متابعة: ذ. منتصر الخطيب / تطوان
[تسعى هذه السلسلة إلى التعريف بمؤلفات الأستاذ إسماعيل الخطيب رحمه الله (1942/2013)، الخطيب الداعية بمساحد تطوان، والأستاذ بكلية أصول الدين، والرئيس السابق للمجلس العلمي المحلي للمضيق الفنيدق، والباحث المشارك في شتى مجالات العلم نشرا وتحقيقا؛ في الفقه والدعوة والإرشاد، وفي فن التراجم والسير، وفي الصحافة والتاريخ والقضايا الاجتماعية والسياسية.]
الحلقة الخامسة: كتاب “المختار من تعظيم المنة والمعيار”
(في بدع العبادات والعادات والطرقية)
تعتبر كتب النوازل من أهم المصادر في دراسة الاجتهادات الفقهية، ومعرفة مستوى الاجتهاد لدى الفقهاء، كما أن هذا النوع من المصنفات يزودنا بالكثير من المعلومات عن المستوى العلمي لمختلف العصور، ويمدنا بمعلومات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.. بهذا التقديم عرَّف الأستاذ إسماعيل الخطيب كتابه المذكور في العنوان: “المختار من تعظيم المنة والمعيار” في إحدى مقالاته بمجلة دعوة الحق، وهو كتاب يقع في 204 صفحة في حجم متوسط صدر ضمن مطبوعات جمعية البعث الإسلامي بتطوان سنة 1417هـ/1996م، سار فيه على منوال ما فعله طائفة من العلماء الذين تصدَّوا لمقاومة أصناف البدع بمجتمعاتهم وألَّفوا لذلك مصنفات في التعريف بها والتحذير منها ودعوة الناس إلى الالتزام بمنهج السلف الصالح.
وموضوع الكتاب عموما تسجيل ما ورد عن العالمين الجليلين أحمد بن يحيى الونشريسي (ت.914هـ) وأحمد بن خالد الناصري (ت.1315هـ) ودورهما في مقاومة البدع، ففي “المعيار” نعثر على إشارات متعددة لكثير من البدع استنكرها المفتون في الغرب الإسلامي، وفي “تعظيم المنة” حديث طويل عن مختلف البدع والضلالات، وهذا الكتاب “المختار” جمعٌ مختارٌ لما في الكتابين مع تعاليق ضافية..
يقول المؤلف عن دور كتب النوازل في المكتبة الإسلامية في المقال المشار إليه آنفا: « والمكتبة المغربية تزخر بعدد وافر من كتب النوازل، تدل كثرتها على مدى عناية المغاربة بفقه إمام دار الهجرة مالك بن أنس».
وتعتبر “نوازل عياض” و”نوازل” القاضي عبد الله ابن دبوس ومسائل ابن زكون أقدم ما ألفه المغاربة أو ما وصل إلينا مما ألفوه في موضوع النوازل، ثم توالى بعد هؤلاء الاهتمام بالتأليف في النوازل، حتى لا يكاد يخلو عصر من ظهور مصنف في الموضوع، ذلك أن الأحداث والوقائع تتجدد وتختلف من عصر لآخر، والناس بحاجة دوما لمعرفة حكم الشرع فيما يجدّ من نوازل، والفقه الذي هو « معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد»، قادر على مواكبة المستجدات وضبط أمور الناس ووضعها في إطارها الإسلامي، لذلك حرص طائفة من علماء المغرب على تصنيف نوازل الفقهاء المعاصرين لهم أو السابقين لعصرهم في موسوعات جمعت أبحاثا ودراسات وأجوبة لفقهاء عاشوا في عصور مختلفة، وهذا موضوع كتب النوازل.
بعد هذه التوطئة نعود إلى بيان أهمية هذا النوع من الكتب – برأي المؤلف- الذي اعتبر أن كتاب “المعيار” للونشريسي يأتي في مقدمة هذه الموسوعات الفقهية الهامة، فهو يحتوي على عدد كبير من النوازل، هي أجوبة أو حلول لمشاكل وقعت لشخص أو أشخاص، تولى طائفة من المفتين- أمثال ابن رشد وابن زرب والشاطبي من “الأندلس”، والياصلوتي والقباب وابن مرزوق والمشدالي من (المغرب)، وسحنون والقابسي والمازري من (تونس)- البحث عن حلول لها، وقد تنبَّه بعض الباحثين إلى هذه النواحي في المعيار فعملوا على دراسته والاستفادة من مادته.
أما كتاب “تعظيم المنة” للناصري فيقول عنه مؤلفه: «هذا بعون الله كلام يتعلق ببعض البدع المحدَثة في الدين جمعتُه من كتاب المدخل وكتاب المعيار وغيرهما لينتفع به إن شاء الله عامة المسلمين وخاصتهم ويفرقوا به بين الحق والباطل..».
وإذا كان علماء الكلام قد خصصوا بعض كتبهم للمساهمة في تأطير المجتمع بأسس العقيدة السليمة، وتخليص إيمان العامة والخاصة مما قد يعلق به من أخطاء وأوهام، وتعيَّن عليهم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يلزم علمه ولا يسع أحدا جهله من علم أصول الدين خاصة؛ كما نتلمَّسُه في مؤلفات لحن العامة وفق ما نجده في كتاب “لحن العوام فيما يتعلق بعلم الكلام” لأبي علي عمر السكوني (ت.717هـ)، فإن بعض الفقهاء قد قاموا – موازاة مع ذلك- بالمساهمة في تأطير مجتمعاتهم من تفشي البدع في مجال العبادات، فألَّفوا لذلك مصنفات في التعريف بها والتحذير منها ودعوة الناس إلى الالتزام بالمنهج السليم في باب مستحدثات الأمور، فألَّف أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي “المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب” الذي نعثر فيه على إشارات متعددة لكثير من البدع التي استنكرها الفقهاء في الغرب الإسلامي، وألَّف أحمد بن خالد الناصري “تعظيم المنة بنصرة السنة” الذي تضمن حديثا طويلا عن مختلف البدع والضلالات المستحدثة في زمانه، تصدَّى لها وجمَعَها بعد أن أضْعَفت فهمَ المسلمين لدينهم وآلت أمورهم بسببها إلى تخلف وتراجع، فكان الكتاب موسوعة كبرى اشتملت على صنوف هذه المحدثات والبدع، حتى يتمكن المسلم السائر على الطريق المستقيم من «التَّفَصِّي عن الوقوع في مهْواتها والسلامة من التلبس بآفاتها»- كما يقول الناصري في مقدمة كتابه-.
ولذلك كان عمل الأستاذ إسماعيل الخطيب في هذا الكتاب لحصر مجموع البدع المحدثة في زمانه، والمتضمنة في الكتابين معا؛ والمتعلقة ببدع العبادات كبدع المساجد وبدع شهر رمضان وبدع الجنائز والمقابر وبدع الذكر، وأتبعها ببدع العادات المتصلة ببعض الاحتفالات التي درج الناس على إحيائها في بعض المناسبات، ثم تطرق بصفة خاصة ومطولة لبدع الطرقية وقوفا على بيان حقيقة التصوف واجتماعهم في حلقات الذكر وغير ذلك مما ورد مفصلا بين دفتي الكتاب.