوام، وخاصة المسلمين واليهود، استوطنت فيها وازدهرت شتى شعب الصناعة التقليدية التي كان لها دور سوسيو اقتصادي لا غبار عليه، حيث بقيت الصناعة التقليدية مشغلا أساسيا لعدة قرون.
منذ سنوات والصناعة والصناع التقليديون بشفشاون يحتضرون بسبب التجاهل وترك الحبل على الغارب، ثم كذلك من جراء تدخلات نفتقر إلى الحكامة والإنسجام والاستمرارية، القليل منهم هو الذي استطاع أن يحافظ على توازنه حتى لا يصاب بالجنون، ولذلك فكثير من الصناع هجروا ورشاتهم وكثير من الخبرات والمهن التي كانت موجودة بالمدينة والإقليم ضاعت، وهو موضوع، لعمري، ذو شجون، ويحتاج إلى دراسات وبحوث سوسيولوجية دقيقة.
شفشاون الآن يميل اقتصادها بقوة نحو السياحة والتنمية المستدامة، بوعي أو غير وعي، والسياحة والتنمية المستدامة في المدن العريقة والمناطق الجبلية؛ يمكن أن تكون الصناعة التقليدية عمادا من أعمدتهما، لأن هذه الصناعة تعتمد في الغالب على مقاولات صغرى، وعلى العمل اليدوي وقليل من الطاقة، كما أن هذه الصناعة تعتبر مرآة تعكس الوجه المتميز والتاريخي والحضاري، لذلك فإن انتعاشة الصناعة التقليدية ممكنة بل انطلقت، ويمكن للدرازة والخرازة والصياغة والنجارة والتزويق على الخشب والحدادة والخزف وفن البناء العربي إلخ أن تعود لها جميعها الروح بعد أن أظهر بعض الشباب مقاومتهم الشرسة للمحبطات وتقلبات الزمن، و تشبثوا بالحفاظ على الخبرات التي اكتسبوها، من آبائهم أو معلميهم، في “الصنعة التقليدية” بل جددوا وأبدعوا فيها، بفضل الارتباط بالسوق الخارجي بشكل خاص.
لايمكن بصدد الحديث عن الصناعة التقليدية بشفشاون أن ننكر أن عدة مبادرات ومشاريع دعم استفاد منها الصناع التقليديون بتمويل داخلي(المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خاصة) وخارجي( في إطار شراكة بين منظمات إسبانية و إيطالية وجمعيات محلية كجمعية “التنمية المحلية” بشفشاون وجمعية “ريف الأندلس” وبلدية شفشاون والقطاعات المعنية إلخ)، وهي مبادرات و مشاريع حاولت أن توقف النزيف وتشجع الشباب على أخذ المشعل، لكن ما كان ينقص هذه المبادرات والمشاريع هو الرؤية البعيدة وفق أجندات متفق عليها لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات، وكذا الحكامة والالتزام أحيانا.
إن الروح التي انتعشت قد تنطفئ إذا لم تسقى باستمرار كالنبات الطيب، لذلك فمن أساسيات النهوض بالصناعة التقليدية بشفشاون، تثمين الموجود و تنميته و تطويره، و الموجود والظاهر للعيان هو على سبيل الذكر لا الحصر: مجمع للصناعة التقليدية يكاد يكون ميتا، وتعاونيات قليلة تزرع الأمل، وورشات هنا وهناك، خاصة في المدينة القديمة للاشتغال الفردي أو الجماعي، وبعض الصناع المبدعون، وتكوين تقليدي بالتعلم المباشر أو مهني بالتدرج أو غيره، و معارض دورية داخلية وخارجية، وسوق يتحرك…
ما يحتاجه قطاع الصناعة التقليدية بشفشاون إذن، في السياق الزمني الحالي هو إعادة الاعتبار للصانع التقليدي و دعمه و تشجيعه وحمايته وصون كرامته وتكريمه، وصهر التدخلات المتعددة في بوتقة واحدة بتنسيق وتشاور وشراكة بين المعنيين بالأمر وتنظيماتهم والغرفة والقطاعات المعنية والبلدية والمجلس الإقليمي والمجتمع المدني، وخلق مراكز و مختبرات حقيقة تسهر على الدراسة والبحث والإبداع وتبادل الخبرات و بلورة مشاريع مشتركة للمزج في الصناعة التقليدية، وكذا تحريك المجمع ليلعب الدور المنوط به، و إحداث فضاء للمقاولات الحرفية وكذا للعروض الدورية، والدعم وتوسيع العادل لمشاركات الصناع في المعارض الداخلية والخارجية، والمساهمة في الدعاية لفائدة المنتوج التقليدي المحلي و إشهاره، وإدماج ورشات الصناعة التقليدية في المسالك السياحية، و تنظيم مباريات ومنح جوائز للصناع المجتهدين والمبدعين، و إيجاد صيغ لإقحام، ما أمكن، المهن التقليدية ضمن ورشات الأشغال الخاصة والعامة، خاصة في المدينة العتيقة، للمحافظة على التراث المعماري والعمراني للمدينة.
“الصنعة إذا ما غنات د ستر”، هذه حكمة جميلة لأجدادنا، لكن المؤمل في عصرنا هذا هو أن تصبح “صنعة بلادي” مشتلا حقيقيا للإنتاج ولخلق فرص الشغل، و إن لم تجلب الغنى للصانع الذي في يده سر من ذهب، فلتضمن له…، على الأقل، حياة كريمة وآمنة.